السجن 20 عاما لرئيس وزراء تشاد السابق    محمد صلاح يحرج "يويفا" بعد مقتل "بيليه فلسطين"    السودان.. خطوة مثير لميليشيا الدعم السريع    د. ياسر يوسف إبراهيم يكتب: الدعم السريع وبداية العاصفة في السودان    والي الشمالية يصدر قرارًا    شاهد بالفيديو.. "وزيرة القراية" السودانية الحسناء ترقص وتستعرض جمالها على أنغام الأغنية الترند "أمانة أمانة"    السودان يتجه لرفع دعوى جنائية تعويضية ضد حديقة حيوان أمريكية لاسترداد وحيد القرن الأبيض    المريخ بحاجة إلى ثورة تغيير..!!    انطلاقة قوية لتسجيلات القضارف    الموردة حلفا تعيد قيد زرياب يوسف وبدوي عثمان    بعد قرعة الكونفدرالية.. رئيس نادي الزمالة أم روابة: (تحققت نبوءتي لكني لا أتمناها حالياً)    شاهد بالفيديو.. عريس الوسط الفني "البندول" يدندن لحسناء سودانية في الشارع العام    شاهد بالفيديو.. "صدق موسى هلال لكننا لم نسمع حديثه".. ضابط بالقوات المسلحة انضم لمليشيا الدعم السريع يعبر عن ندمه من قراره بعد إهانته وسلب سيارته من قبل أبناء الماهرية ويتوعد قيادات المليشيا    شاهد بالفيديو.. أيقونة الثورة السودانية "دسيس مان" يظهر حزيناً بعد إصابته بكسور في يديه ويلمح لإنفصاله عن الدعم السريع والجمهور يكشف بالأدلة: (سبب الكسور التعذيب الذي تعرض له من المليشيا)    "دسيس مان" يتغرض لضرب مبرح وكسر في يديه على يد عناصر من قوات الدعم السريع    البشاعة والوضاعة تعتذران للنهود    وزير الداخلية ومدير عام الشرطة يتفقدان مركزي ترخيص أبو آدم وشرق النيل    قواعد اشتباك جديدة : الإمارات تنقل الحرب إلى ميدان الاقتصاد.    وزير الداخلية ومدير عام الشرطة يتفقدان مركزي ترخيص أبو آدم وشرق النيل    توقُّف تكية الفاشر عن استقبال التبرعات نسبةً لانعدام السلع الأساسية في أسواق المدينة    قرعة بطولة دوري أبطال إفريقيا .. المريخ يبدأ المشوار من الكونغو والهلال من جنوب السودان    نقل جمارك حاويات سوبا الى منطقة قري شمال بحري    ثنائي ريال مدريد مطلوب في الدوري السعودي    شاهد بالفيديو.. والي نهر النيل: (سنهتم بالسياحة ونجعل الولاية مثل جزر المالديف)    شاهد بالصور والفيديو.. وسط حضور جماهيري مقدر العافية تعود لشيخ الإستادات السودانية.. إستاد الخرطوم يشهد مباراة كرة قدم لأول مرة منذ إنلاع الحرب    النيابة المصرية تصدر قرارات جديدة بشأن 8 من مشاهير «تيك توك»    كارثة تحت الرماد    تقرير أممي: «داعش» يُدرب «مسلحين» في السودان لنشرهم بأفريقيا    رافق عادل إمام في التجربة الدنماركية .. وفاة الفنان سيد صادق عن عمر يناهز 80 عامًا    ضبط عدد 12 سبيكة ذهبية وأربعة كيلو من الذهب المشغول وتوقف متهم يستغل عربة دفار محملة بمنهوبات المواطنين بجسر عطبرة    والي النيل الأبيض يزور نادي الرابطة كوستي ويتبرع لتشييّد مباني النادي    لجنة أمن ولاية الخرطوم تشيد باستجابة قادة التشكيلات العسكرية لإخلائها من المظاهر العسكرية    بالفيديو.. شاهد بالخطوات.. الطريقة الصحيحة لعمل وصنع "الجبنة" السودانية الشهيرة    حادث مرورى بص سفرى وشاحنة يؤدى الى وفاة وإصابة عدد(36) مواطن    بالفيديو.. شاهد بالخطوات.. الطريقة الصحيحة لعمل وصنع "الجبنة" السودانية الشهيرة    الشهر الماضي ثالث أكثر شهور يوليو حرارة على الأرض    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (روحوا عن القلوب)    الجمارك تُبيد (77) طنا من السلع المحظورة والمنتهية الصلاحية ببورتسودان    السودان يتصدر العالم في البطالة: 62% من شعبنا بلا عمل!    نجوم الدوري الإنجليزي في "سباق عاطفي" للفوز بقلب نجمة هوليوود    تقارير تكشف خسائر مشغلّي خدمات الاتصالات في السودان    السودان..وزير يرحب بمبادرة لحزب شهير    السودان.."الشبكة المتخصّصة" في قبضة السلطات    غنوا للصحافة… وانصتوا لندائها    أنقذ المئات.. تفاصيل "الوفاة البطولية" لضحية حفل محمد رمضان    الخرطوم تحت رحمة السلاح.. فوضى أمنية تهدد حياة المدنيين    "الحبيبة الافتراضية".. دراسة تكشف مخاطر اعتماد المراهقين على الذكاء الاصطناعي    انتظام النوم أهم من عدد ساعاته.. دراسة تكشف المخاطر    اقتسام السلطة واحتساب الشعب    إلى بُرمة المهدية ودقلو التيجانية وابراهيم الختمية    وفاة 18 مهاجرًا وفقدان 50 بعد غرق قارب شرق ليبيا    احتجاجات لمرضى الكٌلى ببورتسودان    السيسي لترامب: ضع كل جهدك لإنهاء حرب غزة    تقرير يسلّط الضوء على تفاصيل جديدة بشأن حظر واتساب في السودان    السودان.. مجمّع الفقه الإسلامي ينعي"العلامة"    ترامب: "كوكاكولا" وافقت .. منذ اليوم سيصنعون مشروبهم حسب "وصفتي" !    عَودة شريف    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السودان ودونالد ترامب
نشر في حريات يوم 19 - 11 - 2016


بسم الله الرحمن الرحيم
تابعت الإنتخابات الإمريكية بشغف وعن كثب كأني صاحب وجعة، أو كأني من رهط اليانكيز الأقحاح، (وهي مجرد "لبط" شمارية سودانية)، ولقد ألقيت بكل بيضي في سلة الديمقراطيين ومرشحتهم هيلاري كلنتون. وعندما فاجأتنا النتيجة المذهلة – فوز الجمهوري اليميني المتطرف ترامب متحدياً قراءة وتخرصات الإعلام واستطلاعات الرأي وبيوت الخبرة وعظماء المفكرين الراديكاليين والمعتدلين مثل العبقري الدكتور فريد كريا ومجمل اليسار ويسار الوسط الأمريكي –….تذكرت انهيار الإتحاد السوفيتي العظيم عام 1989؛ فتلك أيضاً مفاجأة تسوناميةضخمةلم تكن في حسبان قوى اليسار في كل أرجاء العالم، مفاجأة أربكت القناعات والانتماءات الإيديولوجية أيما إرباك؛ وبت حائراً أمام زوال أحد القطبين من الوجود، وأمام الفراغ الذى نجم والسؤال الحائر الذى قفز حول توازن القوى العالمي الجديد، وحول مقدرة الولايات المتحدة على تحمل المسؤولية باعتبارها القطب الأوحد الرائد للنظام الكوني المستولد. فهنالك ميل تاريخي متأصل في الجسم السياسي الأمريكي نحو العزلة والإنطواء علي الذات splendid isolation كلما ادلهمت الخطوب بالساحة الدولية، إذ لدى الولايات المتحدة من الموارد الطبيعية وغير الطبيعية ومن الرحابة والإمكانيات الكامنة والمستثمرة، وتحت إبطها كل القارة اللاتينية الجنوبية التى انفردت بها وأبعدت عنها الغرماء الغربيين الآخرين منذ إعلان مونرو The Monroe Doctrine الصادر عام 1823، ولديها من التقدم التقني والاستقرار والثراء والدعة والمنعة ما يجعلها تنفض يدها عن باقي العالم الغارق فى الحروب الدائرية المستدامة – من حرب المائة عام الأوروبية إلى الحرب الكونية الأولي ثم الثانية ثم الحرب الكورية وحرب فيتنام وحروب الشرق الأوسط البسوسية. وما زال اليمين الأمريكي يغذي هذه الاتجاهات الإنعزالية، وواضح جداً لكل ذي بصيرة أن البرنامج الذى أهل ترامب للفوز يحمل علامات بارزة للميل نحو العزلة:
بيد أن دولة المؤسسات الأمريكية سوف تكبح جماح اليمين الذى قفز للسلطة في البيت الأبيض والكنقرس: فهنالك الصحافة الحرة والقضاء المستقل ومجموعات الضغط من سود وبورتوريكانز وجمعيات نفع عام ونقابات وإتحادات ومؤسسات تعليمية وبحثية وغيرها؛ وهنالك الإتفاقيات الراسخة المبرمة مع القوى الأوروبية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945 والتى نشأ بموجبها حلف الأطلسي والأمم المتحدة بمجلس أمنها والبنك الدولي وصندوق النقد العالمي والنظام النقدي الكوني بزعامة الدولار، وكافة البروتوكولات المصاحبة والمتفرعة عن تلك الإتفاقيات، بالإضافة لإتفاقيات حظر انتشار الأسلحة النووية بين القوتين الأعظم – الولايات المتحدة والإتحاد السوفيتي – وبينهما وبين العديد من الدول الأخرى، بالإضافة للإعلانات الدولية الملزمة الصادرة عن العديد من المؤتمرات والورش العالمية– مثل مؤتمر قمة الأرض Earth Summit المنعقد فى ريو دى جانيرو عام 1972 – التى تم تنظيمها طوال السبعين عاماً المنصرمة. هذا، وقد أثبتت التظاهرات والإحتجاجات التى ظلت تهز كافة المدن الأمريكية منذ إعلان فوز ترامب حتى اليوم أن سيناريو الضغط الأعظم سوف يأتي من لدن الشارع الأمريكي، مثلما حدث عام 1968 عندما هزت الحركة الشبابية والطلابية المناوئة لحرب فيتنام أركان النظام الأمريكي، وأرغمت حكومات لندون بينز جونسون ورتشارد نكسون فيما بعده على التفاوض مع الفياتكونج الفيتناميين، وعلى الإنسحاب من تلك الدولة الباسلة المحتلة انسحاباً لاهثاً متكالباً رعديداً وغير منظم.
ويبدو أن دونالد ترامب من التكتكة والحصافة والحنكة بمكان (شفتنة سماسرة السوق العربي)، فقد خاطب الغرائز الأمريكية النازعة نحو الإنعزال وقلب ظهر المجن لباقي العالم، خاصة وسط التجمعات العمالية المتأثرة بالهبوط الإقتصادي وما صحبه من عطالة، والمستسلمة لنعرات اليمين الشوفينية xenophobiaالمشبعة بالبحث عن كباش الفداء scapegoating ، خاصة فى المراكز الصناعية بولاية متشيجان ومثيلاتها. ولكنه، وقد استوى على العرش الرئاسي بالبيت الأبيض الآن، فى مقدوره أن يتراجع شيئاً فشيئاً عن وعوده الإنتخابية الرجعية غير القابلة للتطبيق، وذلك ما أكده الرئيس أوباما فى محاضرته قبل يومين بأثينا عندما قال إن ترامب برجماتي أكثر منه إلتزاماً بالإيديولوجية. كما أشارت التنبؤات المبدئية بالترشيحات للحقائب الوزارية أنه لا يتحرك فى إطار حزبي ضيق، ولكنه قد يكون متأثراً بإبراهام لنكولن رئيس الولايات المتحدة أثناء حربها ضد الولايات الجنوبية 1861/1865 – -الذى ألف مجلساً وزارياً من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، وليس من حزبه فقط. ومن الأسماء التى رشحت لتولي حقيبة الخارجية على سبيل المثال ظهر إسم مت رومني المنافس الديمقراطي السابق للرئاسة الأمريكية، ومن أشرس النقاد لترامب الذى وصفه على الملأ بأنه كذاب وزائف مخاتل fake and phoney، مما يشير إلى درجة عالية من الانفتاح والمعقولية – إن لم نقل الماكيافيلية – لدى معسكر ترامب الذى يخطط لتعبئة الشواغر الأربعة ألف بدولاب الحكومة الإتحادية. وقد اتضح بما لا يدع مجالاً للشك أن الرجل ليس تابولا رازا كما صوره الإعلام، ولكنه ذو عقل ومرونة وقابلية للإمتثال للمثل "الحلبي" السوداني : (ألف نطة ولا واحد بعبوص).
وعلى نفس المنوال، لن يتمكن الرئيس ترامب من تحقيق الوعود التى أزجاها فيما يتعلق بالسياسة الخارجية؛ فإذا أراد مثلاً أن يشعل حرباً إقتصادية على الصين التى اتهمها علانية بأنها اغتنتوراكمت ثرواتها القومية على حساب الإقتصاد الأمريكي، وبأنها اختطفت المصانع الأمريكية لما بها من عمالة رخيصة، وبأنها أغرقت الأسواق الأمريكية ببضائعها الزهيدة الثمن التى قتلت الصناعات المحلية الأمريكية،….فإنها ستكون مثل حرب دون كيخوتة ضد الطواحين الهوائية. سوف يتذكر ترامب أن الولايات المتحدة مرهونة لدى الحكومة الصينية بمبلغ ستة مليارات دولار فى شكل سندات حكومية أمريكية أشترتها الصين كبادرة حسن نوايا وكمساهمة فى إنقاذ الدولار الذى كاد أن ينهار تماما أثناء الركود الإقتصادي الذى شهده العقد السابق لرئاسة باراك أوباما. وسوف يتذكر أن البضائع الاستهلاكية الصينية الرخيصة هي التى تشبع احتياجات الطبقات الأمريكية الدنيا التى لن تستطيع أن تشترى أشياء مصنعة داخل الولايات المتحدة بواسطة عمالة أمريكية تتقاضى أضعاف أضعاف ما يتقاضاه العمال الصينيون. وسوف يتذكر ترامب أنه لو استعدى الصين فإنها ستذهب لجارتها الجنب روسيا ( وبينهما سبعون سنة من الشيوعية، وقد أصبح كلاهما أوليقاركيات أوتوقراطية أقرب إلى ما يسمي بال Oriental Despotism) وتنشئ معها الحلف الذى كثيراً ما حذر منه الخبير الإستراتيجي زبقنيو برزنسكي، حيث أنه سيكون حلفاً بين دولتين نوويتين عظيمتين يرجح الكفة إلى الأبد ضد الولايات المتحدة والغرب كله. هذا ما قاله برزنسكي أخيراً لقناة السي إن إن وما كان قد أورده في سفره The Grand Chessboard الصادر عام 1997 عن دار بيزك بوكس،(الفصل الذى يتناول الشرق الأقصي بعنوان The Far Eastern Anchor ص 151). وسوف يتذكر ترامب أن الصناعة ليست شيئاً يقال له كن فيكون، والمصانع التى ولت الأدبار للولايات المتحدة ويممت وجهها شطر الدول الأقل تكلفة من حيث العمالة والضرائب والالتزام الصارم بالضوابط البيئية، مثل الصين والهند ودول شرق آسيا وأمريكا الجنوبية، لن تعود لتصنع العظمة الأمريكية التى وعد بها ترامب الناخب الأمريكي – فقط لأنه يريد ذلك. إن المفاوضات لإقناع أصحاب تلك المصانع بالعودة للوطن الأم سوف تستغرق الأربع سنوات التى سيقضيها ترامب في البيت الأبيض؛ هنالك لوجستيات وعقود مبرمة وقروض مصرفية وسلاسل اتفاقيات قصيرة وطويلة المدى مع زبائن متعددين على جانبي العملية الإنتاجية، المدخلات والمخرجات؛ أي الجهات المسؤولة عن توفير وجلب المواد الخام والطاقة والعمالة، والجهات المسؤولة عن تسويق وتوزيع وتوصيل المنتجات الصناعية على نطاق الكرة الأرضية. وباختصار، سوف يتذكر ترامب المثل الزغاواوي السوداني: (ألمي الحار ما لعب قعونج).
وفيما يختص بالسياسة الخارجية بشكل عام، فإن ترامب يتمتع بجهل لا يحسد عليه، شانه شأن الشخص الأمريكي العادي الغارق فى عمله وحياته الخاصة وثقافته الاستهلاكية، والذى يجسد العزلة العظيمة فى شخصه، فماذا يريد من باقي العالم طالما أن أمريكا بها كل شيء: مصادر الرزق وأماكن السياحة والترويح ..إلخ. وقد أجمع الخبراء على أن ترامب لا يعرف الفرق بين السودان وبنما، ولكنه بالطبع سوف يخضع لنصائح خبرائه ومستشاريه فى هذاالصدد. وعلى هذا، فإن مصير علاقة الولايات المتحدة بالسودان وغيره من بلدان الشرق الأوسط خاضع لنوعية وميول الأشخاص الذين سيتولون المناصب الأساسية بحكومة ترامب:الدفاع والأمن القومي والخارجية. ومن المستبعد أن يكون هناك أي تصور مسبق لدي معسكر ترامب خاص بهذه الجبهة، وربما تخضع الاستراتيجية المستولدة لمشاورات مكثفة مع قادة ومتنفذي حكومة أوباما المغادرة بحثاً عن القواسم المشتركة التى تعبر الفواصل بين الحزبين وتستشرف المصالح الأمريكية العليا. ولذلك، من المرجح أن تستمر المقاطعة الإقتصادية للسودان حتى تتم دراسة هذا الملف والتوصل لرؤية محددة بخصوصه، وسوف تسبق ذلك الأولويات الأخرى الملحة أمام السياسة الخارجية الأمريكية: –
أي أن السودان سوف ياتي في ذيل الإهتمامات الترامبية على المدى القريب. فماذا ياترى ستفعل حكومة السودان فى هذه الأثناء تحسباً لأي ضربة مباغتة قد تتفتقعنها عبقرية ترامب، خاصة وقد ذكر عدة مرات أنه على دراية بالتحركات العسكرية التكتيكية المثلى، وقد وجه نقداً للمؤسسة العسكرية الحالية خاصاً بتقاعسها عن حسم مسألة داعش التى لا تستحق فى نظره سوى ضربة واحدة مباغتة وسرية، تأخذ الخصم على حين غرة؟ هذا ما أخشى أن يكون مصير السودان، فقد يهمس أحد فى أذن ترامب أنه يستطيع أن يوجه ضربة سريعة وذكية وجريئة للنظام الحاكم فى السودان (على غرار ما حدث لرئيس بنما نوريقا قبل نيف وعقدين عندما داهمته مفرزة من المارينز وأخذته للولايات المتحدة دون أن تخسر جندياً واحداً ودون أن تطلق رصاصة واحدة؛ وعلى غرار العملية التى استهدفت وقضت على أسامة بن لادن)، وبذلك تعيد الإعتبار للماينز بعد المرمطة والسحل الذى تعرضت له فى الصومال أيام الرئيس بل كلنتون، كما تستعيد هيبتها على نطاق القارة الإفريقية كلها، خاصة البلدان التى تتحكم فيها طغم فاسدة متشبثة، مثل جنوب السودان وإفريقيا الوسطي وزمبابوى، وربما يوغندا كذلك. وما يساعد على هذا السناريو أن دولة مثل السودان تدور حول رجل واحد هو رئيسها الذى أمسك بكل الخيوط فى يده وأبعد حلفاءه الإيديولوجيين الذين كانوا يوفرون له الغطاء الديني والجماهيري ويحيطونه بحزبهم المنتشر في كل المدن والأرياف وبكل مناحى الدولة، فيما بعد ما يسمي بمرحلةالتمكين. ولقد أصبحت دولة السودان فى متناول اليد، وقد حان قطافها، وإذا تمكنت مفرزة الصقور السوداء المفترضة من اعتقاله فى سرية تامة وإحضاره إلى مقر محكمة الجنايات الدولية بلاهاي في هولندا، فإن نظامه سيتهاوى كأعجاز نخل خاوية، معقوباً بشيء من الفوضى الخلاقة التى لا مفر من أن تتمخض عن نظام مدني ديمقراطي مستقر، لا سيما وأن السودان يتمتع بإرث لا بأس به فى هذا المجال، فقد شهد أنواعاً من الحكم الديمقراطي ثلاث مرات فى مسيرته منذ الاستقلال عام 1956.
ويشكل هذا السناريو أخف الأضرار بالنسبة للإدارة الأمريكية الوليدة، وبالنسبة لشعب السودان. ولكن قد يستبقه السودان بتحركpre-emptive أكثر ذكاءً وحكمة، وهو الحل الفوري للحكومة والمجلس الوطني وحزب المؤتمر الحاكم والمليشيات شبه الحكومية المعروفة، وتشكيل حكومة قومية تكنوقراطية انتقالية محايدة، تنفذ برنامجاً إسعافياً إقتصادياً واجتماعياً، وتعد لانتخابات نزيهة وشفافة تتم خلال أربع سنوات، فى أجواء من الحرية التامة للتعبير والتنظيم. ويمكن أن يقوم بهذا الإنقلاب التاريخي العبقري عمر البشير نفسه، على أن يستمر ريئساً بمثابة رمز، بلا سلطات تذكر، وتحته حكومة برئيس وزراء مفوض وفعال، وربما يرفدها مجلسحكماءمن أهل الحل والربط للمشورة فقط. لقد أثبت البشير مقدرته على مثل هذه الإنقلابات المفاجئة والحاذقة، بدليل تخلصه من عراب النظام الدكتور حسن الترابي، ثم تكرار العملية بإبعاد كل الطاقم الحاكم من جماعة الإخوان المسلمين مؤخراً. وبذلك يستطيع البشير أن يقي أهله السودانيين من الفتنة والاحتراب.
هذا أو الطوفان.
ألا هل بلغت اللهم فاشهد.
والسلام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.