بعد الإنقلاب الدموي للديكتاتور بينوشيه على الديموقراطية في تشيلي ، ورحيل شاعرها العظيم بابلو نيرودا ، كتب شاعر المقاومة الفرنسية لويس أراغون مرثية عن صديقه نيرودا، وعن عالم متصدع آنذاك. لكن أراغون كان يرى شمس العالم المتصدع طالعة وعلى كف طفل..ذلك لأن شمس الحرية مهما طال غيابها ستطلع مشرقة شديدة الوهج. قال لويس أراغون عن البؤس وغياب الحريات: إنّ ذلك لن يستمرّ طويلا فهو ذا الفجر الشاحب يطل! إنّ اليونان والقدس والصين الممزقة والعالم كله يحلم وإنها لشمس عظيمة تلك التي تمسكها يد طفل! ظللت مثل الملايين من أبناء وبنات بلدي أحلم بطلوع شمس الحرية على مدى سبع وعشرين سنة. وحملت حقائبي مثل الكثيرين أبحث عن مساحة تتسع لأحلامي لكني كنت دائم الأمل أن شمس الحرية ستشرق عندنا ذات يوم. أعترف أن الإحباط يحاصرني في المطارات والمدن الباردات..لكني ما فقدت الأمل بأن شعبا محبا للحرية مثل شعبنا سوف تشرق شمسه فوق تلاله وسهوله ورباه ذات يوم. وإما زادت جرعة الأمل فرحت ولكن الحلم سرعان ما يخون ، والحلم خيانته قاسية كما قال الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش. ولكني أعترف بأني لم أر ضوء شمس الحرية بوضوح كما أراه هذه الأيام. ولأنّ مملكة الحلم مشرعة النوافذ والأبواب فإن من حقي دخولها والإعلان بكل جرأة أنني رأيت ما رآه شاعر المقاومة الفرنسية لويس أراغون : وإنها لشمس عظيمة تلك التي تمسكها يد طفل! ما الذي يمنع قلوب السودانيين والسودانيات – هذا الشعب عاشق الحرية- أن تحلم بتباشير فجرها وهم يرون الغول الذي داس بقدمه الثقيلة كرامتهم لسبع وعشرين سنة يتخبط كما لو أن به مساً من جنون؟ من حقنا أن نحلم بشمس الحرية على كف طفل ما دام أطباؤنا شيبا وشبابا يكبرون على الوعيد ويفضلون السجن على خداع شعبهم الذي جففت سلطة اللصوص مستشفياته وحولتها إلى حوانيت ! من حقنا أن نحلم بشمس الحرية والشرفاء من شباب وشابات بلادي تضيق بهم الزنازين ؟ وطبعا من حقنا أن نحلم بشمس الحرية ما دامت ثورة الهامش التي دوخت سلطة البطش تنتقل دافئة إلى المدن، وعدوى الثورة قد تنتقل هادئة وبدون صوت لكنها مثل شعاع الشمس يغطي كل هام الشجر والمنازل. وكاتب هذه السطور ظل مثل الملايين يحلم. واليوم يعلم أعداء الحرية أنّ حلمنا بوطن حدادي مدادي ، تسوده دولة القانون وشرعة المواطنة – يعلم أعداء الحرية من القتلة واللصوص- أن ذاك الوطن صار قاب قوسين أو أدنى! وإذا كان بعض سدنة هذا النظام يعلنون على رؤوس الأشهاد أنه يترنح ، وإذا كان زبانيته يشبعون أجساد حرائر بلادنا جلدا بالسياط لأنهن خرجن يطالبن بحق الناس في الحياة ، وإذا كان هذا لا يفت عزيمة المرأة السودانية فتخرج صبيات المدارس وشباب الجامعات كاسرين حاجز الخوف ، وإذا كان شعبنا يعتصم في لقاوة لقرابة نصف عام وتسير تظاهراته في بلاد النوبة دون توقف ويصادم فيه ثوار الجريف بلطجية الأمن دون هوادة من أجل أرضهم، ويعلن فيه أسود البراري في تظاهرة حاشدة بيانهم الأول في ميدان شهيد الوطن صلاح السنهوري ، وإذا كان نظام القتلة ترتجف أوصاله هذه الأيام من قصيدة شعر وغناء الشباب للملاحم ومن نكتة تكشف عورة النظام الكاشفة من يوم جاء – إذا كان كل هذا يحدث .. فلماذا لا نحلم بطلوع شمس الحرية التي قال عنها شاعر المقاومة الفرنسية لويس أراغون: وإنها لشمس عظيمة تلك التي تمسكها يد طفل! ويود كاتب هذه السطور في ختام هذا المقال أن يقول كلمات من القلب لمن تهمهم: وحّدوا صفوفكم في القرى والمدن. نشّطوا خلاياكم وصفوفكم. لا تنتظروا أحداً ليعلمكم كيف يمكن إزالة هذا الكابوس الجاثم على صدوركم سبعا وعشرين سنة، فالثورة تصنع قياداتها. والقيادات الميدانية هي من تعرف ساعة الصفر. وهي التي تعرف نوع ولغة الإشارة. وعلى أحزابنا ومنظماتنا المدنية ومثقفينا النزول إلى الشارع . لقد إنتهى زمن التنظير والشعارات! أعلنوا عصيانكم المدني لتأذنوا لشمس الحرية بالشروق! [email protected]