خاتمة في الجزء الأول من هذا المقال، قدمنا تلخيصا للوقائع و الأحداث الرئيسية لأزمة الحركة الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال وذلك بالإعتماد على الوثائق والبيانات الصادرة من طرفي الخلاف كمصادر أولية. بدأت هذه الأزمة بتقديم نائب رئيس الحركة الفريق عبد العزيز آدم الحلو لإستقالته للمرة الثالثة (خلال حوالي عامين) في 7 مارس 2017م. تضمن ذلك سردا لأسباب هذه الإستقلات حسب ما جاءت في خطابات الإستقالة و التي تضمنت أيضا إتهامات محددة لرئيس الحركة وأمينها العام وردت في خطاب في الإستقالة الثالثة. تناول الجزء الأول كذلك قرارات مجلس تحرير إقليم جبال النوبة – جنوب كردفان القاضية بإعفاء رئيس الحركة وأمينها العام من مواقعهما ومنعهما من دخول المناطق المحررة، وحل المجلس القيادي للحركة و تعين نائب الرئيس رئيسا للحركة. وتضمن أيضا رد رئيس الحركة وأمينها على ما ورد في إستقالة نائب الرئيس و التهم الموجهة اليهما ورؤيتهما لطبيعة الخلاف وأسبابه، وردهما على قرارات مجلس التحرير الإقليمي. الجزء الثاني من المقال حاول الإجابة على سؤال مدى شرعية قرارات مجلس تحرير إقليم جبال النوبة. ركز هذا الجزء على القيام بتحليل قانوني لمدى دستورية تلك القرارات على ضوء نصوص دستور الحركة الشعبية لتحرير السودان-ش لسنة 2013م والأعراف التنظيمية المستقرة. ابرز التحليل القانوني المسائل التي تدخل في، وتلك التي تخرج عن إختصاصات و صلاحيات مجالس التحرير الإقليمية المنشأة بموجب الدستور، وحدد الهيئة القومية المختصة بالتقرير في أمر إقالة رئيس الحركة ونائب الرئيس والأمين العام، وهي المؤتمر العام. كذلك امتد التحليل الى مضمون قرارات المجلس الإقليمي لفحص الإجراءات التي اتبعت في إصدارها ومدى إستنادها على تحقيق شامل محايد و شفاف يأخذ في الإعتبار وجهتي نظر الطرفين، و كذلك الشروط الإجرائية المتعلقة بمدى قانونية الدعوة لإجتماع المجلس الثاني و نصابه. الجزء الثالث تناول بالتحليل السياق العام السياسي والإجتماعي و الإقتصادي للأزمة وأسبابها المباشرة. ابرز التحليل عامل الإشكالات والمصاعب التنظيمية و الإدارية الداخلية في تنظيم الحركة، و الأطراف المسؤلة عنها، ومدى مساهمتها في خلق الأزمة الحالية. جرى التركير في هذا الجزء التحليلي على إبراز الجوانب الفكرية المتصلة بأهداف الحركة و رؤيتها والتي تشكل موضوع الخلاف و المحرك الرئيسي في هذه الأزمة، وهي تشمل قضايا الإلتزام بوحدة السودان على أسس جديدة مقابل المطالبة بممارسة تقرير المصير، وقضايا الديمقراطية الداخلية والموقف من تصاعد دور الإثنية في السياسية السودانية، مع تركيز خاص على قضية حق تقرير المصير بجوانبه النظرية والتطبيقية. الخلاصة خلاصات هذه الدراسة يمكن تلخيصها في الآتي: الواقع أن تهم الخيانة وعقد صفقات سرية مع النظام لتجريد الجيش الشعبي من سلاحه الموجهة لرئيس الحركة وأمينها العام، والتي وردت في إستقالة نائب الرئيس وإستند عليها مجلس التحرير الإقليمي كجزء رئيسي من حيثيات قراراته، تفتقد لأي أساس موضوعي، وهي تكشف عن أزمة الطرف الثاني الذي إعتمد على إستراتيجية التخوين وإغتيال الشخصية لتسهيل عملية إقصاء الأمين العام للحركة ثم الرئيس، و ذلك بدل طرح قضايا الخلاف الحقيقية بوضوح وشجاعة. في هذا الخصوص يتوجب إبراز الحقائق الآتية: أولا: ليس هناك إتفاق سري عقده وفد الحركة الشعبية –ش المفاوض او أيا من أعضاءه منفردا مع النظام، و لا يوجد غير وثائق المفاوضات المنشورة في الإعلام طوال جولات التفاوض، ولم يقدم نائب الرئيس و مؤيدوه أي دليل على هذا الإتهام الخطير، وهناك أعضاء في وفد التفاوض يقفون الآن مع نائب الرئيس؛ ثانيا: ما طرحه وفد الحركة الشعبية المفاوض في أغسطس 2016م، ردا على مطالبات الوفد الحكومي، كان عبارة عن مقترح إطار مباديء للترتيبات الأمنية وليس إتفاق، وإحتفظ الوفد بحقه في طرح مبادئ آخرى لاحقا، وعند طرح هذا المقترح بمبادئه الخمس الواردة في الجزء الأول من هذا المقال إنسحب الفريق عماد عدوي، وقبل الوفد الحكومي بعدها بالرجوع لوثيقة وقف العدائيات كما هي دون الحديث عن مباديء الترتيبات الأمنية النهائية. وهذه حقائق معلومة و منشورة و ملكت للرأي العام في وقتها. إذا الأمر لا يعدو كونه مقترح مباديء إطارية رفضه الوفد الحكومي؛ ثالثا: الجيش الشعبي الذي إستخدم كورقة وكموضوع لتهم الخيانة وتصفية الحسابات لم يكن طرفا في الأزمة و ظل محايدا، و لم تصدر عنه أي قرارات ذات صلة الا بعد إجتماع المجلس العسكري في 15-16 يونيو 2017م، و لعل سبب ذلك الموقف يعود لحقيقة وجود رئيس هيئة أركان الجيش الشعبي اللواء جقود مكوار و نوابه كأعضاء في المجلس القيادي للحركة وكذلك كأعضاء في وفد التفاوض خاصة في جولات التفاوض الخاصة بوقف العدائيات وبند الترتيبات الأمنية، و لذلك هم على دراية كاملة بعدم صحة تلك الإتهامات الخاصة بعقد الرئيس والأمين العام للحركة صفقات سرية لتجريد الجيش الشعبي من سلاحه؛ رابعا: قراءة وثائق الأزمة تكشف أن رئيس الحركة و أمينها العام لم ينزلقا الى مجاراة الطرف الآخر في لعبة التخوين والشيطنة والشتائم، وإنما إختارا بدلا من ذلك العمل على إبراز الوقائع ونقاط الإختلاف بشيء من التفصيل و درجة من الموضوعية. الحركة الشعبية لم تكن إذا إستثناءا من طرق و مناهج أحزاب المركز التقليدية والحديثة في إدارة خلافاتها الداخلية التي لاتنتهي، فهي جميعا دون إستثناء تعتمد إستراتيجية الشيطنة والتخوين لإقصاء المختلفين، بدلا عن طرح قضايا الخلاف الحقيقية بطريقة شجاعة وعقلانية. لذلك في تقدير كاتب هذه السطور، أن اللجوء لأسلوب التخوين والتصعيد في هذا الجانب قصد به التغطية على قضايا الخلاف الأساسية. تبني قضية تقرير المصير وإعطاءها أولوية على تحقيق هدف السودان الجديد الموحد سوف يغير أيضا دون شك طبيعة وهدف الكفاح المسلح، وكما جاء في بيان رئيس الحركة، فإنه أيضا يحول الجيش الشعبى لتحرير السودان -ش الى جيش يقاتل لفصل جزء من البلاد. و سيؤدي ذلك أيضا الى تحويل الحركة الشعبية – شمال من حركة قومية تقود حركة المقاومة المدنية والمسلحة الهادفة الى أحداث التغيير و تحقيق التحول الديمقراطي الى حركة ذات نزعة إقليمية إثنية، مما سيؤدي الى عزل الحركة عن قوى التغيير في البلاد. المطالبة بحق تقرير المصير لإقليم جبال النوبة – جنوب كردفان التي وردت في إستقالة نائب رئيس الحركة الفريق عبد العزيز الحلو و تبنتها قرارات مجلس التحرير الإقليمي، جاءت أيضا دون أن تخضع هذه القضية المصيرية للدراسة والنقاش الكافي داخل مؤسسات الحركة الشعبية – ش، و طرحت بطريقة فوقية استهدفت فرضها كأمر واقع قبل إنعقاد المؤتمر العام للحركة.