يتساءل المرء: أين ذهب حماس ولهفة الناس لقيام القناة الفضائية !! أين مئات الألوف من الأصوات التي كانت تراهن على أن النظام لن يصمد أكثر من إسبوع أو إسبوعين لو أن الشعب نجح في إنشاء قناة فضائية تصل لكل المواطنين في بيوتهم وتحكي لهم بلغة بسيطة تفضح فيها النظام بالصوت والصورة بدلاً عن حديث النفس للنفس الذي يتداوله المثقفون والمتعلمون عبر الأسافير من بين من يضعون أمامهم شاشة كمبيوتر أو بيدهم هواتف متحركة ذكية !! أين الذين كان قد بلغ بهم الحماس كلما طُرِح موضوع الفضائية قالوا أنهم على إستعداد للجوع في سبيل دعمها حتى ترى النور !! منذ اللحظة الأولى لإعلان ميلاد قناة المُقرن، الذين يضعون العتاريس أمامها كانوا من بين الذين يُنتظر أن يقفوا خلفها، ففيما عدا الهجمة الأولى التي حاول فيها أحد الأشخاص إيقاف القناة بإدعاء أنه صاحب الملكية الفكرية للإسم التجاري "المقرن"،وهو زعم سخيف وساذِج، فحقوق الملكية الفكرية لا تُسبغ عليها حماية إلاّ في دولة التسجيل، فصاحب بقالة "أوماك" مثلاً، لا يمكنه منع شخص آخر من إستخدام نفس الإسم إذا فتح به بقالة في جمهورية السنغال ما لم يُضفي على الإسم الحماية هناك وفي حدود النشاط التجاري الذي يريد أن يحميه (بيع مواد البقالة) ويدفع عليه الرسوم المقررة. فيما عدا ذلك، كل السهام التي وُجهت – ولا تزال – للقناة تأتي من ضحايا النظام بالخارج وآخرين محسوبين على المعارضة. الذين يُهاجمون قناة المقرن في الأسافير وأكثرهم محسوبين على المعارضة ليس معهم حق، وأكثر ما يأخذه هؤلاء على القناة أنها قد تم تسجيلها بإسم منظمة طوعية مُؤسسها شخص واحد هو صاحب فكرة القناة والذي يقف وراءها، وهذا سبب واهٍ وفيه تجنٍ وتجاوز للحقائق، فقد أوضح مؤسس القناة أن تسجيل المنظمة في إسمه كان إجراء شكلي بغرض الحصول على الترخيص في تلك المرحلة، وقد قام بالفعل بتصحيح هذا الوضع فيما بعد بإدخال أسماء آخرين في سجل المنظمة كما جعل مهمة إدارة القناة لمجلس أمناء يُسانده في ذلك مجلس آخر للمستشارين ويضم المجلسان نخبة من الأسماء المعروفة من بينهم كُتّاب وصحفيون وأكاديميون وخبراء. ثم، أن الذي يُشاهد قناة وتجذبه برامجها لا يهمه في شيئ إسم ورسم صاحبها أو من يقف وراءها، فالعبرة بما تقدمه الشاشة لا بمن يديرها من خلف الكواليس، فالذين يُتابعون برنامج "أغاني وأغاني" وهم غالبية أهل السودان بمن فيهم من معارضين شرسين برغم أن صاحبها وجدي كامل ووقف على رأسها وإدارتها رجلي الإنقاذ النافذين حسن فضل المولى والطاهر حسن التوم. كان الصحيح أن يعتمد القائمون على أمر قناة المقرن الفضائية القاعدة الذهبية التي تقول "أن الشيئ يحكي عن نفسه" في الرد على معارضي القناة، وهو أسلوب لا يترك فسحة للسؤال حتى تلزمه إجابة، فقد كان المطلوب بعد مرور شهر على إنطلاق القناة أن يكون في إستطاعتها البدء في إطلاق برامجها التي تتضمن بث حي أو مسجل من الٍاستديو يتضمن برامج للتعليق على أقوال الصحف من أخبار اليوم باليوم بدلاً عمّا يشاهده الناس في القنوات الفضائية في برامج مشابهة يفتقر ضيوفها للمعرفة والشجاعة على تحليل الخبر والغوص فيما وراءه، وأن تُجري مقابلات مع مقيمين بالخارج حول ما تعرضوا له في معتقلات النظام، وأن تُجري إتصالات هاتفية من الإستديو بمسئولين في الدولة وتطرح عليهم الأسئلة التي تعجز وسائل الإعلام عن تقديمها… إلخ، فالذي جعل القناة وهي في فترة البث التجريبي تستطيع عرض المقاطع المصورة التي تبثها الآن لا تحتاج لأكثر منه للقيام بمثل هذه الأعمال. قد يكون الخطأ في أن القائمين بأمر القناة قد إستعجلوا في تقديمها للمشاهدين قبل أن يكتمل إستعداد البث، فالذي يُدير المحرك للبحث عن القناة ثم يعود إليها بعد إسبوع، يجد أنها تقوم بتكرار نفس المواد التي تبثها في رتابة تبعث على الملل، نشيد يعقبه نشيد، ويتخلل ذلك عرض لمقاطع مصورة قديمة وصور لشخصيات ومباني وبخلفية موسيقية لم يُحسن إختيارها. ليس هذا هو المعنى المقصود من البث التجريبي، ففي عالم القنوات الفضائية البث التجريبي يُقصد به تعريف المشاهد بالقناة (تفعل المقرن ذلك عن طريق مخطوط يحمل الشعارات والأهداف)، وتقوم في سبيل ذلك بعرض وتقديم ما سوف تتضمنه خريطة البرامج وتقديم نماذج من ذلك، وأن تستجلِب أشخاص قادرين على جذب المشاهدين بالحديث، ولا أعرف السبب الذي يجعل كل سوداني يدخل إستديو تلفزيون يكون نسخة من الآخر، يتحدثون في جمود ورتابة ويكررون نفس العبارت من أول "أتمنى أن أكون خفيف على المشاهدين" حتى "فلان وأنا أحييه من هنا". أنظر إلى الشعوب من حولنا، فإذا أُجري فيها لقاء مع صبي قهوجي أنظر كيف يتحدث بهمّة وتلقائية ويعرض ما يتحدث عنه في حماس ويستخدم في ذلك حركات يديه إن لم تطل رجليه. يجب على القائمين على أمر القناة أن يكفّوا عن الدفاع عنها بالكتابة والكلام، وعليهم أن ينصرفوا للعمل نحو إنطلاق بداية البرامج من الإستديوهات، وأن يتسع صدرهم لمن يخالفونهم الرأي في موضوعية، كما أن عليهم إعتماد قدر من الشفافية بنشر الحقائق على الجمهور وخاصة فيما يتصل بالشأن المالي، ويوضحوا المبالغ التي يستهدفوا جمعها وما تحقق لهم حتى الآن، وأن تُعلن أسماء اللجنة المالية التي يُعهد إليها سلطة تصريف الأعباء المالية، وأن يوضح الدور الذي يقوم به (فعلاً) مجلس الأمناء والمجلس الإستشاري .. إلخ، وليس دورهما على الورق. كما أن الواجب أن تُسند مهمة الإدارة إلى شخص صاحب معرفة وخبرة ويكون مسئولاً أمام مجلس الأمناء. مبلغ علمي أن المساهمات المالية للأفراد لم تكن كما يُنتظر منها، ففي أوروبا والولايات المتحدة وحدها هناك مئات الألوف من مطاريد النظام واللاجئين السودانيين، وكان يكفي تبرع الواحد منهم بثمن سندويتش حتى تُطلق القناة البرامج الحية، فهناك قعود وتقاعس يلازم العمل العام في تلك النواحي من العالم التي تُتيح للمقيمين فيها حرية الحركة والتعبير، وقد لاحظت أنه كلما تنادت التجمعات هناك لتنظيم مظاهرة أو وقفة إحتجاجية، لا نرى فيها غير بضعة عشرات وتجد من يحمل المايكرفون يُطلِق الهتاف ثم يردده بنفسه وراء نفسه. كما أنه على الذين لديهم مآخذ على القناة أن يتركوها وشأنها وينصرفوا لإنشاء قنوات أخرى بالمعايير والأهداف التي يريدونها. معاً نحو دعم قناة المقرن والوقوف خلفها حتى تُحقق أهدافها. [email protected]