أقيم مهرجان كبير بدار الأمة بأم درمان أمس لاستقبال وفد الأحزاب المصرية الزائر للسودان، ألقيت فيه قصائد وأناشيد وطنية بينما خاطبه رئيس حزب الأمة السيد الصادق المهدي وكل من دكتور السيد البدوي رئيس الوفد المصري ورئيس حزب الوفد والسيد حسين عبد الرازق رئيس حزب التجمع المصري. وشمل حضور المهرجان أعضاء الوفد المصري البالغ نحو خمسين عضوا وعضوة يشملون قيادات حزبية ومستقلة وإعلاميين. كما كان ضمن الحضورطاقم السفارة المصرية بالخرطوم، ومن الجانب السوداني حضره الأستاذ محمد إبراهيم نقد سكرتير الحزب الشيوعي، والسيد فاروق أبو عيسى رئيس الهيئة القيادية لقوى الإجماع الوطني ، والدكتور بشير آدم رحمة عن المؤتمر الشعبي والأستاذ صديق يوسف بالحزب الشيوعي وآخرون. ومع أن المهدي كان قد أعد كلمة مطولة طبعت ووزعت في شكل كتيب للحضور إلا أنه ارتجل كلمة احتوت على ملخص كلمته المكتوبة وأضافت إليها معان أخرى، فقد بدا بالترحيب بالوفد الزائر في أم درمان متحدثا عن دور أمدرمان ولماذا اختيرت كعاصمة للمهدية وكيف أراد الاستعمار القضاء عليها ثم جعلها السودانيون أساس كل العطاء الوطني، واحتوت كلمته على رصد لتاريخ العلاقة بين مصر والسودان منذ أقدم العصور مثبتا خصوصيتها والوحدة بينهما في عهود كثيرة وأكد أن إجماع السودانيين على الاستقلال في 1955م كان بسبب سياسات خاطئة اتخذتها الحكومات المصرية. وتحدث عن مناسبات توطيد العلاقة بعد الاستقلال مؤكدا أن الحكومات المصرية كانت تفضل العلاقة مع الحكومات الدكتاتورية في السودان ثم قال: لذلك كان سرورنا عظيما بثورة 25 يناير فهذا يعني بوليصة تأمين لديمقراطيتنا المرجوة في السودان. وتحدث المهدي عن أعمدة ملة الاستبداد السبعة من حزب حاكم مهمين وأمن باطش وإعلام يكذب كما يتنفس واقتصاد خصوصي وفرعنة الحكام وتزوير الانتخابات وقال إن الداء واحد في كل المنطقة ولا بد أن الدواء واحد كذلك، وحينها ضجت الخيمة المقامة في ساحة دار حزب الأمة بالتهليل وبالتصفيق. وقال المهدي إنهم حريصون على العلاقة بالأخوة في مصر والتعاون معهم مؤكدا أن هناك شرط لهذا التعاون وهو الديمقراطية في الشعبين، فلا يمكن أن تقوم وحدة ولا أي مشروع بدون حرية وقال إن الدكتاتور لا يستطيع أن يفوض حتى وزراءه فكيف يستطيع تفويض السلطة لمشاريع بين بلدين وبين شعبين؟وتطرق المهدي للملف الإسلامي مؤكدا أنه لا توجد في عالم اليوم علمانية بالطريقة التي يذكرها البعض حتى في الغرب ولكن المطلوب هو أن تكون المواطنة أساس الحقوق والواجبات والمساواة بين الجميع وإتاحة الحرية الدينية ولكنه أشار لخطر القوى المنكفئة والتكفيريين وضرورة التصدي لهم باعتبارهم خطرا على مجتمعاتنا وتطرق لفتاواهم في السودان وفي مصر بتكفير كل من يقول ما لا يعجبهم. ثم تطرق لما يقوله الحكام في السودان من أنهم مستثنون بسبب إسلاميتهم مفندا إياه وذاكرا كلام يوسف القرضاوي بان الحرية قبل الشريعة، وكلام راشد الغنوشي حينما زار السودان وحاضر بضرورة أن يكون الإسلام مستصحبا للديمقراطية وليس بدونها. وقال إن كل الإسلاميين الوسطيين في العالم اليوم يؤكدون هذه المعاني، ثم أردف: الإسلام هو الحرية والمساواة والكرامة والعدالة والمشاركة فإذا أنت أهدرت هذه المعاني لا يمكن أن تقول هذا إسلام. وبعد أن بارك لهم ما فعلوه في جمع الشمل الفلسطيني قال للوفد المصري نحن مسرورون لزيارتكم للجنوب بعيدا عن الكرت العنصري والديني بل الجيوسياسي والمصلحة المشتركة في افريقيا وأهمس في أذنكم بضرورة التوقيع على اتفاقية حوض النيل ثم الانطلاق للتعاون المشترك، وأكد كذلك أن انفصال الجنوب تم بسبب السياسات الخاطئة. كما طالب بدور لمصر في إنهاء الأزمة الليبية، ونادى بضرورة مراجعة العلاقات الخارجية. وقال إن الجامعة العربية يجب ان تكون اتحاديا عربيا ولا بد لها من هيكلة جديدة متماشية مع التغييرمطالبا بأن يؤجل اختيار الأمين العام إلى أن تستقر معالم التغيير الحالي ليأتي أمين عام يشبه المنطقة في شكلها الجديد. وقال لهم نحن وأنتم تكون تكوين شعبي آلية تقدم الأفكار وتبادر،منتقدا اتحاد البرلمانات العربية واصفا إياها بأنها “بصمجية” ليس لها أي قيمة لا بد من تكوين شعبي يمثل روح التغيير والتطلع والشعوب فهذه الاتحادات لا معنى لها يأخذوا مرتبات ويعملون سياحة سياسية . وأكد المهدي أن البناء الديمقراطي ليس سهلا أوربا بنت التحول الديمقراطي في قرون نحن لا نحتاج قرون ولكن لا بد من ان تتحول هذه الإرادة إلى أرادة تغيير مشتركة وفي نهاية حديثه قال إن هناك وعد حق إلهي (وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون) . وساق نفس المعني بكلمات الشاعر السوداني الهادي آدم قال: إن للحق قوة ذات حد من شباة الردى أدق وأمضى. ثم تحدث الدكتور السيد البدوي رئيس الوفد ورئيس حزب الوفد المصري ووجه للحضور تحية من مصرنا ومصركم الجديدة التي ولدت يوم 25 يناير التي اشتاقت لأن تعود من جديد لحضن السودان الذي بعدنا عنه كثيرا ولم نبتعد قد تربينا أطفالا على محبة السودان فهي شقيقة السودان وإن فرقت بيننا الأنظمة. ثورة 25 يناير غيرت مصر وظني أنها ستغير المنطقة. لم يكن لها قائد ولا زعيم ولكن حركتها ضمائر الشعب المصري بأسره شبابه وشيوخه ونسائه وأطفاله. هي ثورة ربانية لم يكن يتخيل أحد ان يكون في 25 يناير مقدمة لسقوط النظام الذي كان يملك من آلات البطش. نحن في حزب الوفد يوم 23 اتخذنا القرار بالمشاركة في مظاهرة ستخرج قلنا سيتجمع الفين أو أكثر وتنتهي المظاهرة، خرجوا الأحزاب والأخوان المسلمين وكفاية وكلهم واتجهوا لميدان التحرير ولو اقتصرت عليه لكان من السهل على النظام محاصرتها لكنها بدأت من هناك وعمت كل مدن مصر وسقط النظام في مواجهة الثورة الشعبية. وقال إن من حسن حظ الشعب انحياز القوات المسلحة للشعب دون تردد لم تفكرأن تطلق رصاصة واحدة على الشعب منذ اليوم الأول ويرجع لقواتنا المسلحة الفضل الكبير في نجاح هذه الثورة التي أنقذتنا من النظام الذي في ظله تراجع دورمصر وتخلفنا سياسيا واقتصاديا لأن الديمقراطية هي سر قوة الشعوب ولا بد من مساءلة قوية ورقابة شعبية وقضاء مستقل وإعلام وصحافة حرة وتداول للسلطة. غابت الديمقراطية فضعفت مصر برغم ما تملك من جو معتدل طوال العام وسياحة وشواطئ وهبات عديدة. الثورة بداية لأن تعود مصر تلعب دورها وكنا قصرنا تجاه السودان الشقيق وأفريقيا والمنطقة العربية كما كنا نتلقى التعليمات من الأجندة الصهيونية الأمريكية كان حاكما ضعيفا. لكنا الآن لا يمكن أن نتلقى التعليمات من أحد ولا تفرض القرارات من أحد سنتقارب مع السودان لأن أمريكا هي التي كانت تحول دون علاقتنا بالسودان. يأتي إلى أسماعكم ما يحدث في القاهرة من مطالب ومظاهرات مطلبية هي بداية لزلزال. من حسن حظ الشعب المصري ان المجلس العالي للقوات المسلحة الموجود مصر على نقل السلطة للمدنيين وتجري الانتخاابات التشريعية في سبتمبر والرئاسية في نهاية العام. ثم وضع دستورجديد. إنهم رأوا رأس الذئب الطائر وتيقنوا ألا بديل الا الديمقراطية. وقال البدوي إن اكثرما يهدد ديمقراطيتنا الفتنة الطائفية بين المسلمين والمسلمين والمسلمين والمسيحيين. ثم تطرق لمسألة الحكم في الإسلام وقال إن أول وثيقة مواطنة في التاريخ وقعها الرسول (ص) في المدينة. وقال إن مقولة سعد زغلول للأقباط حينما اتوه يسألون عن وضعهم قال لهم لكم ما لنا ولكم ما علينا أخذها من الرسول (ص) حينما جاءه اليهود. الدولة في الإسلام مدنية الحاكم يختاره المسلمون ولهم حق خلعه سيدنا أبو بكر حينما تولى الخلافة قال إذا أحسنت أعيوني وإذا أسأت فقوموني. لا ولاية فقيه في الإسلام والسلطة مدنية في الإسلام. وأكد قائلا: كل ما يحدث في مصر وتسمعون عنه هو أمور سنستطيع أن تجاوزها وبسرعة كبيرة، فمصر لها تاريخ عريق في الممارسة الديمقراطية ونعرف كيف نتجاوز أخطاء الديمقراطية وقد عرفت مصر أول دستور سنة 1882 والأحزاب سنة 1807م وفي 1919 قامت ثورة وفي 1923 جاء دستور أجرى بعده انتخابات سقط رئيس الوزراء ووزير الداخلية يحي باشا إبراهيم أمام موظف بسيط أحمد باشا مرعي مرشح حزب الوفد. الشعب المصري قادر على حماية ثورته. نعلم يقينا ان امريكا لا تريد للثورة نجاحا وتروج لإسرائيل بأنها واحة الديمقراطية في المنطقة وستصبح مصر أكبر دولة ديمقراطية في المنطقة هل تسمح أمريكا بذلك هذا هو التحدي. أمريكا لن تسمح لنا فالديمقراطية هي سر القوة. حينما جاءنا عبد الله غولن قال لقادة القوات المسلحة إن قوة الشعب ليس في القوات المسلحة ولكن بالديمقراطية. وأكد:هذا هو التحدي وسننتصرعليه لأن من أسقطوا نظاما بهذا الجبروت قادرون على حماية ثورتهم من أي تدخل خارجي. ومعقبا على حديث المهدي حول العلاقات الخارجية قال إن مصر كانت تتميز بان عندنا وزراء خارجية على مستوى عالي جدا إلى أن سيطرت أمريكا وصارت السياسة الخارجية لا تعبر عن مصالح الشعوب ولكن الحكام ففقدت مصر البوصلة الحقيقية وستشهد الفترة القادمة عودة وزن مصر في السياسة الخارجية الشعوب الأفريقية والعربية تنتظر من مصرالكثير ولن نخذلكم بإذن الله. وقال: نحن في أسى شديد لما يدور في ليبيا وعلى قدر رفضنا للتدخل الأجنبي على قدر رفضنا لما يمارسه الرئيس الليبي من بطش فهو يعتدي على شعبه بضراوة شديدة وهذا يحتاج لتدخل عربي ومصري لمحاولة إقناع الرئيس بترك الحكم وترك الخيار للشعب الليبي من خلال صندوق الانتخابات. نحن كمصريين وحزب الوفد عدنا للسودان مرة أخرى نريد ان نعيد علاقة عبر التاريخ فقدكان شعبينا شعبا واحدا وآن الأوان ان يعود شعبا واحدا. حمى الله مصر والسودان ووقاها كل سوء. أما السيد حسين عبد الرازق رئيس حزب التجمع المصري فقال: استمعت باهتمام شديد لكلمة السيد الصادق المهدي وليست أول مرة التقيه واستمع له وقد اعطى برنامجا للعلاقات المصرية السودانية مبني على تجارب الماضي بما فيها من ايجابيات واخطاء. وتركيزه على الديمقراطية باعتبارها المدخل الصحيح لأي تقدم أو تغيير هو المدخل الذي يمكن أن نستخلصه ونبني عليه مستقبلنا.