بسم الله الرحمن الرحيم "طرف آخر ما بين منزلق احتراف السياسة ومفارقة قواعد ميثاق أخلاقيات مهنة المحاماة " كنت ولا زلت بصدد تناول " العلم القضائي " لأهمية المصطلح و الذى يحتاج إسهامات –من الواقع العملى – للممارسين المكتوين بشقاء العطاء اليومى من أهل القانون بوجه عام وأهل المحاماة بوجه خاص ذلك أنه ليست ثمة قائمة جاهزة جامعة مانعة تحصر التطبيقات العملية لهذا المصطلح الهام الذي لو احسن تطبيقه لوفر جهدا ووقتا عظيمين. ..هذا ما يؤيده نص المادة 14 من قانون الاثبات لعام 1994 وتؤكده تعريفات المصطلح فى القواميس القانونية والتى لا تخرج عن أن العلم القضائي " انتباه المحكمة علمها الخاص بالأشياء وما تلاحظه من تلقاء نفسها دون الحاجة لدليل ". وكنت على عزم باستصحاب " العصيان المدنى " مثالا لإثراء المثاقفة القانونية حول المصطلح. .وتوفرت على ذلك لولا ان طارقا مستشنعا معيبا أطل علينا فرأيت انه الاولى بالتصدى و التناول وهو " بيان "ذيله توقيع زميل لم أشرف بمعرفته بعد برغم أنه قد وسم نفسه بالامين العام لرابطة المحامين الوطنيين. حسنا سالخص البيان فى كلمات قلائل وادلف للتعليق لتبيان ما حاق به من عيوب وعوار كاد أن يعصف -فى خلد صاحبه و مرتضيه -ليس فقط بالمعانى والقيم السامية لقواعد ميثاق أخلاقيات المهنة بل لهدم جوهر المحاماة ذاتها. ويمكننى إيجاز "البيان" على نحو غير مخل في : 1– الوقفة الاحتجاجية كانت لحساب تيارات سياسية حاولت المتاجرة والمزايدة فى أجواء متوهمة لتمرير أجندة حزبية. … 2–لا يحق للمحامين الواقفين الحديث باسم جموع المحامين. . 3– أنى لهؤلاء المحامين الرشد والمحامون قطاع يحترم القانون والدستور. 4–للمحامين نقابة تتحدث باسمهم. 5–التيار العريض من المحامين ضد هذه الوقفة. 6 -المحامون الوطنيون لن يقفوا مكتوفى الأيدى حيال" هذه الفوضى ان لغة "البيان " و غلواه تكشفان عن هوية كاتبه السياسية وركوبه مركبها دون مشقة بحث. ..فهذا " البيان"الذى جاء على شاكلة بيان سابق ينضح فجورا وبغيا عن نطيحة ومتردية على نحو أغضب الكثيرين و على رأسهم أستاذ الأجيال الضخم الفخيم عبدالحليم الطاهر طيب الله ثراه. ..اغضبه فاتصل بى باثا اساه وشكاته جزعا فزعا على ما آلت إليه أحوال المهنة. وعودا للبيان فإن ما انطوى عليه من عنف لفظى يستدعى أحداث رمضان بدار المحامين والتى لا تغيب عن الذاكرة ابدا مهما تطاول عليها الزمان. كل هذا وغيره كثير ليقف شاهدا دليلا ناهضا على كيف أن الفئة المعنية قد استبدلت الحجة والمنطق والمثاقفة والمحاورة بقبيح الاعتداء وغياب العقل والضمير بالقدر الذى يخرج تلك الفئة من إنسانية اى نشاط بناء ناهيك عن أن يكون ذا صلة بفن مهنة المحاماة الذى يستميت فى انتهاج مبدأ الإقناع سبيلا دون سواه فن يعلى من قيمة احترام الآخر وقبوله ويحتفى بشرف الخصومة. إن الذى يتخذ من العنف قولا وفعلا بديلا ما أغنى مهنة المحاماة عنه وما اغناه عنها وإن تسربل بقيم الدين الحنيف. ..فامثال هؤلاء لم يعد الدين يعنى عندهم منظومة القيم الروحية والأخلاقية التى تتخلل كيان الفرد والمجتمع بل صار عندهم مجرد يافطة سياسية زائفة لحشد الناس واستغلال البسطاء منهم وابتزاز أنصاف المتعلمين وتحريك عواطف البعض دون مخاطبة عقولهم وحينما يتحول الدين هذا التحول الخطير يسهل أن يتولى القيادة المتوهمة أقل الناس علما ووعيا وأكثرهم قدرة على فعالية حركية زائفة مخادعة لأن العبرة وقتها لم تعد فهم الدين بل استخدامه. إن مثل هكذا "بيان"وبزعم وطنية لا أرى إلا نقضيها يبقى وأمثاله من أنشطة سالبة أحد أخطر مهددات حرية التعبير والتى هى عند أصحاب البصيرة -اى حرية التعبير – أصل تطور البشر والنفاذ لحقيقة الأشياء. وإنى لأتساءل : مالنا لا نرى علو هذه الأصوات إلا حينما تنصرف حرية التعبير بالكلمة والوقفة وغيرها من وسائل مشروعة ارتضتها إرادة الخالق واستقرت فى ضمير المخلوق فطرة منذ بدء الخليقة وانتصرت لها الانسانيه وصاغتها شرائع وضيئة بقيت حتى فى ظل أعتى الديكتاتوريات وإن ارتضتها الأخيرة بهرجا وزركشة. أقول لا تعلو تلك الأصوات إلا حينما تنصرف تلك الحرية تعبيرا ناقدا لسياسة الدولة فى مختلف مناحيها. …ويقيننا انه لوانعم وبتجرد أهل هذه الأصوات النظر فى معنى "السياسة "على وجهها الحسن لاتضح لهم أنها هى "القيام بالأمر بما يصلحه ". إن موطن الخلل الرئيس فى أذهانهم إنما يكمن فى نظرتهم للسياسة بحسبانها نشاطا سلطويا محوره الحاكم حين أن الصحيح أن السياسة نشاط انسانى محوره الإنسان وعلاقة الحاكم بالمحكوم علاقة انسان بإنسان آخر غايتها تحقيق إنسانية الاثنين لا إلغاء إنسانية احدهما لسلطان الآخر أو قدرته. ظنى أن أصحاب "بياننا " هذا ما كانوا لينعقوا بعباراته والتى تفتقر التخلق بكل تلك المعانى الراقيات والتى لا تنتطح حولها عنزان–فى أدنى مستوى لها اللهم إلا إذا كانوا مطية لسلطان جائر وهذا ما لا نرضاه لرفاق مهنة ابدا. وبرغم جلاء الأمر فانى وبروح الزمالة والاشفاق وأمل فى الاصلاح انا به زعيم أراني قائلا : 1- إن حركة شباب المحامين ووقفتهم الشجاعة المعبرة أبعد ما تكون مطية لتيار أو حزب أو جهة ما . إن هى الا يقظة نهج كاسب ينطلق من موقع المبادرة والاستباق لا من موقع السلب والتلقى والتبعية يقظة املتها قيم الدستور وحقوقه و ثقافة القانون تلك التى استقرت فى ضمير الآباء المؤسسين واورثها جيل لجيل فاطلت علينا من كوة الضياء والأمل في دولة المساواة والعدل وسيادة القانون فواجب المحامى الثقف أن تتعدى اهتماماته حدود مصالحه وصح القول بأن تلك الوقفة قد فرضتها مهنية المهنة وشرفها الباذخ . ولو توهج أمثال هؤلاء المبادرون لاشتبهت علينا المسالك وهمنا إذن فى ذل العبودية وطال علينا -اكثر مما طال– ليل طغيان المستكبرين. .! 2– إن الشباب الواقفين إنما عبروا ويفعلون عن أنفسهم حيال معاناة ضج مواطنيهم بها جورا وعسفا وضياع حقوق واجبة الأداء. 3–أما الدستور والقانون والرشد والسداد وقواعد أخلاقيات المهنة وارثها النضالى الطويل كل ذلك مجتمعا هو الذى فرض واجب عطاء سيوف النور. .. 4–أما دور النقابة فهو تصوير مغالط والبيان يقصد مجلسها …ومجلس النقابة لا يخرج عن كونه مسهلا وداعما لفعاليات الأعضاء ونشاطهم وإزالة كافة معوقات العمل النقابى على المستوى القاعدى بل والأفراد هذا ما توجبه وتمليه ديمقراطية العمل النقابى والذى يتيح للجميع حرية التعبير السلمى. …فمجلس النقابة لا يمكن وفق صحيح الدستور والقانون والممارسة السوية أن يضحى فرعونا امرا ناهيا متسلطا … 5–وإن كان ثمة تيار أو اتجاه أو حتى فرد من المحامين لا يرتضى مثل هكذا عملا نبيلا فليس ثمة معضلة وفى الأمر سعة فليعبر ما شاء وبضدها تتبين الأشياء. 6– أما القول بأن المحامين الوطنيين لن يقفون مكتوفى الأيدى حيال حرية التعبير والوقفة الاحتجاجية وهى الأكثر سلمية فى أشكال الاحتجاج السلمى المحمى دستورا وقانونا وضميرا. ..فهو لعمرى لأمر جلل يوجب بلا شك تدخل مجلس النقابة بالتاديب والمحاسبة ومن حقنا أن نستصرخها لوضع الأمر فى نصابه. …فمصداقية مجلس النقابة فى محك عظيم. لقد احزننى هذا القول حتى اننى كدت أن أختم بقول قديم لشاعر مجيد : ما ضر تغلب وائل اهجوتها أم بلت حيث تناطح البحران إلا اننى مدفوعا بأمل متفائل وجدتنى أردد قول الحق :"اللهم افتح بيننا وبين قومنا بالحق وانت خير الفاتحين " لله الأمر من قبل ومن بعد… محمد الحافظ محمود عوض امدرمان فى 14/12/2016.