أحمد الفيتوري راشد الغنوشي يقول:"إن الإسلامي بصفةٍ عامة واقعٌ في مُفارقةٍ عجيبة، فهو من ناحية ضحية القمعِ والإقصاء ولذلك فهو يُطالبُ بالحرية، وقد يعتمدُ حتى على مبادئ حقوق الإنسان والمنظمات الإنسانية في الضغط على الحُكام المُستبدين، ولكن كأني به هو الآخر يحملُ عقليةً إقصائيةً لخصومِه، أو هو يخشى تلك الحرية التي يطالب بها، لذلك بمجرد أن يظفر بها يخنقها ويُضيق نطاقها". غسان شربل يقول:" الأشدُ قسوةً أن أي حل في سورية لا يُمكن أن يُوفر لأي طرف مكاسبَ أو ضماناتٍ تُوازي ما تكبدهُ. لن يحصل أي طرف بالمفاوضات على الحد الأقصى الذي تعذر عليه تحقيقهُ في ميدان الحرب، ربما لهذا السبب هناك من يُفضل ويلاتِ استمرار الحرب على الخيبات التي سيحملُها الحلُ السياسي، علماً أنه المخرج الوحيد من الهاويةِ الحالية." يُنكرُ الأُخواني أنهُ أُخواني في ليبيا ظهرتْ جماعةٌ صغيرةٌ في الخمسينات كرديفٍ لجماعةِ الأخوان المسلمين المصرية التي من المُعروف كيف حمى الأمير إدريس السنوسي ثُلةً منها فرت من مصر عقب اغتيال"النقراشي باشا" في مصر آخر الأربعينات، وغض النظامُ الملكي الليبي الطرف عن"جماعة الأخوان الليبية"إن لم نقل احتضنها في مواجهةِ المدِ القومي القوي حينها، في ما بعد قام النظامُ السعودي بمعاضدةٍ إنجليزيةٍ أمريكية بدعمِ هذه الجماعة بقوة، وكانت قد توطدتْ العلاقات بين الملك إدريس السنوسي والملك سعود الذي قام بُعيد الاستقلال بزيارةٍ لليبيا استقبل فيها بحفاوة. رغم هذا، بل بسببهِ، ظلت جماعةُ الأخوانِ في ليبيا جماعةً سرية، وظل الأخواني يُنكر أخوانيته حتى الساعة بعد أن أتاحت ثورةُ الشعبِ الليبي للجماعة العلنية، بل وكونتْ حزبا أسوة بجماعة الأخوان في مصر واستعارت حتى الإسم كما الأهداف وأنكرتْ صلةَ الحزبِ بها. بهذا وبضعفِ العملِ الجمعي، والقمع الذي وجههُ النظامُ العسكري، بل والملكي أيضا، لأي عمل سياسي علني أو سري ظلت جماعةُ الأخوان في ليبيا ضعيفةً وهشة، ولم تُبرز أي قيادات فاعلة ومميزة سواءً في العمل أو الفكر، وبه ظلت رهينة منشئها الخارجي الذي منه تستمدُ وجودها وواقعها واستمرارها. عليه لم تُجدد نفسها، لم تُنتج أي اجتهادٍ محلي، فما بالك على مستوى التنظيم الدولي، وإن برز أفرادٌ منها لا يصلون عدد أصابع اليد فإن أولئك الأفراد كانوا عليها ثقلا لا خفةَ له، ومما زاد الطين بلة أن هؤلاء الأفراد استخدمُوها لدعمِ ذواتِهم على المستوي العربي على الأقل، وجرجروها وراءهم في تبعية، حتى الشخصية منها، مما زاد من رهنها لقوى أحيانا ليست من القوى الإسلامية بل ومن أعدائها، وقسمها هذا الى جماعتين على الأقل: جماعة سويسرا وجماعة بريطانيا، وهي جماعات ذات هوي تعصف بها رياح السياسة بين السعودية والإمارات وقطر ومُؤخرا تركيا، ورغم أنها من بلد نفطي إلا أنها دخلت تحت خيمة"إسلام البترو دولار" برعايةٍ دوليةٍ غربية(بريطانيا-أمريكا)، فكانوا رهينةً وأداة، وجماعةً صغيرة محدودةَ الفعالية، وإن كانت مُنظمةً ومبنيةً على علاقاتٍ اجتماعية فيما بينها بالمُصاهرة، ومالية بالتشاركِ في العمل التجاري. أُخوانُ القعقعةِ دون طحين! حين تأسست الجماعةُ في ليبيا تأسستْ في الأردن جماعةٌ مُماثلة لكن الجماعة الليبية لم تُفلح أن يكون لها الدور الذي تبوأتُه الجماعة الاردنية، فأمست كما الجماعة في لبنان قعقعة دون طحين. ولم تنتج شخصية بارزة كما التُرابي أو الغنوشي بل شخصياتٍ عادية لا ألقَ لها، وقد سحب القذافي كما النظام الملكي- الذي هو ابن الحركة السنوسية- البساطَ من الجماعة فكان الإمام والمُفكر الإسلامي، جاعلا من البلاد الدولة الإسلامية التي تُنافس السعودية في إسلامها"البترودولاري"، حرم الخمر، وأقام الحُدود وصلي في الميادين، واتخذ من القرآن شريعة للمجتمع، وأقام المثابة الإسلامية العالمية، وحج الصُبح إلى الباكستان وجعل من نفسه مدماكاً لمُقارعة الشيوعية الدولية … إلخ، ويوم انقلابه جاءهُ"يوسف القرضاوي" يسعى وخلفه علماء المسلمين، وأنشأ لهم"جمعية الدعوة الإسلامية" التي وظف فيها أفرادا كُثرا من الجماعة على رأسِهم"أحمد الشريف". قبل ذلك انقسمت الجماعة مبكرا، وفرخت جماعاتٍ مُتطرفة كما حدث في التنظيم المصري الذي أنشأها. وقد ذكر لي المرحوم"حسن الكردي، " أمير الجماعة في"حزب التحرير الإسلامي" في سجن"بورتا بنيتو" مطلع الثمانينيات: أنه انتمى للجماعة بل وتدرب في طرابلس في الستينات على السلاح على يدي"الشيخ الشويطر"، لكنه وجد الجماعة لا وجه لها ولا فعل وأن مبدأ التقية جعلها"جماعة الإسلام المُهادن"، ولهذا خرج عنها وساهم في تكوين حزب" التحرير الإسلامي"، الحزب الذي دعا القذافي للانخراط فيه من خلال مُكاتبته من السجن وفي قفص المحكمة، وقد كُفر القذافي بعد ان استُتِيب ولم يستجبْ!!!. ميكافيلية الأخوان وعليه فإن الضعف يُورث الوهن، ومن وهن الجماعة الليبية دخولها في تحالف مع نظام القذافي من أجل التوريث، وهذا المنهج، أي"الغاية تُبرر الوسيلة " دفعها للتقاعس في البداية والخروج ضد إرادة الشعب الليبي حين ثار على النظام الفاشي في فبراير 2011م، وفي أثناء الثورة اتخذوا من إنكار ماهيتهم وسيلة للعمل، وفي هذا كانوا"الاجتهاد الليبي الخالص"، وتلبسوا لبوس المُجتمع المدني حتى بات تقريبا المجتمع المدني في ليبيا يعني"أخوان ليبيا"، وأذكر أني حينها كتبتُ مقالا تحدثتُ فيه عنهم مخاطبهم بالقولةِ الليبية"اطلع وبان عليك الأمان". أما أنهم جعلوا مثابتهم مدينة مصراته التي كانت ساعتها مدينة المواجهة لعسكر القذافي فإنهم بهذا ساهموا بقوة في أن تعسكر الثورة وأن تتخذ المآل الذي آلت إليه البلاد من حربٍ أهليةٍ ضَروس مرةً ، ومرةً أخرى تحالفوا مع الثروة والسلاح وجعلوا هدفهم الأوحد: السُلطة، ولاعتبار أنهم دخلوا في مشروع"التوريث القذافي" أرادوا أن يكونوا"سيف القذافي"، لقد جعلتهم رائحة الجُبن على دراية بالوسيلة لالتهام الجُبن، جعلوا من مصراته"القاعدة" أي"مُعسكر قاريونس" للاستيلاء على السلطة، وفي مشروعهم هذا تجمعت المُمكنات: السلاحُ والمالُ والدعمُ الدولي، مثل ذلك زيارة"أردوغان خليفة المسلمين لمصراته" وغيرها من زياراتٍ ومواقفَ دولية معروفة لكل مُتابع حصيف أو غير حصيف، لقد توفرتْ لجماعةٍ صغيرة من المُمكنات ما جعل منها كما لو كانت"تنظيم القذافي للضباط الوحدويين الأحرار من كان متوسط أعمارهم 25 سنة! ومن صغار الرتب". الأخوان على دين ملوكهم لكن انقلاب الجماعة العسكري اتُخذ على خطوات تذكرني بخطوات الأميركي الاستراتيجي ووزير الخارجية الأشهر"هنري كسنجر"، وبهذا كانت"دبابات حلفاء" جماعة أخوان ليبيا تنقلب على"صناديق الاقتراع"، لكن الجماعة الليبية أثقلت بمهام ليست مُؤهلة لها ولا خبرة لها فيها، كان مُصابها السيكولوجي على غرار مُصاب القذافي الذي"موقفهُ الكئيب من العالم قد تشكل بفعل مطالبهِ القاسية من نفسه"، ظهر أن الأخوان على دين ملوكهم: الجماعة الليبية أرادت أن تجعل من نفسها الكفيل والراعي لأخوان الشمال الأفريقي، عليه دخلتْ في تحالفات مع الشيطان بل باعت نفسها له، في حرب أهلية شعواء كما أكلت"الأخضر" تأكل "اليابس" من لا يمتلك السبل. الآن جماعة الأخوان الليبية في حيص بيص من أمرها تتنافس على"الهروب إلى الأمام"، لقد تحولت على أياديها وبفضلها واحدة من أكبر مدن جنوب البحر المتوسط"طرابلس الغرب" إلى وكرٍ لكل ما يُعيبه البشر وما يُهدد السلامة العامة أو السلام، وتاجرت ببضاعة القذافي الهجرة والإرهاب، جعلت من طرابلس الكُبرى"باب العزيزية"، وذلك حدث بإرادتها وغصبا عنها فهكذا وسائل تصل إلى هكذا غايات. وبنجاحها في مهمة التدمير التاريخي للبلاد والاستثنائي باتت ليبيا أسوءَ حالا من سوريا والعراق، أصبحت"صومال" الشمال الأفريقي، وفي هذا الحال تكون" المسودة الرابعة الدولية" هي"القشة" التي طالها الغريق، فهل سيتعلق"أخوان ليبيا" حقاً بهذه"القشة" بل هل ينجحون في هذا التعلق؟، أما أن"القشة" تنقذ ليبيا من عدمه فتلك المهمة المُستحيل التي تُشبه أن تكون بلاد إمبراطورية الرمل والفراغ، وليبيا كانت هذه البلاد.