قبل أن نفيق من هول فاجعة القنافذ ووخز شوكها ، صدمتنا أجهزة الأمن بطائر اللقلق ( أبو مركوب ) عميل جهاز الموساد الإسرائيلي الذي قُبض عليه ، وزُجَّ به السجن مكبلاً بالسلاسل ، داخل قفص حديدي تحت حراسة مشددة لمنعه من التحليق والعودة الي اسرائيل مجدداً ! جاءت الرواية الأولى سافرة بتصريح على لسان مساعد أمن عبد القادر عبد الحي زكريا ، الذي أفاد بسقوط الطائر بشكل مفاجئ على مقر جهاز الأمن والمخابرات الوطني بفرعية أم كراع بمحلية الرهد بولاية القضارف على الحدود الأثيوبية ، حيث قاموا بإلقاء القبض عليه وفحصه ، فوجدوا به أجهزة تنصت وتصوير مما يؤكد أن مخابرات دولة أجنبية قد أرسلته للتجسس على السودان !!! وجاءت الرواية الثانية خجولة يكسوها بعض الحياء ، بعد سخرية الناس من الرواية الأولى ، لتتحدث عن عثور المواطن اسماعيل هارون ، بمنطقة أم الخير بمحلية الرهد بولاية القضارف على طائر ( إسرائيلي ) عالق بشباكه ، وذلك عندما كان يصطاد سمكاً في إحدى البرك بالمنطقة . واكتشف هذا المواطن أنَّ الطائر مزوّد بجهاز تتبع به هوائي ثلاثي ، وديباجة كتبت عليها أرقام وعناوين بريد الكترونية إسرائيلية مما حدا به لإبلاغ الأجهزة الأمنية بالمنطقة !!! كلا الروايتين تؤكد أن الطائر قد أصبح الآن في قبضة الأجهزة الأمنية ، وأنَّه قد تم تصنيفه جاسوساً إسرائيلياً ليست هذه هي المرة الأولى التي تتفوق فيها أجهزة الأمن السودانية على نفسها ، وتثبت كفاءتها في مراقبة وحماية أجواء السودان ضد كل طائر مستوطن أو مهاجر ، باع نفسه بثمن بخس لأجهزة مخابرات العدو الإسرائيلي ، فقد كشفت هذه الأجهزة في عام 2012 ، وبعد عدة أسابيع من قيام اسرائيل بقصف مصنع اليرموك العسكري ، في العاصمة الخرطوم ، كشفت عن ضبطها لنسر مزوّد بأجهزة تجسس متطورة ، إسرائيلية الصنع ، عُرف وقتها بصقر زالنجي !!! وأوضحت السلطات الأمنية في ذلك الحين أنَّ النسر كان يجوب المنطقة الواقعة فوق بلدة ( كرينك ) بغرب دار فور ، و يحمل على جناحيه أجهزة إسرائيلية صغيرة الحجم ، تعمل بالطاقة الشمسية ، تم تهريبها الي داخل السودان ، وتركيبها على أجنحة النسر في موطنه الطبيعي ، لتقوم بإرسال ونقل معلومات وصور فورية الي اسرائيل ، ويتم التحكم فيها عبر الأقمار الصناعية ، وتنقل الصور عبر نظام الملاحة جي پي اس !!! تكنلوجيا التجسس أصبحت تعتمد على آليات أكثر سرعة من الطيور ، وتضاهي سرعة الضوء ، حيث هناك تجسس وتنصت باستخدام أشعة الليزر والتي تصل الي أي مكان يتم توجيهها اليه ، ثم تعود محملة بالمعلومات المطلوبة . لماذا تكلف اسرائيل نفسها ، في زمن الأقمار الصناعية ، عناء وضع أجهزة متطورة على أجنحة طيور أو نسور ، يمكن أن تشغلها جيف حيوانات نافقة في الصحراء ، أو تمسك بها شباك الصيادين في برك الإسماك ، فتعوق عودتها ، وتتسبب لها في خسائر فادحة بفقدان تلك الأجهزة ؟؟؟ وماذا تستفيد اسرائيل من التجسس على مناطق نائية في أصقاع السودان ، مثل أم كُراع ، وأم الخير وكرينك ؟ جواسيس الموساد الإسرائيلي يجوبون شارع الجمهورية ، وشارع النيل طولاً وعرضاً على مرمى حجر من القصر الجمهوري ، ويعرفون ما يدور بداخله بالصوت والصورة ، ليلاً ونهاراً ، وتكنولوجيا الأقمار الصناعية لا تحتاج الي طيور أو نسور ، وما ضرب اليرموك ببعيد !!! هذه الطيور النادرة والمهاجرة ، تقوم جهات علمية عديدة في أنحاء العالم بتتبعها ، ورصد حركتها بواسطة أجهزة صغيرة تُعلَّق عليها ، وتزودها ببعض العناوين ليتم الإفراج عنها إذا وقعت في حبائل صياد ، أو أيدي أجهزة أمن لا ترحم !!! جهاز الأمن السوداني جهاز فاشل تخلَّى عن مهامه الدستورية المحددة في جمع المعلومات وتحليلها ، وتزويد القيادة السياسية بها ، وانشغل بتدريب الجنجويد ، وقتال المهمشين ، وخطف وتعذيب المعارضين السياسيين لحزب المؤتمر الوطني ، وأصبح يخرج علينا كل حين بمثل هذه الخزعبلات التي يريد أن يثبت بها مقدرته في منافحة المخابرات العالمية !!! سألت نفسي هل يمكن أن يكون هذا الطائر السجين في زنازين الأمن ، سليل ذلك الطائر المرتحل الذي حمَّله بازرعة أشواقه الدفيقة لحبيبه وللوطن وترابه وشطآنه والدار الوريقة ؟ هل يمكن أن يكون سليل طائر صالح الضي ( يا طير يا ماشي لي أهلنا … فسراع وصِّل رسائلنا … والشوق ما تنسى يا طائر لي كل البسألك عنا … قول ليهم على العهد مازلنا … ذكراكم أنفاسنا ومشاعلنا … كيف حال بستانا وخمايلنا … وربوتنا مجمع حبايبنا ) ؟ هل يمكن أن يكون سليل الطير المهاجر الذي استحلفه صلاح أحمد ابراهيم ( بالله يا الطير المهاجر للوطن … زمن الخريف ، تطير فسراع ، تطير ما تضيع زمن … أوعك تقيف وتواصل الليل للصباح .. تحت المطر ، وسط الرياح .. وكان تعب منك جناح .. في السرعة زيد ، في بلادنا ترتاح .. ضُل الدليب أريح سكن … فوت بلاد ، وسيب بلاد ، وان جيت بلادي تلقى فيها النيل بيلمع في الظلام … زي سيف مُجوهر بالنجوم من غير نظام … تنزل هناك وتحيي يا طير باحترام … وتقول سلام … وتعيد سلام … على نيل بلادنا سلام … ونخيل بلادنا سلام … وشباب بلادنا سلام ) ؟ هل يمكن أن يكون سليل الطير الذي عناه اسماعيل حسن ( بلادي حتى الطير يجيها جعان ومن أطراف تِقيها شبع ) ؟ بلادي لم تَعُدْ ملاذاً آمناً للطير والنَّاس ، وها هو سليل الإمام المهدي متهم بالتخابر مع إسرائيل في نداء السودان بباريس ، وكل طيور المنافي يستطيع جهاز الأمن أن يلفق لها تهم الخيانة والعمالة والتخابر !!! والله نحن مع الطيور الما بتعرف ليها خرطة ولا في ايدها جواز سفر … نمشي في كل المدائن نبني عشنا بالغناوي وننثر الأفراح درر … الربيع يسكن جوارنا ، والسنابل تملا دارنا ، والرياحين والمطر .