السيدة المحترمة والاستاذة الكريمة، آمال عباس، أحييك وأحيي صفحاتك الرقيقة التي تتناول مواضيع حساسة من داخل المجتمع وهي في الغالب أوجاعه وأمانيه. وأحياناً أخرى تطرقون شيئاً من الأدب الشعبي للاستراحة وللفائدة. وقد قرأت عام 2007م (كما تقولين أنت!) مقالاً شيقاً للبروفيسور عبد الله عووضة. كان الموضوع عن أبيات من شعر شاعر البطانة الحاردلو، الأبيات تقول: الخبر الأكيد قالوا البطانة اترشت هاج فحل أم صريصري والمنايح بشت وكل الموضوع في هذا البيت الثاني وفي كلمتين: أم صريصري والمنايح أما أم صريصري فقد ذكر البروف أنه نوع من الجنادب أو الصراصير تهيج في أول الخريف وتطلق هذا الصوت «الصرير» وبالتالي سميت أم صريصري أو هكذا كتب البروف المحترم! والحقيقة هي أن «أم صريصري» التي عناها الشاعر ما هي إلا طيرة تسمى أم قيردون وهي موجودة بكثرة في البطانة وتشبه في لونها طير القطا ولكنها أصغر حجماً، ولها ريش «عُرف» على رأسها كأنه قرن ولذلك سميت أم قرين أو أم قيردون. والذكر من هذه الطيور يهيج في أول الخريف كما تفعل كثير من الأنعام والحيوانات. هذا الفحل يسمي عندنا في البطانة «فحل أم صريصري». ما يقوم به هذا الفحل مميز، فهو يطير في شكل رأسي إلى عدة أمتار فوق الأرض ويقف في الهواء ضارباً بجناحيه ومطلقاً في نفس الوقت ذلك الصرير الذي سمى به. يهبط ذلك الفحل من علوه ذاك وينغمس في تراب ناعم في حفرة صغيرة كأنه يستحم، ثم يطير إلى أعلى وهكذا. هذا هو فحل أم صريصري! أما المنايح فهو كل حلوب من الأنعام وبالذات الضأن والماعز سميت منايح لأنها تمنح اللبن. والمعزة أو شاة الضأن الحلوب التي تعطي لشخص جار أو فقير ليحلبها فترة الخريف تسمى منيحة وجمعها منائح! وقد ذكر البروف المحترم كلمة الممانح وهذه تعني تلك التي درّت اللبن قبل الولادة وهي صغيرة. هذه لا يشترط انها تعطي اللبن أو تمانح في أول الخريف، ثم أن كلمة «بشَّت» تعني بالضبط عودة ما انقطع لبنها بعد إدرار وكل ما تبش يُفيد أنها كانت تحلب أثناء الصيف ثم انقطع الدر أو قل قبل الخريف. وعندما يبدأ الخريف ومعه النبات اليانع الذي يحمل الفيتامينات وكل عناصر التغذية فإن لبنها يعود غزيراً لذاك السبب. الممانح لا تبش وانما تدر لبناً جديداً لأول مرة. أما الجميلي المذكور في بيت آخر من هذا الشعر فقد ولدت أنا نفسي قريباً منه وقد غنيت باسمه في طفولتي الأولى. هذا ما أردت توضيحه وبيانه لتعم الفائدة، وتقبلوا فائق احترامي وتحياتي والله تعالى الملهم د/ أحمد شريف – طبيب – الخرطوم