جاء في الأنباء أن والي شمال دارفور عثمان كِبِر قد «نفخ وهرش وهزّأ» للمرة الثانية بعض القيادات الأممية والدولية الزائرة للبلاد، المرة الأولى فعلها مع كونداليزا رايس وزيرة خارجية امريكا السابقة، ثم ها هو يكررها للمرة الثانية مع المرأة الامريكية الأخرى سوزان رايس التي زارت البلاد مؤخراً في معية وفد مجلس الأمن بوصفها مندوبة أمريكا فيه، وحتى هنا يمكن اعتبار مثل هذا الهرش والنفخ المتأسي بالمثل الشعبي الذي يقول «أنفخ ولو حملك ريش» عادياً ومعتاداً قياساً بالارث الخطابي الانقاذي المتوارث كِبِر عن كابر منذ أيام الشرعية الثورية والتي كانت تخوّل حتى لرئيس لجنة شعبية متواضعة بحلة مغمورة ومطمورة في صقع ناءٍ من اصقاع السودان البعيدة أن يتوعد أمريكا بالويل والثبور وعظائم الأمور على النحو الذي سخرت منه نكتة تقول «أهالي حلّة مريكيكا يحذّرون أمريكا»، وقد بلغ ذلك الخطاب «المشاتر» في إيذاء علاقات البلاد الخارجية ومصالحها العليا مبلغاً لم يحتمله وزير الخارجية حينها اختصاصي المخ والأعصاب الدكتور حسين سليمان أبو صالح وجعله يجأر بالشكوى ويطلق تعليقه الشهير «ما نبنيه في شهور يهدمه الرائد يونس محمود في دقائق»، أو كما قال أبو صالح… والرائد وقتها واللواء حالياً يونس محمود كان يطلق يومياً من إذاعة أم درمان زخات من الرصاص يسميها «التحليل السياسي» أصابت علاقات البلاد ببعض جيرانها وأشقائها في مقتل، مثل هذا الخطاب ظل عادياً ومعتاداً ولم ولن يكون مستغرباً، ولكن غير العادي والمستغرب حين يكون موجهاً للخارج والزوّار الأجانب أن يترك حبله على غارب والي ولاية ليس من اختصاصه شأن اتحادي حساس، كالشأن الخارجي الذي تقوم عليه وزارة سيادية عليها وزيران ورهط من السفراء والدبلوماسيين المنتشرين في شتى بقاع العالم ولديها ناطق رسمي يتحدث باسمها، فلو كان مثل هذا «النفخ والهرش» الذي درج عليه الوالي كِبِر ذا فائدة ونفع ومطلوب فالأولى أن تتولاه وزارة الخارجية بدلاً عن ولاية شمال دارفور والأفضل والأكثر وقعاً والأمضى تأثيراً ان «ينفخ» كرتي وليس كِبِر، فلا الخارجية تعوزها «كجّة العين ولوْية البوز»، ولا وزيرها كرتي جبان يهاب الأمريكان ومن لفّ لفّهم، ولا عيي لا يعرف كيف ينفخ ومتى يهرش وهو الذي قال في زعيمي أكبر طائفتين في البلاد قولاً غليظاً مازالت تتداوله الوسائط والاسافير، ولكن لأن الأمر ليس كذلك كما بدا لنا من خلال التصريحات الاتحادية المركزية التي أعقبت الزيارة وخلت من أي لهجة تصعيدية، حيث لم يبدر من الأستاذ علي عثمان محمد طه نائب الرئيس الذي استقبل الوفد وجلس اليه، سمع منه واستمع له، ما يشي بأي شيء من «الهرش والنفخ»، كما وضع السيد كرتي الزيارة وأهدافها في إطارها الصحيح، ولهذا لم نجد مبرراً لأن يترك السيد كِبِر يمارس «هرشه» كل مرة حتى أصبح بعض قصار النظر يلقبونه ب «الكيك هرّاش الخواجات» وهو في حقيقته بلا أثر مثل «نفخة الورل»، فلو كان له مردود لكانت هرشته الأولى لكونداليزا ألجمت سوزان، ولما احتاج لممارسة الهرش مرة أخرى.. الواقع أن التعامل مع الشؤون الدولية والزوار الدوليين للبلاد ليس شأناً ولائياً ولا هو امراً شخصياً حتى يتصرف فيه كِبِر او غيره من الولاة بمعرفتهم الشخصية، وانما هو شأن سيادي اتحادي انشئت لأجله وزارة ضخمة ينتشر منسوبوها من الدبلوماسيين في مشارق الارض ومغاربها، عملهم الاساسي هو رعاية العلاقات وتطويرها بما يجلب المصلحة للبلاد ويدرأ عنها المخاطر، وهي مهمة غير مبذولة او مفتوحة للكل، يلج سوحها كل من شاء وفي الوقت الذي يشاء وبالكيفية التي يشاء، بل هي مهمة خاصة جداً لا يجيدها الا من تأهل لها وأجاد لغتها واتيكيتها وبروتوكولاتها وخبر خباياها ودهاليزها، لا تحتمل العك والهتر والنتر من شاكلة «وليد مرا كضّاب».