في ظل الأزمة الإقتصادية الطاحنة التي تشهدها البلاد والتي تجاوز تأثيرها قطاع الموظفين وأصحاب الأعمال الصغيرة إلى أصحاب الأعمال المتوسطة وحتى بعض كبريات الشركات التجارية والصناعية، بما في ذلك المرتبطة منها بالنظام الحاكم، فإن أجهزة الرصد المجتمعي لا تجد صعوبة في ملاحظة نشاط متزايدلمجموعة من الضباط المرتبطين بالجيش والأجهزة الأمنية في قطاع العقارات سواء عبر التملك أو التشييد فضلاً عن غيره من الأنشطة التجارية. ويدور همساً في بعض مجالس السودانيين أن هذه الفئة المرتبطة بالجيش الحكومي والأجهزة الأمنية تنتفع بشكل شخصي من خلال لعب دور في وصول أسلحة مصنعة في السودان إلى أيدي أطراف فاعلة في نزاعات مسلحة في أنحاء القارة الأفريقية، الأمر الذي تؤكده تقارير صادرة عن مراكز بحثية مهتمة بإنتشار الأسلحة. ففي تقريره الصادر في مايو 2014 يشير مشروع مسح الأسلحة الصغيرة، وهو مشروع بحثي تابع للمعهد العالي للدراسات الدولية والتنموية ومقره في سويسرا، بأنه تم ثوثيق أسلحة سودانية المنشأ " مع المدنيين والمتمردين والقوات التي دعمت الرئيس المخلوع لوران غباغبو في ساحل العاج وفي مخازن المتمردين في جمهورية الكنغو الديمقراطية، ومع الجماعات المسلحة غير الحكومية في ليبيا، ومع تجار الأسلحة في مغديشو"(إقتفاء الأثر، ص 67). ومن خلال تنوع الجهات التي وجدت هذه الأسلحة بحوزتها يتضح جلياً أنه ليست ثمة دافع أيديلوجي أو أمني يقف من خلف توفير هذه الأسلحة لتلكم الجهات، مما يشير إلى أن دافع الربح المادي لصالح مجموعة متنفذة هو السبب الرئيس بل والأوحد الذي يفسر وصول أسلحة سودانية الصنع إلى جماعات في أقصى غرب القارة وتجار في أقصى شرقها، ولعله يفسر في الوقت نفسه ثراء ظاهر لفئة مرتبطة بالجيش والأمن في السودان.وما يجعل هذا التفسير سائغاً أكثر حقيقة أن أختام الذخيرة والعلامات لم تتم أزالتها كما يحدث عادة حينما تقوم الحكومة بدعم مجموعة مسلحة بعينها لأغراض أيدلوجية أو أمنية وأنماتركت لتشير بوضوح إلى بلد المنشأ ومصدر الشحنات وهو هنا السودان وهيئة التصنيع الحربي. هذه المجموعة كانت جزء من فريق أمني يشرف على عملية تهريب الأسلحة الإيرانية عبر السودان إلى قطاع غزة وإلى الداخل الأفريقي ولكنها صارت تديرعملياتها خارج نطاق الأجهزة الأمنية مستفيدة من تداخل أختصاصات الأجهزة الأمنية وتعددها ومن الخبرة التي أكتسبتها من العمل في تهريب الأسلحة الإيرانية علاوة على التوسع في أنتاج الأسلحة والذخائر الذي شهده السودان خلال العقدين المنصرمنين . ولقد ظلت هذه الشبكة من المنتمين للجيش والأجهزة الأمنيةوالتي تقوم بعملية الاتجار غير المشروع في الأسلحة والذخائر، ظلت شديدة الحساسية تجاه كل ما من شأنه أن يلقي الضوء على أنشتطتها ، فقد قامت من قبل بطرد وترويع الصحفية هبة علي التي كانت تراسل شبكة بلومبيرغ من السودان حين شرعت في إجراء تحقيق صحفي يتصل بهذا الشأن. خلال هذه السلسلة من المقالات سألقي الضوء على تكون هذه الشبكة وسأورد تفاصيل أدق عن أفرادها ونشاطها وإستثماراتها في السودان وخارجه، وهو الأمر الذي ربما ما كان له أن يكون متاحاً لولا التغير في توجه النظام الحاكم من التحالف مع إيران إلى التحالف من السعودية والذي يبدو أنه قد أثر على البعض فقرروا أن يدلوا بأفاداتهم التي تلقي ضوءاً كاشفاً على تفاصيل كانت ستظل خافية. يتبع. [email protected]