اللقاء في ميادين اخرى أماني أبوسليم في رواية (قصة موت معلن) لماركيز، علمت الام كما علم أهل البلدة ان اخوين يبحثان عن ابنها لقتله. فكرت ان تحيل بينهم و ابنها بان تقفل عليهم الطريق اليه. و حين ظنت ان ابنها قد دخل البيت كان ابنها لا زال يسابق ليلحق البيت و قد كان على بعد خطوة منه حين هي اغلقت الباب في وجهه دون ان تدري ليتمكن طالبوه منه على عتبة بيته. حين سدت الام الباب جعلت ابنها صيدا اسهل لطالبيه، و ذلك حين ظنت انها تحميه. و هكذا الانقاذ ، حين اقفلوا الطرق و سدوا في الوجوه ابواب التجمع و اللقاء ليحيلوا بين الشعب و تقويض حكمهم كان القدر يدبر ميادين و ساحات ابرح و اسهل للقاء و اختبار الافكار. منذ جاءوا و هم يغلقون الابواب في وجه شعبهم، اعلنوا انهم لا بد مغيرين في معالمنا فلا نتعرف عليها، و انهم ماسحون ما يجمع هويتنا، مشوهون كل رمز فينا، غيرتاركين لنا مرتكزا نقف عليه بثبات . صادروا مياديننا شتتوا كل تجمع و صادروا كل كلمة و كل فكرة. حين ظنوا انهم غيروا وجداننا و بدلوه ، كان الوجدان الجمعي بعيدا عنهم يلتقي و يقوى و يكبر و يشتد في ميادين اخرى. كما ظنت ام المقتول، ظنوا انهم حالوا بين الناس و اجتماعهم مع بعضهم و تلاقح افكارهم. حين صادروا ميادين الاحياء لصالحهم، و حين اقاموا الابراج في ساحات المدن، ظنوا انهم قفلوا الطريق امام اجتماع الناس الذي سيؤدي الي جمع يقوض حكمهم. حين منعوا الشباب الالتقاء في ميادين الاحياء، كان الشباب يجتمع خلف (الكي بوردات) فخبروا دروب الاسافير و ميادينها و ساحاتها. الموقع ما عاد ذات الموقع، و الصفحة ما عادت ذات الصفحة، و المنشور ما عاد ذاك المنشور. لان المسافة بين الناس و بين الافكار ما عادت ذاتها و ذلك كله لأن الزمان ما عاد هو ذاته حين بدأوا، بلت خططهم لانها فقط تناسب الميادين القديمة. الدعوة للعصيان المدني ما كانت اول تجمع في الميادين الجديدة، حين تركتم يا من سيسألكم الله من رعاياكم، تركتم شعبكم تجرهم السيول مع منازلهم دون شعور بالمسؤولية كان الشباب هناك في الميادين الجديدة يجتمعون و يخططون و يجمعون المال و يغيثون. و حين عز العلاج و ارتفع سعر الدواء و ساء وضع المستشفيات كانوا يجتمعون و يخططون و يجمعون المال و يغيثون. و حين جاع الناس و اخرجوا اطفالهم من المدارس كانوا هناك يجتمعون و يخططون و يجمعون المال و يغيثون. اين كنتم انتم؟ كنتم ايضا تجتمعون و تخططون و تجمعون المال و الثروات و مقدرات البلاد لتكدسونها في احشائكم. كانوا ينمون و يكبرون و يشتد عودهم بالتوازي معكم، حين كنتم تكبرون في المواقع الارضية و تطاولون في البنيان غير آبهين بحال البلاد و العباد كانوا هم يكبرون في المواقع الاسفيرية و يطيلون التأمل و التفكير في حال البلاد و العباد. في كل تلك الميادين كانوا يقومون بواجب حكومات، بواجبكم، و نجحوا فيه، و اهم ما نجحوا فيه انهم كسبوا ثقة الناس و كسبوا ثقتهم في بعضهم و في ارادتهم و امكانياتهم، حين انهالت عليهم التبرعات بكل ثقة من الداخل و الخارج و حققوا الهدف بمنتهي الشفافية دون اختلاسات و دون احتفالات او مهرجانات لأن صاحب الواجب لا يحتفل بالانجاز و لا ينتظر شكرا. عصيان 27 نوفمبر لم يكن كالادوار السابقة، واجب محدد في ميدان، و اداء لمهمة واحدة، بل كان طابور التمام و تسجيل الحضور و الجاهزية للجيل خلف (الكي بوردات) فميادين التلاقي قد نمت و كبرت و المسافات انطوت، و الزمن ممتد علي مدار اليوم، و الثقة توفرت. فقط اريد ان اذكر ان المقتول في الرواية المذكورة، مع فارق الحيثيات و الاحداث، كانت احشاؤه قد خرجت بعد تلقي الطعنات و اضطر لحملها مسافة بيديه قبل ان يسقط صريعا. و معلوم ما باحشائكم، اموالنا و ثرواتنا و جزء عزيز من تاريخنا، لن تقدروا على حملهم معكم حين تسقطون. (منقول).