لثلاثة أيام ولا حديث للناس سوى حكاية الفريق طه عثمان مدير مكاتب رئيس الجمهورية.. وسائط التواصل تضخ على رأس كل دقيقة خبراً أكثر إثارة من سابقه.. وبلغ الأمر ذروته ليلة أمس الأول عندما اندلع همس واسع الانتشار عن صده في المطار من السفر في آخر لحظة.. ثم أخيراً أعلنت الحكومة- رسمياً- خبر إقالته. حجم الشماتة والتشفي كان كاسحاً، ليس على مستوى الشارع العام فحسب، بل في الدوائر ذاتها التي كان يعمل باسمها طه.. من الأتراب في الحزب والحكومة والحركة الإسلامية، وكل المناحي المرتبطة بالسلطة. طه، تسنم الدرج الوظيفي من أوله، وصعده درجة فدرجة حتى وصل القمة، ثم قفز منها في الهواء أمس.. وهو في كل هذا لم يخترع وسيلة، ولم يخرق ناموس (السيستم) كل ما فعله أنه بذكاء تمدد إلى آفاق كبيرة خارج السودان فأصبح وزير دولة بصلاحيات دولة. ولهذا لا أجد في خروج طه من منظومة الدولة ما يستحق الفرح الطافح في مواقع التواصل، فهو لم يكن إلا موظف دولة يعمل وفق النظام (السيستم) الموجود، وكل الذي ميّزه عن غيره مهارته الفائقة في تطوير الأدوار التي تسند إليه.. فمن مدير مكتب واحد للرئيس نجح في جمع المكاتب كلها.. حتى تحوّل من وزير دولة إلى دولة. الفشل الذي تغرق فيه الدولة السودانية الآن ليس هبة شخص أو اثنين، هي منظومة تفكير، ومنهج إدارة مفرط في العوج، ولن يصلحه خروج واحد أو اثنين، رغم أن الناس تبتهج لسقوط بعض الأسماء الرنانة.. لكنه محض (تنفيس) وتفريج هم لا أكثر. وبكل أسف نحن نضيع وقتاً غالياً من عمر وطننا الحبيب في مثل هذا الانشغال بالهوامش.. وكأني بالحكومة لا تفتأ بين الحين والآخر ترمي للشعب ما (يفش غله).. و يسليه إلى حين.. ذهب طه، وسيذهب بعده ألف طه، ولن يغير ذلك من الحال.. طالما أننا غارقون في بحور الوهم المسترخي على الولع بأفلام الإثارة التي يبدع في إخراجها المؤتمر الوطني وحكومته. أول خطوات التعافي من المحنة التي يعيشها بلدنا الحبيب أن نرتفع بمستوى تفكيرنا، ونتبصر بالعلة الحقيقية التي تكتم أنفاسنا.. وأن نعرف كيف نسدد التفكير في ما يصلح شأننا العام.. فمثل هذا الإفراط في التلهي بحكايات مثل حكاية طه يحقق غاية الحكومة في (تغفيل) الشعب، وتغييبه عن حقيقة ما يتعرض له وطنه. في كل يوم يمر، بل كل ساعة ترتكب الحكومة وحزبها المؤتمر الوطني أخطاء غير قابلة للتصحيح.. وهنا أس البلاء الذي يكابده هذا البلد الأمين.. صدقوني الأخطاء الجسيمة التي ترتكب ليس في الإمكان تصحيحها في المستقبل؛ لأنها أفدح من أن تصحح.. هذا يحدث كل يوم بينما يتفرج الناس على (الصعود إلى الهاوية)!. التيار