الرأى اليوم أمن البحر الأحمر : الجد والعبث صلاح جلال – فى زيارة الرئيس البشير لموسكو، تعرض لمسألة أمن البحر الأحمر وعرض على دولة روسيا الإتحادية ، منحها قاعدة عسكرية على البحر ، بلا شك أن العرض من النغمات المحببة للدب الروسي،فقد كانت خططه الأمنية منذ أيام الحرب الباردة، تقوم على إيجاد موطئ بارجة عسكرية على شواطئ البحر الأحمر، وفى عمق المياه الدافئة ، لم يتحقق هذا الحلم الإستراتيجى على الأرض ، فقد كانت هناك محاولة جادة أيام الرئيس سياد برى فى الصومال ، وكذلك محاولة أخرى فى اليمن الجنوبى على أيام حكمها الشيوعى ، فى عهد الرئيس سالم البيض ، لكن كلا المحاولتين لم تفضيا ، إلى تأسييس قاعدة عسكرية دائمة روسية على البحر الأحمر لتعقيدات الموضوع وكثرة التقاطعات الدولية والإقليمية حوله . – البحر الأحمر يمثل أهم ممر مائى عالمى، يربط ثلاثة قارات ، ويوصل المحيط الهندى بالمحيط الأطلسي ، له ميزته الإقتصادية والعسكرية الهامة فى الإستراتيجيات الدولية ، عبره يُصدر حوالى 40% من بترول الخليج وعبره تمر نصف التجارة العالمية، بين أقصى الشرق والغرب ، فالبحر الأحمر يمثل عمقا أمنيا ، و إقتصاديا لدول الخليج ، كما يمثل مكونا رئيسيا فى الاستراتيجية الإقتصادية والأمنية الأوربية ، و الأمريكية ، حيث تستورد أمريكا حوالى 25% من إستهلاكها البترولى عبر البحر الأحمر ويمثل البحر ذراعا أساسيا فى استراتيجيتها العسكرية، وضامن تفوقها العالمى فى المحيطين الهندى والأطلسي . – البحر الأحمر يكاد يكون بحيرة عربية خالصة ، من حيث عدد الدول المتشاطئة عليه ، فمن بين العشرة دول المتشاطئة ، ثمانية دول عربية هى الصومال وجيبوتى والسودان وعمان واليمن والمملكة العربية السعودية وجمهورية مصر والأردن، عدا إثنين هما أريتريا و إسرائيل . وقد كان البحر الأحمر محور تحركات دولية كبرى ، أيام الحرب الباردة . رغم أهمية البحر الأحمر الإستراتيجية، لاتوجد إتفاقية شاملة للدول المطلة عليه ، وخاصة العربية منها ، تم توقيع بعض الإتفاقيات الجزئية، بين إثنين إلى ثلاثة دول من المتشاطئين، لتنظيم مصالح إقتصادية وأمنية ، لكن لا توجد إتفاقية شاملة تنظم أمن البحر الأحمر ، لما فيه من تعقيدات وتقاطع إسترتيجيات دولية ، جعلت التوصل لإتفاق أمرا غاية فى الصعوبة. – الواقع الآن البحر الأحمر تم تدويله ، ويوجد فى مياهه الدولية عدد ضخم من القطع العسكرية، لمعظم دول العالم الكبرى والمتوسطة منها، كما توجد قواعد دائمة لكل من الولاياتالمتحدة وفرنسا , والآن الصين بجيبوتى . يمثل خليج باب المندب أهمية قصوى للأمن والإقتصاد العالمى ،عندما قامت ظاهرة القرصنة، منطلقة من الشواطئ الصومالية ، ظهر الإهتمام العالمى بالبحر الأحمر ، حيث شاركت حوالى عشر ألف سفينة وقطعة بحرية، من كل أنحاء العالم للقضاء على القرصنة ، و إستعادة الأمن للبحر الأحمر . -خلال الخمسة أعوام الأخيرة ، زاد إهتمام دول الخليج بالبحر الأحمر خاصة دولتى السعودية والإمارات، حيث قامتا بتأسيس وجود عسكرى دائم فى باب المندب مضافاً للوجود المصرى ، الذى إتسم بقدر من القِدم ، حيث يرتبط أمن البحر الأحمر بأمن قناة السويس المورد الإقتصادى الأهم فى مصر ، ثم تطور وجود البحرية الإيرانية فى البحر الأحمر، و أعقبتها البحرية الصينية التى تمتلك الآن وجودا دائما ، يتجاوز العشرة ألف جندى بين المياه الدولية واليابس فى جيبوتى ، كما توجد أساطيل أوربية وهندية فى عمق البحر ، يمكن القول الآن، أن البحر الأحمر مسلح إلى أسنانه . – خلال الفترة الديمقراطية ، رفضت حكومة السيد الصادق المهدى منح الولاياتالمتحدة قاعدة عسكرية على البحر الأحمر ، كما رفضت منح قاعدة برية لقوات التدخل الأفريقى يونيكوم ، مما عرض علاقة السودان والولاياتالمتحدة لقدر من الجفاء ،هل تعلم لماذا كان هذا الرفض؟ البحر الأحمر يمثل حقل الغام ، يجب التحرك فيه بوعى، وعلم ومعرفة بالمعطيات ، هناك رسالة دكتوراة قدمها د. اللواء عمر محمد الطيب (حول الإستراتيجية الأمنية فى البحر الأحمر) ، وقد قدمت أسرة وادى النيل فى نهاية التسعينات، ندوة ذات مستوى عالى، إنعقدت بجمهورية مصر العربية ، قدم فيها اللواء عمر محمد الطيب تلخيصا رصينا حول رسالته للدكتوراة ، يصلح أن يكون إستراتيجية للسودان White paper ، فى التعامل مع أمن البحر الأحمر ، لم يكن من بين مقترحاته ، منح قواعد عسكرية لدول أجنبية على أرض السودان ، بل أشار لخطورة مثل هذه التصرفات على الأمن القومى السودانى . – ما قدمه الرئيس البشير فى موسكو ، يعتبر إختراقا، وتهديدا للأمن القومى السودانى ، لم يحدث له مثيل فى تاريخ البلاد ، حتى عندما كانت تقول الحكومة فى السودان ، الإتحاد السوفيتى العظيم ، كما يشكل خطرا على دول الخليج العربى، قد لايعلم العميد البشير أن هنرى كيسنجر وزير خارجية الولاياتالمتحدةالأمريكية، قد ذكر ، إذا كانت هناك حرب عالمية ثالثة، ستنطلق من البحر الأحمر، لمافيه من تعقيدات ، وإستقطاب عالمى ، فخطورة منح قواعد أجنبية على التراب الوطنى ، فى البحر الأحمر، تتقاطع مع الإستراتيجية الخليجية والأمريكية والأوربية والاسرائيلية فى البحر ، فهى إستقطاب عداء مجانى لدولة صغيرة ، ومحدودة القدرات مثل السودان ، لذلك نقول مثل هذا العبث، بالأمن القومى الوطنى ، هو الذى يأتى بالطائرات طافية النور، فى دولة دفاعها بالنظر ، كل ما تملكه ضيط النفس والإحتفاظ بحق الرد . – ختامة على القوى الوطنية السودانية ، والعقلاء فى البلاد، وأصدقاء السودان التصدى لهذا التهريج وإيقافه ، لما ينطوى عليه من تهديد لسلامة البلاد ، وأمن مواطنيها ، وإهدار لمصالحها ، يجب عقد ورشة عمل للمختصين تخرج بتوجيهات واضحة ، لكيفية التعامل مع القضايا الإستراتيجية خاصة أمن البحر الأحمر. ونقول فى الختام ( الما بعرف يغرف ما تدوهو الكأس، بيكسر الكأس وبعطش الناس ).