* عشتُ فرحة المصريين بالتأهل لنهائيات كأس العالم بروسيا، وخروج ملايين المصريين الى الشوارع والميادين يغنون ويرقصون ويهتفون باسم بلدهم، وهو بالفعل إنجاز كبير يستحق كل هذا الفرح والنشوة، فنهائيات كأس العالم لكرة القدم هى المناسبة الرياضية الأولى فى العالم التى تحظى باهتمام كل العالم، ويجرى ذكر المتأهلين لها والمشاركين فيها على كل لسان، بما لا يقدر بمال، ولو أرادت دولة أن تروج لنفسها بمثل ما يروج لها وصولها الى نهائيات كأس العالم لكرة القدم، لما كفتها مليارات الدولارات التى تدفعها لشركات الدعاية والاعلان لتحقيق هذا الهدف حتى ولو حققت أكبر الانجازات العلمية أو الثقافية أو الفنية، فلكرة القدم سحرها الخاص الذى يجعل كل سكان المعمورة، بكافة أجناسهم وفئاتهم ومستوياتهم العلمية والثقافية ..إلخ، ينجذبون لها ويتابعونها متابعة لصيقة، خاصة نهائيات كأس العالم!! * لقد حُظيْت آخر بطولة فى البرازيل قبل ثلاثة أعوام (2014 )، بمتابعة حوالى 3 بليون مشاهد عبر محطات التلفزة ال (170 ) التى نقلت البطولة، بينما حظيت المبارة الأخيرة وحدها بمتابعة اكثر من بليون مشاهد (أى حوالى خمس سكان العالم) .. (هل هنالك دعاية أكبر من ذلك؟) .. كما بلغ مجموع جوائز البطولة وحوافز المنتخبات التى شاركت فيها حوالى (576 مليون دولار أمريكى)، ويتوقع ان تزيد فى الدورة القادمة بنسبة لا تقل عن 30 %، وسيحصل كل منتخب يتأهل للبطولة القادمة على مبلغ 2 مليون دولار فور تأهله، عدا الدعاية العالمية المدوية التى لا تقدر بثمن للبلد، وانعكاساتها الآنية والمستقبلية الضخمة على كل مجالات الحياة فيها !! * ظللت كلما تأهل منتخب أفريقى أو عربى لمنافسة رياضية كبيرة، أو فاز بها، ورأيت الفرحة التى تعم شعبه، والدعاية المجانية الضخمة التى تحصل عليها دولته، أتحسر على حال بلادنا، التى لم تحقق أى إنجاز رياضى يذكر فى كرة القدم غير الحصول على البطولة الإفريقية للمنتخبات بالخرطوم عام 1970، بل تدهور مستواها بشكل مريع فى الثلاثين عاما الأخيرة وصارت (ملطشة) لدول لا يعرف لها تاريخ، ولا اسم فى كرة القدم!! * وليت الحال توقف على ذلك، بل إنهارت كل أنواع الرياضة، وقُبر معظمها فى مدافن الاهمال والفساد والأنانية والتكالب على السلطة والمصالح، ولم يبق شئ سوى المهزلة والفضيحة التى نسميها مجازا (كرة القدم)، والبؤس الذى نطلق عليه (الدورى الممتاز) والمسخرة المسماة بالاتحاد العام لكرة القدم وفرق الهزائم والفضائح، التى تسيِّرها وتسيطر عليها أجهزة الحزب الحاكم، وبعض رأسماليته الطفيلية التى لا تفقه شيئا فى كرة القدم، فتحولت بفضلها الى بؤرة للفساد والمخازى والفضائح والعفن!! * قُبرت كل انواع الرياضة المعروفة، التى كان معظمهما يُمارَس على مستوى الفرق والاندية ولها اتحادات نشطة، كما كانت منتشرة بشكل واسع فى المدارس، مثل كرة السلة والكرة الطائرة، وألعاب القوى، وتنس الطاولة والسباحة ..إلخ (على مستوى الجنسين)، كان لنا فيها رياضيون ممتازون، وكنا نحقق فيها بعض الانجازات، وعلى سبيل المثال فوز منتخبنا بالبطولة العربية لكرة السلة بالكويت عام 1975، وفوز العديد من الرباعين السودانيين فى مجال رفع الاثقال وكمال الاجسام والملاكمة بالميداليات فى المنافسات الإقليمية والقارية، أو على الأقل مشاركتهم فى المنافسات الأوليمبية، ووجود العديد من العدائين السودانيين الممتازين مثل الكشيف وموسى حسن واسماعيل وانتصاراتهم المتنوعة ..إلخ، وحتى لو لم نكن نحقق انتصارات تُذكر، فقد كان لنا على الأقل موجود ملحوظ فى المنافسات، وكان من الممكن لرياضتنا أن تتطور وتتقدم الى الأمام، لولا الغول الذى جثم على بلادنا منذ ثلاثين عاما وإلتهم كل شئ فى كرشه المتقيحة، وإلتهم معها الرياضة والرياضيين، ولم يُبق لنا شيئا نأمل فيه خيرا، لا سياسة، ولا اقتصاد، ولا ثقافة، ولا فنون، ولا رياضة، ولا أى شئ غير الحروب والدماء والامراض والمفاسد والعقوبات والفضائح والهزائم .. والغول الذى يدير كل هذا الَّدنس!! * كل الشعوب تفرح يوما، وتحزن يوما .. أما نحن، فمن أين يأتينا الفرح مع الغول الذى جثم على صدورنا، ودمر بلادنا وسرق أحلامنا، وحوَّل حياتنا الى معصرة دموع!!