إندلعت أزمة بين مجلس تشريعى الجزيرة المسمى منتخب، والوالى المعين (أيلا)، الواضح أنها أزمة مُستعرة تحت السطح، منذ مجيئى الوالى، وأن هناك خلل فى إدارة المصالح، والتعامل مع مراكز النفوذ القائمة، ويبدو أن الوالى يرغب فى قدر من الإستقلالية، فى تفصيل حيرانه فى الولاية على يده، مما أغضب المشايخ السابقين، فقاموا فى وجهه قومة رجل واحد. كان لابد للصراع الخفى، أن يجد خطوط عامة، عند خروجه للعلن، فجاء الخط الأساسى إتهام الوالى بالفساد، لصالح شركاته التى يديرها إبنه ومحاسيبه القادمين معه، والجدد الذين فًصّلهم فى الولاية، وبعض مراكز النفوذ فى المركز، بهذا السياق يتهم برلمان الجزيرة، الوالى بالفساد المؤسسي المحمى بقوة السلطة، وهى تهمة هامة وخطيرة، فى أى بلد ديمقراطى، لايمكن تبرئة مسئول من هكذا إتهام، دون لجنة تحقيق قضائية تصدر حكمها، بعد الإستماع لجميع الأطراف، وإبعادهم المؤقت عن السلطة أثناء التحقيق، ولكن فى جمهوريات الموز الوضع مختلف، فيمكن ترقية المُتهم وقصف رقبة المُتهِمين. لقد جاء قرار رئيس الجمهورية، بحل المجلس التشريعى للجزيرة، بمعنى إلغاء الشرعية المسماة إنتخابية، وتمكين سلطة التعيين المركزى، فالإنقاذ لا تُغير طبيعتها، فهى نظام إنقلابى مركزى مُتسلط، الديمقراطية بالنسبة له نافلة، أما الفرض فهو التسلط المركزى، فالثورة تُراجع ولا تتراجع فالنواب راحوا ضحية لسوء تقديرهم وحسن ظنهم فى تُغير الإنقاذ، خرج إيلا منتصراً على شعب الجزيرة، إذا كان هؤلاء النواب يمثلونه، ولكن البشير يعلم، أن هذا البرطمان صنيعة سلطته و أجهزته، وهو على يقين أنه لايهش ولاينش، لذلك ركله بالقاضية، كما قال الشاعر، جلو صارماً وقضوا باطلاً، فقالوا عدلنا، قلنا نعم. قديماً قال المؤرخ المصرى المقريزى، أن التاريخ حِكمة، وتكرار أحداثه ملهاة، وكما قال عبدالرحمن الكواكبى فى كتابة (طبائع الإستبداد و مصارع الإستعباد) ، أن الإستبداد ملة واحدة، لا تعتبر بالتاريخ، ولا تريكم غير ما ترى ويصادف هواها، فقد قام بعض المتفولوحين، ليقولو بأن الحل غير دستورى، الحلول تقاس بدستوريتها، فى البلاد التى تحترم الدستور ويقوم حكمها على القانون، لكن جمهورية ود أب ذهانه، لا يحكمها سوى خياله ورغبته، الشعب أمام خيارين لا ثالث لهما، الثورة عليه أو طاعته. ملهاة التاريخ تحكى، أن المرحوم معمر القذافى، إستدعى المرحوم أبوبكر يونس وزير دفاعه، فقال له أنا خلقت الثورة، لايمكن للخالق أن يترقى فى المخلوق، لذلك سأظل فى رتبة عقيد، ولكنى أريد ترقيتك لدرجة لواء لتفتح الترقيات لبقية قوات الجيش ، فوافق أبوبكر يونس على القرار، وكان مسرح العبث معداً، فتم تركيب الدبابير والتصوير فى الحال للترقية، فخرج اللواء أبوبكر من خيمة العقيد، متوجهاً نحو عربته، فقابلته مسيرة زحف شعبى نزعت منه الدبابير، بإعتبارها إستعلاء على خالق الثورة، وهنا تشريعى الجزيرة أراد الإستعلاء على خالق الإنقاذ، بمواجهة عامله عليهم، لذلك ردعهم ردعاً مستحقاً (يالله بلا نواب بلا بطيخ) . القصة الثانية من التاريخ، من يصنع الدكتاتور، لابد له أن يتحمل طعن رُمحِه، فبرلمانات نوام الشعب، فى كل نسخ الإنقاذ، لا تستيقظ لغير التصفيق والتهليل، ذكر التاريخ أن هامان وزير فرعون الذكى، هو صاحب فكرة أن الفرعون إله، وهو الخالق، ولابد للشعب من الخضوع له، ومن يخالف ذلك يعاقب بالقتل أو يُنكل به، ففى يوم دخل هامان على الفرعون فى جلسة صفاء، فقال له الفرعون هل تعلم أن خلق رأسك هذا كلفنى زمن طويل لإخرجه بهذا الذكاء، فقال له (دا على هامان يا فرعون)، فأستنكر الفرعون ذلك و أمر بقتله، فصار بين الناس مثلاً يُضرب، فمن أعان ظالماً سلطه الله عليه، يا برلمان الجزيرة، مبروكة عليكم الزيانه .