مع تحوير المثل السوداني (المجانين كتار لكن شقي الحال يقع في القيد) ، فالفاسدون في الانقاذ كثر ، ولكن صغار المفسدين من يقع في القيد. ويبدو ان مفسدي(التقاوي الفاسدة) ولعدم ارتباطهم المباشر بكبار مفسدي الانقاذ سيقعون في القيد . وبحسب ما نشرت صحف الخرطوم أجاز المجلس الوطني بالإجماع مقترح إحالة تقرير لجنة الشؤون الزراعية بالبرلمان حول التقاوي الفاسدة إلى وزارة العدل بغرض التحقيق في ماورد من تجاوزات فيه من خلال «34» وثيقة تضمّنها التقرير، في وقت أقرّ فيه وزير الزراعة الاتحادي د. عبد الحليم إسماعيل المتعافي خلال الجلسة أمس، بخطورة التقرير . وأوضح المتعافي خلال دفاعه أمام النواب أن التقرير سيطيح رؤوسًا كثيرة حال صحته، موضحًا أنه لا يعدو أن يكون محاكمة سياسية بحسب قوله، وانتقد بشدة إعادة فتح القضية التي قال إنها نوقشت وأُغلق ملفها منذ العام 2008م موضحًا أنها كانت بذورًا فارغة بسبب تدني الأمطار وليست فاسدة، ونفى المتعافي في معرض رده وجود أي علاقة لعدد من إدارات وزارته بما وصفه بالاتهامات التي ساقها تقرير لجنة الزراعة المقدَّم من رئيسها د. يونس الشريف، وشدَّدت اللجنة خلال توصياتها أمس على ضرورة إعفاء المزارعين المتضررين من الديون وتجميد البلاغات الخاصة بهم ومحاسبة الإدارات الفنية ذات الصلة المباشرة وغير المباشرة بملف القضية . وفتح التحقيق مع مدير البنك الزراعي وعدد من إداراته بخصوص ما سمَّته اللجنة بالثغرات الفنية التي تسبَّب فيها، والتي من بينها الموافقة على منح شركتين غير مؤهلتين ترخيص استيراد تلك التقاوي وحجز الكميات المتبقية منها بالمخازن وتحديد كيفية التخلص منها حسب التقرير. وتجدر الاشارة الى ان الفساد في الانقاذ فساد شامل ، يتصل بآيدلوجيتها الاسلاموية المغلقة التي ترى علاقتها بالدولة كعلاقة غنيمة تبرر الاستحواذ على موارد الدولة لصالح الحزب الاسلاموي ، اضافة الى انها سلطة أقلية تحكم بمصادرة الديمقراطية وحقوق الانسان ، وتحطم بالتالي النظم والمؤسسات اللازمة لمكافحة الفساد ، كحرية وسائل الاعلام ، واستقلال القضاء ، وحيدة أجهزة الدولة ، ورقابة البرلمان المنتخب انتخاباً حراً ونزيهاً للسلطة التنفيذية . ولكن مع الانتفاضات العربية ، وتصاعد انتقادات الفساد ، حتى في أوساط القوات المسلحة وشباب المؤتمر الوطني ، اعتمد المشير البشير سياسة جديدة قائمة على اعطاء الانطباع بمحاربة الفساد ، واجراء بعض الاصلاحات التي لا تمس جوهر النظام ، مع ملاحقة بعض صغار المفسدين للتغطية على المفسدين الكبار ، ولاستدامة جوهر نظام الانقاذ الذي يفرز الفساد بطبيعته الاستبدادية ، كما تفرز الكبد المادة الصفراوية . ومما يؤكد بان حملة الانقاذ على الفساد لا تعدو كونها حملة علاقات عامة ان مركز الفساد الرئيسي في الانقاذ ، والمتصل بالبشير واخوانه وشركائهم ، يظل ، ورغم الاعلانات المتكررة ، فوق النقد والمساءلة . ولو كانت حملة الانقاذ في محاربة الفساد صادقة ، لما تمت مساءلة المتعافي وحده ، وانما معه كذلك عبد الرحيم محمد حسين ، وأخوان البشير ، وشركائهم عبد الباسط حمزة وعبد العزيز عثمان واشرف الكاردينال وغيرهم .