المعروف عن الثورة – أي ثورة – انها تحدث تغييراً في منظومة القيّم السياسية والإجتماعية والإقتصادية والإعلامية ..الخ .. هذه حقيقة بديهية يحفظها تاريخ الثورات في كل العالم .. ولكن ما بال "الثورة المصرية" الأخيرة ؟ ولماذا إنحط خطابها الاعلامي إلى هذا الدرك الواطيئ .. ولماذا أصبح خطابها موجهاً ضد العقل وضد الضمير .. وكيف تحقق ثورة أهدافها وهي تقتل إعلامها "ضمير أمتها" وتهوي به إلى أسفل السافلين ؟! لو كنت مواطناً مصرياً لتواريت خجلاً من مناظر البؤس والجهل والإسفاف المبثوثة بلا حشمة كل مساء .. ولما ترددت في نزع توصيلات الكهرباء والتلفزيون ، وقطع أي صلة لي بالعالم الحديث.. لأن المشاهد الصابر سيذهب إلى عالم الظلام لا محالة .. فالاعلام المصري الحالي أغلبه مما يمكن تسميته ب "إعلام جحا" .. حيث يجلس مقدم البرنامج كما "جحا" في مواعظه التافهة القديمة .. يهرف بالساعات امام المشاهدين مقدماً معلومات بلا معلومة ، ومواعظ بلا حكمة ، وإسفاف بلا حياء أو أدب ، ومن هؤلاء "الجحيون" الجدد إعلامي "جماهيري" نزق إسمه (توفيق عكاشة) اكتسب شهرته من جهله وبعرق جبينه ، وهو خير عنوان لأزمة الإعلام المصري. حيث قال أمس الأول في برنامجه "مصر اليوم" بقناته (الفراعين) ، مواصلاً تعاليه الزائف على السودان والسودانيين ، ان ( حريق المجمع العلمي أضاع وثائق وخرائط تاريخية تثبت ان حدود مصر توجد داخل جنوب السودان ، وأنه لا يوجد وطن إسمه السودان من الأساس) – إنتهى . وسبق وقال : بأنه لا يوجد شعب اسمه الشعب السوداني .. مضيفاً بان التوراة "كتاب ربنا" تثبت إدعاءاته لأنها تتحدث عن السودان كبلاد الشمس في مصر !! أعرف ان "عكاشة" هذا محض مهرج تافه ، مافي ذلك شك .. ولكنه الآن من الأصوات المؤثرة جماهيرياً في مصر ، تبث خطرفاته وهرطقاته وتنقلها الصحف الرسمية .. بما يؤكد انه ليس شاذاً في تبني الأوهام الإستعمارية بإعادة إحتلال السودان ، وهنا مكمن الخطورة !! لم أشاهد برنامج الرجل النزق كثيراً .. وأذكر ان المرة الوحيدة التي قررت مشاهدة البرنامج وإكماله وجدته يصرخ واصفاً نفسه ب "الحمار" ، مردداً "انا حمار والله" ، باصقاً على نفسه بين كل قوله وشوله .. أكملت الحلقة ولم أخرج منها بشيئ سوى ان تعاطفي وحبي وإحترامي قد زاد لجنس "الحمير" ، المجنى عليها من قبل مقدم البرنامج .. اما معلوماته وتحليلاته عن السياسة والتاريخ والجغرافيا فهي لا تتعدى شذرات مقررات المرحلة الإعدادية.. فمن هو ذلك المجنون بالله عليكم الذي يجعل الأديان مرجعاً للفصل بين حدود الدول .. لأنه لو جعلنا (التوراة) مرجعاً لفض النزاعات لإنهارت "مصر" قبل "السودان" .. لأن "التوراة" – كتاب ربنا – تتحدث عن أرض الميعاد التي تمتد من "الفرات" إلى "النيل" ، والتي أورثها (ربنا) لبني إسرائيل شعب الله المختار !! تبقت كلمة نوجهها للعقلاء في مصر ونقول لهم بان زمن الغزوات الاستعمارية قد إنتهى دون رجعة .. وان من مصلحة الشعبين السوداني والمصري تأسيس علاقة تكامل تقوم على النزاهة والندية وتحقيق المصالح المشتركة للشعبين معاً .. واما التزوير والكذب والإحتيال وإفساح المجال للمعتوهين والشائهين وفتح مصاريع الإعلام لترديد هرطاقتهم فلن يغير التاريخ ولن يبدل الجغرافيا ، لأن الشعب السوداني قادر على مقاومة المخططات الخديوية ، مهما اتخذت من أشكال "كاريكاتورية" ، وقوالب "عُكاشية" ! [email protected]