مناوي: ما تحقّق اليوم في مدينة بارا هو نصرٌ لكل السودان    انتقادات عربية وأممية.. مجلس الأمن يدين الضربات في قطر    فرح السودانيين الصافي بعودة بارا إلي حضن الوطن له مايبرره    "كومبا" يضع رسالة على منضدة البرهان    وزارة الزراعة والثروة الحيوانية والري بالخرطوم تبحث إعادة إعمار وتطوير قطاع الألبان    إعفاء عبدالمهيمن: خطوة ذكية أم فقدان للخبرة الثمينة؟    الجيش السوداني والقوات المشتركة فرضا السيطرة على مدينة بارا بولاية شمال كردفان    شاهد.. مقطع فيديو يوثق اللحظات الأخيرة لغرق "قارب" يحمل عدد من المواطنين بينهم "عروس" في النيل بوادي حلفا    شاهد بالصورة والفيديو.. عروس سودانية ترفض "رش" عريسها بالحليب رغم إقدامه على الخطوة وتعاتبه والجمهور يعلق: (يرشونا بالنووي نحنا)    والد مبابي: كيليان أبكاني مرتين ونجح في تحقيق ما عجزتُ عنه    رئيس الوزراء يطلع على مجمل القضايا بولاية شرق دارفور    شاهد بالفيديو.. أفراد بالدعم السريع يطلقون أغنية جديدة يهاجمون فيها قائدهم الميداني "أبو الجود" بعد هروبه من المعارك والقبض عليه: (أبو الجود ماشي لرخصان خلى كردفان وخذل ود حمدان)    شاهد بالصورة والفيديو.. "بحبها جد ونفسي اتكلم معاها لكن بخجل".. الفنان شريف الفحيل يعلن حبه و"إنبراشه" في ناشطة مثيرة للجدل    شاهد بالفيديو.. أفراد بالدعم السريع يطلقون أغنية جديدة يهاجمون فيها قائدهم الميداني "أبو الجود" بعد هروبه من المعارك والقبض عليه: (أبو الجود ماشي لرخصان خلى كردفان وخذل ود حمدان)    "الحاسوب الخارق" يتوقع فوز صلاح ب"ذات الأذنين"    إكتمال عملية الإستلام والتسلم داخل مكاتب اتحاد الناشئين بالقضارف    تعيين مدير جديد للشرطة في السودان    حسين خوجلي يكتب: الأمة العربية بين وزن الفارس ووزن الفأر..!    الفار يقضي بفوز فرنسا    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    شاهد بالصورة والفيديو.. رغم جلوسهم على فصل دراسي متواضع.. طلاب وطالبات سودانيون يفاجئون معلمتهم بإحتفال مدهش والجمهور يسأل عن مكان المدرسة لتعميرها    الهلال السودانى يتأهل ويواجه الجيش الرواندى في نصف نهائي سيكافا وأهلي مدني يخسر    بالصورة.. المريخ يجدد عقد نجمه الدولي المثير للجدل حتى 2028    الهلال يتأهل ويواجه الجيش الرواندى في نصف نهائي سيكافا    ترامب: الهجوم على قطر قرار نتنياهو ولن يتكرر مجددا    في الجزيرة نزرع أسفنا    جلسة طارئة لمجلس الأمن لبحث الغارات الإسرائيلية على الدوحة    شاهد بالفيديو.. حسناء الإعلام السوداني تستعرض جمالها بإرتداء الثوب أمام الجميع وترد على المعلقين: (شكرا لكل من مروا من هنا كالنسمة في عز الصيف اما ناس الغيرة و الروح الشريرة اتخارجوا من هنا)    أعلنت إحياء حفل لها بالمجان.. الفنانة ميادة قمر الدين ترد الجميل والوفاء لصديقتها بالمدرسة كانت تقسم معها "سندوتش الفطور" عندما كانت الحياة غير ميسرة لها    مباحث شرطة القضارف تسترد مصوغات ذهبية مسروقة تقدر قيمتها ب (69) مليون جنيه    والي الخرطوم يدين الاستهداف المتكرر للمليشيا على المرافق الخدمية مما يفاقم من معآناة المواطن    من هم قادة حماس الذين استهدفتهم إسرائيل في الدوحة؟    في عملية نوعية.. مقتل قائد الأمن العسكري و 6 ضباط آخرين وعشرات الجنود    هذا الهجوم خرق كل قواعد الإلتزامات السياسية لقطر مع دولة الكيان الصهيوني    إيران: هجوم إسرائيل على قيادات حماس في قطر "خطير" وانتهاك للقانون الدولي    نجاة وفد الحركة بالدوحة من محاولة اغتيال إسرائيلية    ديب ميتالز .. الجارحى ليس شريكا    التدابير الحتمية لاستعادة التعافي الاقتصادي    ضبط (91) كيلو ذهب وعملات أجنبية في عملية نوعية بولاية نهر النيل    تمويل مرتقب من صندوق الإيفاد لصغار المنتجين    الخرطوم: سعر جنوني لجالون الوقود    السجن المؤبّد لمتهم تعاون مع الميليشيا في تجاريًا    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    عثمان ميرغني يكتب: "اللعب مع الكبار"..    جنازة الخوف    حكاية من جامع الحارة    حسين خوجلي يكتب: حكاية من جامع الحارة    تفاصيل جديدة حول جريمة الحتانة.. رصاص الكلاشنكوف ينهي حياة مسافر إلى بورتسودان    قوات الطوف المشترك محلية الخرطوم تداهم بور الجريمة بدوائر الاختصاص وتزيل المساكن العشوائية    تخصيص مستشفى الأطفال أمدرمان كمركز عزل لعلاج حمى الضنك    "وجيدة".. حين يتحول الغناء إلى لوحة تشكيلية    مشكلة التساهل مع عمليات النهب المسلح في الخرطوم "نهب وليس 9 طويلة"    وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال    نفسية وعصبية.. تعرف على أبرز أسباب صرير الأسنان عند النوم    حادث مأسوي بالإسكندرية.. غرق 6 فتيات وانقاذ 24 أخريات في شاطئ أبو تلات    بعد خطوة مثيرة لمركز طبي.."زلفو" يصدر بيانًا تحذيريًا لمرضى الكلى    الصحة: وفاة 3 أطفال بمستشفى البان جديد بعد تلقيهم جرعة تطعيم    أخطاء شائعة عند شرب الشاي قد تضر بصحتك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أهمية البحر الأحمر الإستراتيجية فى ظل المتغيرات الدولية. إعداد وتقديم: عاصم فتح الرحمن أحمد الحاج
نشر في سودانيل يوم 22 - 12 - 2012


مقدمة:
كان البحر الأحمر ولا زال أهم طرق المواصلات البحرية في العالم يحمل المواد التجارية من الشرق والغرب في العصور السابقة والحالية, وأصبح الآن من أهم الممرات البحرية في العالم يحمل أهم السلع الاستراتيجية من الشرق والغرب, كما تحول أيضا من مجرد بحر داخلي إلى أهم شريان مائى ينقل البترول من مناطق إستخراجه في الخليج العربي وإيران وشبه الجزيرة العربية وأفريقيا إلى أوروبا الصناعية والولايات المتحدة الأمريكية والصين وآسيا وبقية دول العالم, وبفضل اكتشاف البترول في الخليج والجزيرة العربية وبعض دول أفريقيا المطلة على البحر الأحمر, وبفعل الإحتياج النفطى المتزايد في أوروبا وأمريكا وآسيا اصبح البحر الأحمر بمميزاته وخصائصه الجيوبوليتيكية أخطر محاور الصراع والتنافس الدولى, ومن أهم نقاط التحكم الاستراتيجىة العالمية, باعتباره طريق حيوى لنقل البترول, ومعبر للتجارة العالمية, وطريق مختصر لتدفق القوة العسكرية من البحر الأبيض المتوسط والبحر الأسود والمحيط الأطلنطي والمحيط الهندي والمحيط الهادي, و بهذه الميزات الجيوبوليتيكية, إرتبط البحر الأحمر بالقرن الأفريقي جنوباً, كما ارتبط بقناة السويس شمالاً ارتباطاً عضويا أمنياً وعسكرياً وسياسياً واقتصادياً, حتى أصبح محط أنظار المخططين السياسين والعسكريين اللإقليميين والدوليين, ومركز اهتمام واضعي القرار السياسي, ومحور صراعات معقدة بين القوى الدولية المتنافسة على النفوذ, وكذلك القوى المحلية والإقليمية المتصارعة حول الهيمنة والنفوذ فى المنطقة.
البحر الأحمر من الناحية الجغرافية والجيوبوليتيكية:
إن البحر الأحمر عبارة عن حوض مائى يمتد طولياً من خليج السويس المصرية في أقصى الشمال ,إلى باب المندب فى اليمن في أقصى الجنوب, وكلاهما يمثلان ممراً قابضاً حاكماً, يحصر مياه البحر الأحمر طبيعياً, ويحاصره جغرافياً, ويتحكم فيه حتى يكاد يحوله إلى بحيرة مستطيلة مغلقة, وهو بهذا التحديد يتصل من ناحية الشمال بخليج السويس وخليج العقبة, كما يتصل من ناحية الجنوب بخليج عدن الذى يطل على مياه المحيط الهندي, ويضم حول سواحله ثمانية دول يقع منها على الساحل الأفريقي أربعة دول, وهى من الشمال إلى الجنوب تضم كل من مصر, السودان, أرتريا وجيبوتي, وعلى الساحل الآسيوي أيضاً أربعة دول, وهى فلسطين المحتلة, الأردن, السعودية واليمن.
إن الطول الإجمالي لسواحل البحر الأحمر بما فيها سواحل خليجي السويس والعقبة, يبلغ نحو 3069 ميلاً, باعتباره مستطيلاً مائيا تصل مساحته إلى 17800 ميل مربع, وإذا أخذنا نقطة شمالية عند منطقة خليج السويس, ونقطة جنوبية عند منطقة باب المندب, فإن طول البحر الأحمر سوف يبلغ1200ميل, ويبلغ أقصى اتساع له حوالي 190 ميلاً عند مصوع على الساحل الارتري الأفريقي, وجيزان على الساحل الشرقي السعودى الآسيوي, بينما يبلغ أقل اتساع له نحو40 ميلاً فقط عند مدينة عصب على الساحل الغربي, والمخا اليمنية على الساحل الآسيوي, وإذا كان باب المندب هو نقطة التحكم والخنق في الجنوب, فإن مضايق تيران وقوبال هي نقاط التحكم والخنق عند الشمال, حيث تنتشر الجزر والشعاب المراجانية التي تقسم مياه البحر إلى ممرات ملاحية صغيرة وضيقة تجعل من الملاحة مخاطرة تحتاج إلى حسابات دقيقة لتحقيق السلامة والمرور إلى المحيط الهادى, فمضيق قوبال الذي يقع في داخل خليج السويس لا يزيد عمقه عن 300 إلى 330 قدماً, وتنتشر في مياهه عدة جزر أهمها شدوان وقوبال وأم قمر, وشرق قوبال يرقد مضيق تيران في مدخل خليج العقب, ويصل عمق المياه هناك إلى اكثر من 3300 قدم, بينما يضيق اتساعه إلى معدل 8 إلى 10 أميال فقط, وفي هذا المضيق تنتشر كذلك عدة جزر أهمها (تيران ) و(صنافير) الواقعة في مدخل المضيق, حيث تتحكم به تحكم استراتيجي بالغ الأهمية, وإذا انتقلنا جنوباً عند نقطة التحكم الأخرى فسوف نجد باب المندب الذى لا يزيد اتساعه عن20 ميلا تتولى فيه جزيرة (بريم ) تقسيم البحر الأحمر بشكل يعوق الملاحة الانسيابية, فالجزيرة تقسمه إلى شطرين, أحدهما بالغ الضيق, وهو الممر الشرقي بعرض أقل من ميل, والآخر في الغرب بعرض يصل إلى 16 ميلا, تنتشر فيه الجزر الصغيرة والشعاب المراجانية, التي تزيد بالطبع من وعورة الملاحة, وبالرغم من أن عمق هذا الممر في معظم مياهه يصل إلى 990 قدماً, فإن هذا العمق في الممر الشرقي يقل حتى يصل في بعض أجزائه إلى نحو85 قدما فقط.
هكذا تبدو أهمية نقاط التحكم الاستراتيجي الشمالية عند السويس وتيران, والجنوبية عند باب المندب, في خنق الملاحة المدنية والعسكرية على السواء في البحر الأحمر, ولذلك دار الصراع دائما حول نقاط التحكم هذه, سواء كان صراعاً دولياً أو محلياً, وإكتسبت مناطق مثل القرن الأفريقي غرباً, والسواحل العربية شرقاً في جنوب البحر, ومضايق تيران شمالاً وقوبال غربا في شمال البحر الأحمر, بميزات جيوبولتيكية في خريطة الصراع الدولي والمنافسة الحادة القائمة اليوم بين القوى الفاعلة دولياً, وكذلك على مستوى الصراع الإقليمي خاصة بين العرب وإسرائيل وبين القوى الدولية الساعية للنفوذ.
البحر الأحمر استراتيجياً:
إكتسب البحر الأحمر أهمية سياسية وإستراتيجية وإقتصادية وعسكرية منذ العصور التاريخية السحيقة, حيث أن شعوب المناطق التى تسكن حوله, عرفوا فيه ميزة الربط بين الساحل الآسيوي عند شبه الجزيرة العربية والساحل الأفريقي عند مصر, ثم إلى شمال أفريقيا وعند السودان والصومال, ومن ثم إلى قلب القارة الأفريقية, وعرفوا فيه كذلك ميزة الربط بين المحيط الهندي جنوبا والبحر الأبيض المتوسط شمالاً, كأقصر طريق للملاحة ومن ثم للتجارة, وبالتالي نشر النفوذ السياسي لهذه الشعوب من خلاله, والثابت وثائقياً وتاريخياً أن هذه الأهمية الاستراتيجية والميزات السياسية والإقتصادية التى يتميز بها حوض البحر الأحمر, قد عرفت منذ أربعة آلاف عام, ولقد كانت الريادة في كشف أهمية الإبحار عبر البحر الأحمر ترجع للعرب وللفراعنة, التى كانت أساطيلهم البحرية تصل حتى القرن الافريقي (الصومال وارتريا والسودان), كما أن فضل تحديد معالم الملاحة في البحر بشكل واضح يرجع للفينيقين, وهم الملاحون المهرة في عصور ما قبل التاريخ, خاصة خلال رحلاتهم البحرية لاستكشاف الشواطئ الأفريقية الطويلة قبل الميلاد بأكثر من خمسمائة عام على الأقل.
وخلال كل هذه المحاولات سواء العربية أو الفرعونية أو الفينيقية لتحديد مسارات الملاحة في البحر الأحمر, فقد كان الهدف الإقتصادي والسياسي واضح ومحدد عند أولئك الذين قاموا بهذه الكشوفات لمد جسر التواصل الاستراتيجي بين الشواطئ الشرقية والجنوبية للقرن الافريقي, ذلك التواصل الذي ما زال قائماً حتى عصرنا الحالى والذى يمثل أهمية جيوبوليتكية وإستراتيجية عند صانعى القرار السياسي ومخططي الاستراتيجيات ومحركي الصراعات الإقليمية والدولية, ويكشف ذلك الصراعات بين الشعوب االقديمة في مصر والجزيرة العربية وسواحل أفريقيا, وبين دويلات العصور الوسطى, أو بين أمبراطوريات الإستعمار الأوروبي في القرن التاسع عشر, المتمثلة في بريطانيا وفرنسا والبرتغال وإسبانيا, أو بين القوى العظمى فى عهد الحرب الباردة الاتحاد السوفيتي (السابق) والولايات المتحدة الأمريكية, أو فى عهد الأحادية القطبية الحالى فى ظل صراعها مع القوى الصاعدة فى عالمنا المعاصر.
إن البحر الأحمر من مدخله الشمالي عند السويس إلى مدخله الجنوبي عند باب المندب والقرن الأفريقي, ظل ولازال يلعب دوراً مركزياً ومحورياً فى الصراع في هذه المنطقة الحيوية من العالم, فقد أصبح البحر الأحمر فى عصرنا الحالى من أهم طرق البترول من الخليج وأفريقيا إلى أوربا وأسيا وأمريكا, ويمثل عصب الحياة للدول الكبرى, حيث تمر التجارة الدولية عن طريقه, كما ينقل البترول الخام عبره من الخليج العربي والجزيرة العربية وإيران وأفريقيا, إلى مصادر استهلاكه في أوروبا وأمريكا وآسيا, وأصبح تهديد طريق البترول بين الشرق والغرب عبر البحر الأحمر في عصرنا الحالى يمثل للأمن والسلم العالميين, بدرجة ترقى إلى مرتبة إعلان الحرب, والتحرك الحالى للأساطيل البحرية الإيرانية والأمريكية والإسرائيلية فى مياه البحر الأحمر, تكشف عن حقيقة أهمية البحر الأحمر الإستراتيجية .
البحر الأحمر والقرن الإفريقى:
يعتبر القرن الأفريقي, ممراً وبوابة للبحر الأحمر وخليج عدن، بالإضافة إلى الخليج العربي والمحيط الهندي, ولكن البحر الأحمر زاد من الأهمية الإستراتيجية لمنطقة القرن الأفريقى, وجعلها منذ العهود السابقة وحتى وقتنا الحالى محط إهتمام القوي الدولية المتنافسة على النفوذ, ولذلك فإن التدخلات الدولية من أجل السيطرة والنفوذ على البحر الأحمر هي التي حددت شكل وتطور الأحداث في القرن الأفريقى منذ العهود السابقة حتى عصرنا الحالى, ولكن نجد أن درجة هذا التدخل تختلف من وقت لآخر, كما أن الصراع من أجل السيطرة على منطقة القرن الأفريقي إرتبط بأمن البحر الأحمر وتأمين حركة الملاحة به, كما إرتبط إرتباطاً وثيقاً بالصراع العربي الإسرائيلي, وهو ما دفع بالولايات المتحدة والدول الغربية إلى محاولة الدفاع والمحافظة على أمن البحر الأحمر عن طريق السيطرة والحصول على موطىء قدم فى منطقة القرن الأفريقى, ولعل من أبرز الأدوات التي أستخدمت في ذلك إقامة القواعد العسكرية وتبادل المعلومات الاستخباراتيه مع بعض دول منطقة القرن الأفريقى (القاعدة الفرنسية والقاعدة الأمريكية فى جيبوتى بالإضافة للتواجد الإيرانى فى ميناء عصب الأرترى ومراكز جمع المعلومات والمراقبة المنتشرة فى الدول المطلة على البحر الأحمر), كما أن إكتشاف النفط والذهب والغاز الطبيعي في منطقة القرن الإفريقى, قد أضاف بعداً جديداً للتنافس الدولي على المنطقة، بحيث جاءت إلى جانب الولايات المتحدة والصين والإتحاد الأوربى قوى فاعلة جديدة هى الهند , البرازيل, وإيران و تركيا واليابان, ولا يخفى على أحد الآن بأن دول القرن الأفريقى تمتلك احيتاطيات كبيرة من المعادن التي تستخدم في الصناعات الثقيلة والنووية مثل الكوبالت واليورانيوم، كما أنها تمتلك ثروة مائية هائلة تكفي لسد حاجات الدول الأفريقية من المياه, وبالتأكيد أن كل تلك المعطيات سوف تزيد من إحتمالات محاولات فرض الهيمنة على البحر الأحمر من قبل الفاعلين الدوليين, وهكذا يتحقق الإرتباط بين البحر الأحمر والقرن الأفريقى على مستوى الأهمية الجيواستارتيجية.
أهمية البحر الأحمر للأمن الوطنى السودانى:
عندما نتحدث عن مفهوم الأمن الوطنى السودانى, نعنى به فى حديثنا كلما يتصل بسلامة الدولة السودانية وسيادتها ومصالحها الحيوية, حيث أن النظام الدولى يقوم على مجموعة من الوحدات السياسية المستقلة (الدول) ذات السيادة, وكل وحدة سياسية تسعى فى إطار تفاعلها مع محيطها الخارجى من أجل تحقيق مصالحها القومية والدفاع عنها, ونتيجة للتباين فى المواقف والتعارض فى المصالح بين وحدات المنتظم الدولى, تنشأ المنافسة والصراع والحرب, ولذلك يجب أن تعمل الدولة السودانية بصورة دائمة ومستمرة على امتلاك القوة الكافية التى تمكنها وتساعدها على مواجهة التحديات والتهديدات الموجهة إليها سوى كانت داخلية أوإقليمية أو دولية.
وإذا حاولنا أن نعرف الأمن الوطنى السودانى فنجد أنه يُعنى " بتلك الإجراءات والقواعد التى تضعها الدولة وتحافظ على تطبيقها, لتستطيع أن تحقق لنفسها الحماية الذاتية والوقاية الإقليمية والدولية"، وبهذا المعنى يتكون الأمن الوطنى السودانى من مبادىء تنبع من طبيعة الأوضاع الإستراتيجية, والخصائص المختلفة المتعلقة بعلاقات التعامل مع الامتداد الإقليمى والدولى من جانب, والعنصر البشرى وسلوكياته من جانب آخر, ومن منطلق المعطيات الواردة أعلاه يعتبر تأمين البحر الأحمر ككل, وتأمين السواحل السودانية من أهم الواجبات الأمنية الرئيسية للأمن الوطنى السودانى من عدة اعتبارات هى :
1. البحر الأحمر يمثل حلقة إرتباط بين البحار المفتوحة فى المحيطين الهندى والأطلنطى عبر البحر المتوسط وقناة السويس، بالإضافة لتحكمه فى مخارج ومداخل كل من البحر المتوسط والخليج العربى والمحيط الهندى, حيث أن أى تحرك عبر أى منهما يجب أن يمر من خلال بالبحر الأحمر, وتبرز هذه الأهمية فيما يتعلق بنقل البترول من الخليج العربى وأفريقيا (السودان) بكميات كبيرة لحل أزمة الطاقة العالمية, ولكن لا يكتمل هذا الحل إلا عبر نقل هذا البترول عبر البحر الأحمر, الشىء الذى يترتب عليه فرض آلية أمنية تحفظ تدفق البترول عبره لمناطق إستهلاكه فى أمريكا وآسيا وأوربا.
2. إن معظم الصادارات والواردات السودانية تحمل عبر السفن التجارية التى تمر فى البحر الأحمر, الشىء الذى يجعل البحر الأحمر ذو أهمية لحركة التجارة العالمية من وإلى السودان, وهذا يضفى أهمية كبيرة للبحر الأحمر بالنسبة للسودان, وبالتالى وضع إستراتيجيات أمنية للحفاظ على أمنه وحركة الملاحة فيه, عبر إنشاء قوة عسكرية بحرية ذات إمكانيات كبيرة, تحتوى على أسطول كبير من القطع البحرية, تمكن السودان من حماية المصالح السودانية والإقليمية والدولية العابرة عبر البحر الأحمر, لمنع أى اختراق يهدد إنسياب حركة التجارة للسودان وأفريقيا وبقية دول العالم.
3. تطل على شاطىء البحر الأحمر دولتان من أكبر الدول العربية, هما السعودية فى الشاطىء الشرقى ومصر فى الشاطىء الغربى, وهما مركز ثقل فى الوطن العربى حيث يرتبط تأمين البحر الأحمر بالنسبة للأمن الوطنى السودانى بالتنسيق مع هذه القوة الإقليمية العربية, بالإضافة للنسيق مع أرتريا التى تمتلك أطول ساحل على البحر الأحمر من الجهة الأفريقية, وجيبوتى التى تتحكم فى الممر الجنوبى للبحر الأحمر الأحمر إسوة باليمن والتى تنتشر فيها قواعد عسكرية دولية للدول الكبرى.
4. الدبلوماسية الإسرائيلية تعمل عبر كافة السبل لتأكيد الأهمية الكبرى التى يحتلها البحر الأحمر بالنسبة لمصالحها, وتلعب اسرائيل دوراً رئيسيا فى الصراع فى البحر الأحمر ومنطقة القرن الإفريقى ( الضربات الجوية المتكررة لأهداف سودانية على ساحل البحر الأحمر والعمق السودانى, بالإضافة لقيامها بتفتيش السفن وقوارب الصيد السودانية قبالة السواحل السودانية), الشىء الذى قد يحدث إختراقات مستقبلية للأمن الوطنى السودانى, عليه فمن الأهمية أن يلعب السودان دورا فاعلاً فى تأمين البحر الأحمر الممر المائى الوحيد لصادراته ووارداته عبر التنسيق مع الدول العربية والأفريقية المطلة عليه.
الخلاصة:
أمن البحر الأحمر يعتبر من أهم المحاور الأمنية المباشرة للأمن الوطنى السودانى, حيث يمثل البحر الأحمر قناة الوصل بين السودان والعالم الخارجى عبر البحار المفتوحة فى المحيطين الهندى والأطلنطى عبر البحر المتوسط وقناة السويس، فضلاً عن تحكمه فى مخارج ومداخل كل من البحر المتوسط والخليج العربى, حيث أن أى تحرك عبر أى منهما يجب أن يمر بالبحر الأحمر, كما أن أغلب الحمولات البحرية التى تمر فى البحر الأحمر حمولات سودانية وعربية وأفريقية, وهذا يضفى أهمية خاصة على أمن السودان و الدول العربية والأفريقية المطلة عليه, حيث إذا تعطلت الملاحة فى البحر الأحمر سوف تتوقف كل حركة التجارة العالمية بين السودان والعالم الخارجى, الشىء الذى يؤدى إلى تهديد الأمن الوطنى السودانى.
عليه وفقاً للمعطيات أعلاه, يجب على صانعى القرار والفاعلين السياسيين فى السودان, العمل على وضع إستراتيجية تعمل على تحقيق مصالح السودان الأمنية والإقتصادية والسياسية فى البحر الأحمر, لتلافى وقوع أى كارثة مستقبلية تعرقل سير الملاحة عبر البحر الأحمر من وإلى السودان, لكى تكون الدولة السودانية فى مأمن من الخاطر المستقبلية التى يمكن أن تنجم من الصراع والتنافس الدولى فى البحر الأحمر, عليه يجب أن التركيز على الأهمية الإستراتيجية والمحورية للبحر الأحمر, والتى تعد فى من أهم قضايا الأمن الوطنى السودانى والأمن القومى العربى والأفريقة والدولى ككل.
عاصم فتح الرحمن أحمد الحاج
باحث وخبير إستراتيجى فى شؤون القارة الإفريقية و متخصص فى شؤون القرن الأفريقى
E-mail: [email protected]
12 ديسمبر 2012 م


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.