تشرفت بالعمل و التعامل عن قرب مع المفكر و السياسى السودانى د. الشفيع خضر سعيد ابان فترة التجمع الوطنى السودانى المعارض خلال النصف الثانى من تسعينيات القرن الماضى، و ربما كان ماساكتبه فى هذا المقال القصير معروفا لكل من تشرف بالعمل مع د. الشفيع خضر، و للمهتمين/ات بالشأن العام ممن تابعوا اسهاماته الوطنية الثرة على مدى اعوام. لكننى وجدت هذه الكتابة لازمة فى ظل التطورات الاخيرة داخل الحزب الشيوعى السودانى (التى لا اعرف عنها الكثير، فلست من اعضاء الحزب)، وعلى ضوء البيان الصادر يوم 11 يوليو عن اللجنة المركزية للحزب، و الذى نشر عقب صدوره على عدة منابر خاصة بالحزب الشيوعى على الانترنت و فى وسائل التواصل الاجتماعى. كتبت فى مكان اخر ان فترة التجمع الوطنى الديمقراطى، كثيرا ما تذكرنى بافتتاحية رواية تشارلز ديكنز قصة مدينتين و التى بدأها كالاتى: "كان أفضل الأوقات، وكان أسوأ الأوقات، كان ذلك عصر الحكمة، و كان ايضا عصر الحماقة،. كان عهد اليقين، و كان عهد التشكك. كان موسم النور، كما كان عهد الظلام. كان ذلك ربيع الأمل، وكان ايضا شتاء اليأس. كنا نملك كل شىء، ولم يكن لدينا شيء،. كنا جميعا فى الطريق الى الجنة، و كنا جميعا ذاهبين فى الاتجاه المعاكس". بالنسبة لى مما جعل تلك الفترة ، فى بعض جوانبها، من افضل الاوقات، و مما جعلها عصرا للحكمة، كان كونها اتاحت لى فرصة العمل الجماعى و التعلم من قلة من السياسيين/ات منهم/ن د. الشفيع خضر، عضو المكتب التنفيذى للتجمع الوطنى حينها، و مسئول امانة التنظيم، و التى كان العمل النسوى (احد محاور اهتمامى الاساسية)، يتبع لها فى ذلك الحين، مما اتاح لى فرصة العمل مع د. الشفيع فى بعض اللجان، منها لجنة كلفت بمتابعة القضايا المربوطة بمطالب المجموعات النسوية حول مشاركة النساء فى التجمع و التزام التجمع بحقوق النساء بدون تحفظات. من الاشياء التى لاحظتها خلال فترة وجودى بالمكتب التنفيذى للتجمع، و من متابعتى لديناميكيات العمل فى اطاره حينها ان د. الشفيع خضر، بالاضافة لتواضعه و احترامه للجميع، انه و رغم انه تجربته الثرة فى العمل العام، و انه كان قد افنى سنوات من عمره فى السياسة، مقدما، هو و اسرته، تضحيات جمّة، الا اننى لم اسمعه يتحدث ابدا عن "نضاله"، فحديثه دائما حول التحديات المطروحة ، و تحليل الواقع السياسى و الاقتصادى و الاجتماعى، و اهمية اعمال الفكر و "الخيال" او الابداع فى التعامل مع هذا الواقع، و كيفية انجاز اى مهام فى وقتها و بكفاءة، بغض النظر عن تلك المهام، فهو يولى القضايا التنظيمية المعقدة التى يضعها التجمع على قمة اولوياته، نفس الاهتمام الذى يوليه للمجموعات النسائية على اختلافها، و القضايا الهامة التى لم تكن بالضرورة من اولويات التجمع. من ملاحظاتى الاخرى هى اهتمام د. الشفيع و احترامه للوقت و المواعيد، سواء كانت تلك مواعيد لاجتماعات هيئة قيادة التجمع الوطنى، او اجتماعات مع المجموعات النسائية، او كانت مناسبة ثقافية او اجتماعية. لهذا، اذا كنت فى مكان اعضاء اللجنة المركزية للحزب الشيوعى، لفكرت مليا فى اسباب عزوف قيادى بهذا الالتزام عن حضور الاجتماعات او الالتزام بعمل اللجان، بدلا عن اتخاذ ذلك كذريعة لتبرير فصل ذلك القيادى. بالطبع لست ملمة بكل تفاصيل الاختلاف الذى انتهى الى بيان الفصل، قرأت عن مجموعة من اعضاء الحزب منها د. الشفيع، عقدت اجتماعا "خارج الاطر التنظيمية". لا ادرى ما المشكلة فى ذلك، لكننى كنت ساهتم بسبب عقد ذلك الاجتماع "خارج الاطر التنظيمية"، و القضايا التى طرحت فيه، و امكانية مقاربة تلك القضايا، و اى اراء او اختلافات فكرية او سياسية او حول اختلافات حول استراتيجيات او تكتيكات الحزب "داخل الاطر التنظيمية"، و كنت ساعتبر ذلك فرصة للحراك الفكرى و السياسى داخل اى حزب. و تلك فرصة هامة اهدرها الحزب الشيوعى. الاطر الحزبية هى وسائل للعمل الجماعى المنظم، من يستطيع/تستطيع ان يقدم من خلالها للبلد، و لمسيرة التغيير الجذرى للهياكل و البنيات و علاقات القوى السائدة فى السودان منذ ان نالت البلاد استقلالها، و التى مازالت تنتج الحروب و التمييز على اسس متعددة — من خلال الاحزاب ، بامكانه/ا بالتأكيد مواصلة العطاء بطرق اخرى متعددة و مثمرة، فالخاسر الوحيد هنا هو الحزب الشيوعى للاسف، فاللجنة المركزية قامت بفصل د. الشفيع من التنظيم، لكنها لن تستطيع فصله من البلاد. فما يمكن ان يقدمه للبلد يتجاوز الاطر الحزبية. و من المهم الذى يمكن (ويجب) ان يقوم به د. الشفيع، بغض النظر عن وجوده فى الحزب او خارجه، هو المساهمة فى تعليم الاجيال الجديدة من الشباب/ات مهارات القيادة، و الادوات التنظيمية و السياسية و الفكرية. التى من التأكيد ستساهم فى اعدادهم/ن للعب ادوا ر هامة على مختلف الاصعدة. و اتطلع لمعرفة راى قواعد الحزب الشيوعى ، و معرفة اراء اعضاء المجموعة التى تواصلت مع د. الشفيع خضر و مع قيادات اخرى فى الحزب الشيوعى، و الحادبين/ات على قضايا الوطن، فى مسألة الفصل هذه. شكرا، د. الشفيع خضر سعيد، و النضال مستمر.