أظهرت دراسة ميدانية للغضب التراكمي في ولاية القضارف أنه بلغ نسبة 80% للمواطنين غير المسيسين من الشباب ما بين 18-31 سنة، وإن هناك ما يزيد على ستين سببا للتذمر بين المستطلعين، بعضها أسباب عامة وبعضها خاص. وقالت الدراسة الميدانية التي أجراها باحث متخصص في استطلاع الرأي إن هناك استياء شعبي من بعض التصرفات الناجمة عن القوات النظامية، مثلا: أن الغالبية العظمى من أفراد الشرطة من إثنية قبلية واحدة وتتعامل بعدم حياد إذا كان الأمر متعلقا بفرد في قبيلتها، والتعامل بقسوة شديدة في حملات النظام العام ضد الباعة المتجولين وبائعات الشاي. ولكن من أكثر الشكاوى ترددا الاستياء من زيادة الفقر بين المواطنين وآثاره الاجتماعية، وانعدام الثقة في ديوان الزكاة، وقالت الدراسة: “إن استدراج مسئول كبير بالزكاة لفتاة صغيرة كانت في حوجة ماسة لحقن منقذة للحياة لوالدها وحملها سفاحا أدت إلى غضب عارم خاصة بعد أن اكتفت الإدارة بنقله إلى مكان آخر دون محاكمته مع تواصل الإشاعات أنه يواصل ألاعيبه في المكان الذي نقل إليه”. والشكاوى من الفقر وفساد المترفين الذين يستغلون الفقر أبشع استغلال تعددت في الدراسة المذكورة حيث اشتكى مواطنون من “انتشار ممارسة الرذيلة في كثير من المكاتب التجارية ومكاتب بعض المحامين والاتصالات والشركات بسوق القضارف”، و”استغلال بعض الأسر الفقيرة والمعدمة للزواج من فتياتها الصغيرات وبعضهن يتم إخراجهن من السنة الثامنة” و”إفساد بعض الصبية الصغار”. وفي جولة ل(حريات) بولاية القضارف اتضح أن من أسباب التذمر البارزة علو معدلات العطالة بين الشباب حتى الخريجين منهم، والمحسوبية في التوظيف حيث صارت الوظائف حكرا على منسوبي المؤتمر الوطني وتدار بصراعات داخلية فيما بينهم أدت إلى إقالة لجنة الاختيار نفسها مؤخرا. وقد أكدت الدراسة المذكورة ذلك وأوردت أن أي مشروع ناجح سرعان ما تستولي عليه عناصر النظام مثلا “مشروع التعليم عن بعد” الذي أدخلته معاهد القرشي وكان ناجحا ومفيدا ولكن “إحدى الفتيات محسوبة على التنظيم والأمن بمساعدة آخر استولت على هذا المشروع وتم طرد معاهد القرشي من المدينة مما أدى إلى خسائر فادحة للطلاب وللمدينة نفسها ولجامعة الزعيم الأزهري الحكومية التي نفذت البرنامج”. وهناك استياء عام من موقف الحكومة الصامت إزاء استيلاء أثيوبيا على أراضي واسعة بمنطقة “الفشقة” بها مشاريع خصبة أنتجت آلاف الجوالات من السمسم والذرة حولت لأثيوبيا، ومع ذلك قامت الحكومة بإهداء عشرة ألف طن من الذرة لإثيوبيا بينما هناك أعداد هائلة من مواطني الولاية في حاجة ماسة لها. ومن أهم أسباب التذمر كذلك المحسوبية في إدارة النهضة الزراعية المعلنة والتي وزعت آلياتها لغير المزارعين من محاسيب المؤتمر الوطني. وقالت دراسة الغضب المشار إليها إن توزيع المشاريع يكون لصالح المسئولين أنفسهم “خاصة بعد اكتشاف أن مدير الزراعة كان مشاركا في أكثر من مشروع كبير بالولاية”، ولاحظت (حريات) التذمر من أن توزيع الآليات الزراعية يتم للمسئولين ومحاسيبهم “بدون أية ضمانات، في حين أن المزارع الحقيقي يعاني من الضمانات خاصة صغار المزارعين” بحسب ما أكد الأستاذ عطا حسين الدوا سكرتير حزب الأمة بالقضارف والموجه التعليمي بالولاية والذي ألقى خطابا بحضرة والي الولاية لدى زيارة السيد الصادق المهدي للقضارف نشرته (حريات) ووبخ الوالي الذي كان رئيسا لاتحاد المزارعين ولكن لم يحرك ساكنا إزاء ما يحدث لهم من إفقار مقصود حيث صار محلهم السجون. وقد أوردت الدراسة المذكورة أن هناك “مئات من صغار المزارعين بالحراسات”. وقال تاجر استطلعته حريات فضل حجب اسمه أنه كان بسوق القضارف نحو 60 تاجرا من تجار المحاصيل الكبار ينتمون إلى أحزاب مختلفة أكثرهم من حزبي الأمة القومي والاتحادي الديمقراطي، وأكد أنه اتخذت حيالهم سياسات إفقار مقصودة بالتلاعب في تعريفة البيع والتسيهلات المهولة لمحاسيب المؤتمر الوطني مما أفقرهم جميعا وجعلهم على حافة الفقر والعوز بعد أن كانوا من الأثرياء، وقال: بعضهم اضطر لبيع منزله الذي يقطنه، وفي النهاية لم يصمد من الستين سوى ثلاثة، وأضاف: كل السوق صار الآن حكرا لمحاسيب المؤتمر الوطني. وتحدثت ل (حريات) المعلمة الأستاذة أم سلمة أبو جديري ذاكرة فشل وزارة التعليم بالولاية في تطوير التعليم خاصة بالنسبة للبنات، وذكرت تجربتها ضمن منظمة زينب العاملة في مجال تطوير التعليم وتعليم البنات في شرق السودان أنهم قاموا بمخاطبة بعض المنظمات بمشاكل مناطق تحرم فيها الفتيات من مواصلة التعليم بعد الصف الثالث الأساس بسبب عدم وجود مدرسة خاصة للبنات بينما الأهالي يمتنعون عن إرسال بناتهم للمدرسة المختلطة بعد أن يكبرن، وإنهم وجدوا دعما من منظمة فرنسية وبالفعل أنشأوا مدرستين حضر افتتاحهما السفير الفرنسي في الخرطوم ولم تكن للحكومة أي دور فيهما ولكنهم فوجئوا بوزيرة التعليم تنسب الفضل لوزارتها في الصحف بدون أن يكون لها أي دور فيها. كما انتقدت السياسات المتخذة لتشريد المعلمين والمعلمات غير الموالين للنظام وقالت هناك قائمة معلمين صدرت تسمى (كشف الكارثة) يرد فيه عدد من المنقولين إلى مناطق نائية جدا وتعتبر مناطق شدة، ويتم الاختيار فيه للمعلمين غير المرغوب فيهم. وقد اعترفت معلمة ل (حريات) فضلت حجب اسمها أنها تنتمي إلى أسرة معارضة معروفة في القضارف، ولكنها خوفا من نقلها في (كشف الكارثة) بادرت بالتسجيل في المؤتمر الوطني ويخصم منها 10 جنيهات شهريا لدعم الوطني، ولكنها فوجئت بنقلها وقالت: “إنهم يعرفون أنني لا علاقة لي بالمؤتمر الوطني ولم ينفع تسجيلي معهم!” ومن أسباب التذمر كذلك أن صندوق تنمية الشرق الذي أعلن عنه لم يعود على الولاية بشيء ملموس. يذكر أن والي القضارف “كرم الله عباس” يرفع لواء الشريعة بتعنت وقد حلل البروفسر الطيب زين العابدين أن إعلان الرئيس عمر البشير للشريعة بالشكل الذي جرى في أواخر العام المنصرم ربما كان إرضاء لتوجهات الوالي المذكور. والولاية تنفرد مع ولاية الخرطوم بقانون للنظام العام متزمت ومميز ضد النساء بشكل فظيع.