انعقاد الجمعية العمومية لنادي الهلال الأبيض وسط أجواء مثالية    بوساطة من موسى هلال..الجيش يطلق سراح 43 من عناصر الميليشيا    السعودية وتركيا ومصر؛ لا مناص امامهم من العمل على حماية سيادة السودان    استئناف حركة المرور في معبر الرقيبات بين دارفور وجنوب السودان    البحر يبتلع عشرات السودانيين الهاربين من جحيم بلادهم    كيكل يعود صلباً... ودرع السودان يكتب صفحة جديدة من الصمود    7 منها عربية.. المنتخبات المتأهلة إلى كأس العالم    السودان يتعادل أمام منتخب عمان الأولمبي بمسقط    الطيب صالح ناهض استعلاء السلطة عبر "الكتابة السوداء"    إنهم يكذبون على انفسهم فقط    بعد انتشار أنباء عن استشهاد قائدها "كيكل" بكردفان.. قوات درع السودان تصدر بيان توضح فيه الحقائق كاملة    شاهد بالفيديو.. بعد أن أقاموا له سرادق عزاء.. شاب سوداني يفاجئ أسرته بأنه على قيد الحياة بعد ظهوره في مكالمة فيديو وأحد أقاربه يطالبه بالعودة سريعا: (تعال الصباح بدري عشان تلحق فطور فراشك)    حقق حلمه وكان دائماً ما يردد: "لسه يا قلبى العنيد لا شقيت لابقيت سعيد".. شاهد ماذا قالت مفوضية اللاجئين عن ظهور الشاب السوداني "مهدي" وهو يغني مع الفنان الشهير تامر حسني داخل أحد المصانع بالقاهرة    شاهد بالصورة والفيديو.. "خواجة" يوثق لتجربته الأولى مع شرب القهوة السودانية.. عبر عن قوتها ويصف الجنزبيل بالشطة "سبايسي"    دونالد ترامب يفجّرها حول حرب السودان    قرار لسكان الخرطوم بشأن فاتورة المياه    جعبوب يحرز برونزية الوثب العالي بدورة التضامن الإسلامي    تدخلات طبية وصحية من الهلال الأحمر القطري لنازحي الفاشر بالدبة    هل ثمة نظام دولي بديل يتشكل فعلا؟ّ!    ساردية يحقق فوزاً ودياً ويؤكد جاهزيته لدوري شندي المحلي    (انسوا الدوري الرواندي)    خبير عسكري يطلق التحذير من خطر محدق جديد في السودان    السودان يعلن وصول شحنة من هولندا    فوز قاتل ضد الإمارات يقود العراق إلى الملحق العالمي بتصفيات المونديال    فريق ميداني متخصص من إدارة مباحث ولاية كسلا يسدد بلاغ خاص بسرقة عربة بوكس    الذكاء الاصطناعى وإرضاء الزبون!    قناة الجزيرة ... من يختار الضيوف ولماذا … ؟    بالصورة.. صحيفة "الغارديان" البريطانية تهاجم القيادي بمليشيا الدعم السريع "الربيع عبد المنعم" وتؤكد حذف حساباته على منصات التواصل الاجتماعي    إسرائيل تكشف رسميا عن خطتها على حدود مصر    "خسرنا بالسحر".. مدرب نيجيريا يتهم الكونغو بممارسة "الفودو"    خالد عمر: تصريحات وزير الخارجية الأمريكي لا تتعارض مع "الرباعية"    شبح شفاف.. مفترق بين الترقب والتأمل    روسيا.. سجن إماراتي 6 سنوات بتهمة محاولة تهريب صقور مهددة بالانقراض    الأولى منذ 7 سنوات.. محمد بن سليمان إلى واشنطن    شاهد.. "القروش بتخلي البني آدم سمح".. جمهور مواقع التواصل بالسودان يواصل سخريته من المذيعة تسابيح خاطر بنشر صور قديمة لها قبل ظهورها في الإعلام    شاهد بالفيديو.. الفنان المصري سعد الصغير يثير غضب السودانيين أثناء ترحيبه بالفنانة "مونيكا": (أنا أعرف أن السوداني لازم يبقى أسود أو أسمر لكن من السودان وبيضاء أزاي مش عارف!!)    الطاهر ساتي يكتب: مناخ الجرائم ..!!    إظلام جديد في السودان    تحذير من استخدام الآلات في حفر آبار السايفون ومزوالة نشاط كمائن الطوب    والي الخرطوم يعلن عن تمديد فترة تخفيض رسوم ترخيص المركبات ورخص القيادة بنسبة 50٪ لمدة أسبوع كامل بالمجمع    اتحاد أصحاب العمل يقترح إنشاء صندوق لتحريك عجلة الاقتصاد    الطاهر ساتي يكتب: أو للتواطؤ ..!!    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    شرطة ولاية الخرطوم : الشرطة ستضرب أوكار الجريمة بيد من حديد    عطل في الخط الناقل مروي عطبرة تسبب بانقطاع التيار الكهربائي بولايتين    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    مخبأة في باطن الأرض..حادثة غريبة في الخرطوم    5 مليارات دولار.. فساد في صادر الذهب    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    وزير الصحة يوجه بتفعيل غرفة طوارئ دارفور بصورة عاجلة    تركيا.. اكتشاف خبز عمره 1300 عام منقوش عليه صورة يسوع وهو يزرع الحبوب    (مبروك النجاح لرونق كريمة الاعلامي الراحل دأود)    المباحث الجنائية المركزية بولاية نهر النيل تنهي مغامرات شبكة إجرامية متخصصة في تزوير الأختام والمستندات الرسمية    دراسة تربط مياه العبوات البلاستيكية بزيادة خطر السرطان    والي البحر الأحمر ووزير الصحة يتفقدان مستشفى إيلا لعلاج أمراض القلب والقسطرة    شكوك حول استخدام مواد كيميائية في هجوم بمسيّرات على مناطق مدنية بالفاشر    السجائر الإلكترونية قد تزيد خطر الإصابة بالسكري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



انتهاء ظرف الحشود و بزوغ التعدد الثقافي اتضح كما النيل السماوي ... بقلم: طاهر عمر
نشر في سودانيل يوم 15 - 02 - 2018

لغرامشي مقولة و هي أن الافكار القديمة قد ماتت و الافكار الجديدة لم تولد بعد و هذا ما ينطبق على حقبتنا هذه أكثر من انطابقه على اللحظة التي أطلق فيها غرامشي مقولته و نجد في أفكار عالم الاجتماع التونسي الطاهر لبيب في اعادة اكتشافه لغرامشي حيث يكشف لنا الطاهر لبيب مدى سيطرة الريادات الوطنية غير الواعية على مفاصل الفكر في عالمنا عالم المجتمعات التقليدية.
نعم أن أس الداء هو سيطرة الريادات الوطنية غير الواعية على مفاصل الفكر مما أدى الى انتشار بريق الأيدولوجيات التي تعمي كما نرى سيطرة حشود اليسار و زعمهم بأنهم مثقفين عضويين و نجد أن زعمهم تدحضه هرولتهم الى أحزاب تسيطر عليها الايدولوجيات المتحجرة بعكس طرح غرامشي و طرحه في ذلك الزمن و نحن حينه في حقبة الاستعمار أذن المسألة كلها ترتكز في الريادات الوطنية غير الواعية بفلسفة التاريخ ولأي خط هي أقرب.
فمثلا أن الريادات الوطنية غير الواعية في حقبة الستينيات من القرن المنصرم قد حاربت الحداثة و التنمية كم حورب الاستعمار كما يقول محمد أركون لذلك نجد ان من اكبر معوقات التنمية عندنا هي في الريادات الوطنية غير الواعية في تلك الحقبة فمثلا ثورة اكتوبر1964 كانت تقودها حشود اليسار السوداني و هو منتشئ كساذج و مراهق سياسي لم يدور في خلده ان ما يريد بسطه في ساحة الفكر قد تجاوزته انجازات التفكر في افكار ماكس فيبر منذعام1922 في فكرة الاقتصاد والمجتمع وحينها قد أصبحت ماركسية ماركس خاوية مما يجعلك أن تكون ماركسيا كما يردد ريموند آرون في اعجابه بأفكار ماكس فيبر ورفضه لافكار دوركهايم كعالم اجتماع يلغي المجتمع بجرة قلم ويمهد الطريق لفكرة النيوليبرالية مثله كفردريك هايك وتدور الايام ليصبح خط ماكس فيبر ريموند آرون و جون راولز و فوكوياما كدرب التبانة أو كما يسمي النيل السماوي في الادب الفرعوني القديم من حيث وضوحه في الليل أي أنه قدأصبح فكرهم هو تتويج التاريخ بالتاريخ الذي لا يتوج كما لخصه فوكوياما بفكرة نهاية التاريخ و الانسان الأخير فافكار فوكوياما هي امتداد سير خط أفكار ماكس فيبر في مرورها عبر حفريات ريموند آرون كعالم اجتماع ومؤرخ و اقتصادي يوضح أن التاريخ الانساني لا قصد ولا معنى له بل هو تراجيدي ومأساوي لا يمكن ضبطه الا بمعادلة الحرية والعدالة وهي روح العقد الاجتماعي في الفكر الليبرالي فأفكار ماكس فيبر منذ عشرينيات القرن المنصرم نجدها قد أصبحت قوة وروح فكر ريموند آرون في مقاومته لجان بول سارتر أيام مجده في الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين ونفسها أي أفكار ماكس فيبر و ريموند أرون نجدها قد مهدت لجيل فلاسفة الثمانينيات أي لوك فيرى في نقده لفلاسفة ما بعد الحداثة و كذلك مارسيل غوشيه في ابداعاته التي قد أوصلته الى أن تحقيق ارتضاء العيش المشترك والحرية لا يمكن أن تكون الا في ظرف خروج الدين من أن يكون له تأثير على السياسة والاجتماع والاقتصاد فأفكار فلاسفة الثمانينيات من القرن المنصرم أي لوك فيري ومارسيل غوشيه تعتبر الحلقة المفقودة في منظومة الفكر السودانية سبب غيابها قد أدى للكساد الفكري السائد اليوم حيث يسيطر على الساحة الفكر الديني في أحزاب الطائفية والحركة الاسلامية السودانية وكذلك روح الفكر الديني وغائيته في فكر الحزب الشيوعي السوداني.
لذلك وفي ظل الكساد الفكري في الساحة السودانية نجد من يحتفي بكتاب ادوراد سعيدالاستشراق وفي الوقت نفسه نجد أن ادورد سعيد يعترف ان كتابه الاستشراق قد خدم المتطرفين الاسلاميين أكثر من خدمته للتنوير وكذلك نجد من لم يزل يحتفي بافكار فرانز فانون وكله من علامات الكساد الفكري في الساحة السودانية ولا يمكن التخلص منه الا بمحاولة وجود الحلقة المفقودة في سلسة الفكر السوداني وهي جهود فلاسفة الثمانينيات من القرن الفائت وهي التي قد أنارت الطريق لفوكوياما في التسعينيات أن يخرج بفكرة نهاية التاريخ و الانسان الأخير في انتصار لفكر ماكس فيبر و ريموند آرون.
بعد أزمة النيوليبرالية و بجانب ساذجة اليسار تسير الطائفية العابرة في حزبي المهدي والميرغني لتعلن حالة مجتمع تقليدي مثقل بحمل سلطة الأب و ميراث التسلط التي لا تسمح بازدهار روح الفرد والعقل والحرية وعلى مسافة منها تنتظر الحركة الاسلامية ظرف الحشود بفكرة الماضي الحاضر و هاهو الكساد الفكري و الظلام الدامس يسد الآفاق سببه الريادات الوطنية غير الواعية في يسار ساذج و طائفية عابرة وحركة الاسلام السياسي العمياء والنتيجة مقاومة للحداثة بشراسة وهذا لم يكن في السودان وحده فمثلا في تلك الحقبة عندما نادى عالم الاجتماع العراقي علي الوردي بفكر ليبرالي يخرج العالم العربي والاسلامي مما يحول دونه و بلوغ أعتاب الدولة الحديثة لأن الفكر الليبرالي يقضي على ساذجة اليسار والطائفية و القبلية والجهوية فقد نال علي الوردي ما نال من غضب الشيوعيين والاسلاميين والقوميين وطول يازمن و اقصر يازمن وحينما انقشع غبار ظرف الحشود من يسار ساذج وفكر اسلامي متهور لم يظهر الا القليلين من المفكرين أمثال علي الوردي و محمد أركون لم تحتاج أفكارهم لغربلة وهناك من أحتاجت أفكاره لغربلة وقام هو بنفسه في نقده لافكاره وقدم عمله الجليل في نقده الحضاري للمجتمع العربي أي هشام شرابي وكذلك ادورد سعيد في منجزه الأخير ذو النزعة الانسانية وهذه الغربلة نحتاجها في الساحة السودانية بدلا من الاحتفاء والتكريم لمن يكتب منذ ستين عام و كأننا نردد المثل القائل بترابه اليملى جرابه.
نحتاج لهذة الغربلة الفكرية لفكر مفكري الستينات في السودان لأنهم نتاج ظرف الحشود وهاهو ظرف الحشود ينكسر بفشل اليسار الساذج في العالم العربي و كذلك بانتهاء ظرف حشود الحركات الاسلامية و يفتح الطريق للتعدد الثقافي كما يقول عبدالله الغذامي في متابعاته لظاهرة الحشود ويقول أن الحشود الآن قد ابتلعها السوشيال ميديا وقد حررها واصبح الفرد بدلا من أن يكون تابع في زحمة الحشود أصبح متابع للافكار و محلل مما يفتح الطريق الى فكرة التعدد الثقافي والآن نلاحظه في رؤية 2030 أي بسط فكرة الاقتصاد والمجتمع في السعودية و كأنها جائزة قد نالها الغذامي لأنه قد صان نفسه من أن يكون من ضمن مثقفي ظرف الحشود.
فرؤية 2030 هي خطوة باتجاه التعدد الثقافي وأنكسار حشود الصحوة وذوبانها في وسائل الاعلام الجديدة يقابله في الغرب اختفاء الحشود التي كانت تتبع سارتر و حالة حشود القوميين والحركات الاسلامية في العالم العربي والاسلامي تشبه حالة حشود زمن سارتر قد بلغت بها السخرية من أفكار ريموند آرون كغريم لسارتر حيث كانوا يرددون من الأفضل أن أكون على خطاء مع سارتر ولا أكون على صواب مع ريموند آرون فاين الحشود التي كانت تود أن تكون على خطاء مع سارتر؟ بعد سقوط أفكار سارتر وسقوط الاتحاد السوفيتي غابت هذه الحشود ويظن علماء الاجتماع أنهم الآن يمثلون ثقل زواج المثليين و حق الشابات في مسائل الاجهاض.
انتبه مثقفو الغرب لفكر غرامشي لأنهم ورثة عقل الأنوار وحتى فلاسفة ما بعد الحداثة كانت مساحات الفهم عندهم تبتعد عن الأيدولوجيات المتحجرة في زمن كان يعتقد أن التقدمي هو من ارتبط باليسار لذلك عندما بدأت موجة النقد لكل من ميشيل فوكو و جاك دريدا و ألتوسر وجاك لكان كانت عودتهم لأفكار الحداثة سريعة و خجولة و حتى مدرسة فرانكفورت قد أخرجت الى اللحظة جيلها الثالث من الفلاسفة و نحن مازال مفكرينا في السودان مع أفكار جيلها الأول و هنا ينام سر الريادات الوطنية غير الواعية وهي كما الساير في نومه تسوقهم المجاملات والأخوانيات و بسببها تغيب قوة النقد و يظهر الناقد الردئ.
فمثلا عام 1985 كانت جهود لوك فيري مزلزلة لأفكار فلاسفة مابعد الحداثة و هجومهم على العقل أي عقل الأنوار و قيم الجمهورية فوكو و دريدا الى درجة أنه قد بكى حينما أرى أفكاره هباء أمام رياح فكر لوك فيري و كذلك في نفس الحقبة التي كان فيها لوك فيري يدافع عن عقل الأنوار كان مارسيل غوشيه يدافع عن العقد الاجتماعي وقربها من فلسفة التاريخ عند كل من ريموند آرون و ماكس فيبر وبعدها عن أفكار دوركهايم حينما ألغى فكرة المجتمع و منها جاءت فكرة النيوليبرالية وما فيها من أنساق ثقافية مضمرة و انتهت الى الأزمة الاقتصادية الراهنة و بالتالي هناك من ينتقد الراسمالية المتوحشة أي رأسمالية بلا كوابح و قد صار فيها العالم أو اقترب من أن يكون سوبر ماركت ولكن لا يمكن الدفاع عن أوهام الماركسية كما يقول ريجس دوبريه بعد تجربته وقتاله جنب لجنب مع جيفارا.
وكذلك نجد أن مارسيل غوشيه في دفاعه عن فكرة العقد الاجتماعي كما كان يفكر ريموند آرون في أن تاريخ البشرية تراجيدي مأساوي لا يعرف الى أي جهة يقصد فلا قصد ولا معنى لمسيرة التاريخ الانساني لذلك لا معنى للفكر الشيوعي و لفكر الاسلاميين في غائيته وقصديته في انتهاء الصراع الطبقي في خواء الفكر الماركسي أو فكر المدن الفاضلة في الفكر الاسلامي و هذا ما يسود في ساحة الفكر السوداني المسيطر عليه من قبل الشيوعيين والكيزان وقطعا هذه كارثة على الفكر في السودان كما وصف مارسيل غوشيه أفكار بيير بورديو بأنها كارثة على الفكر.
فانثروبولوجيا مارسيل غوشيه تبحث في الدين و السياسة والتاريخ الحديث وعبرها وصل الى فكرة خروج الدين من أن يكون ذو أثر على السياسة و الاقتصاد والاجتماع أي أن الدين في زمن الحداثة والتحديث قد وصل لمستوى أن يكون دين الخروج من الدين. وهي أي انثروبولوجيا مارسيل غوشيه نفسها انثروبولوجيا ايمانويل كانت حيث لا تكون الميتافيزيقا أرض معركة كما هو الآن في السودان حيث أصبح الوطن مسألة دينية في ظل طرح الحركة الاسلامية السودانية.
و قطعا لا مكان للمجاملات والأخوانيات في ساحة الفكر فمثلا جان بول سارتر كان صديق مقرب لريموند آرون ولكن حينما جد الجد مضى كل منهما الى حال سبيله وكذلك قوة العلاقة بين سارتر و ألبير كامي ولكن حينما أصبح سارتر حارس للنظم الشمولية بفكرة الالتزام الأدبي قد فارقه ألبير كامي بكتابه و أفكاره عن العبث الفعال ونجد هناك جان دورمسون المتوفي قبل شهور وكان لا يهاب سارتر أيام سطوته حيث كان يفتخر بأن الرجعي أفضل من التقدمي الهزيل و هو يقصد سارتر كتقدمي هزيل.
غرامشي حينما تحدث عن المثقف العضوي حينها كان زمن قيام مؤتمر الخريجين في السودان و بعد انكساره قامت الأحزاب و نجد أن الحزب الشيوعي السوداني بعد عقد من الزمان من فكرة المثقف العضوي لغرامشي وبعد كل ذلك نجد أي الحزب الشيوعي السوداني برياداته غير الواعية بفلسفة التاريخ قد سارت بعكس اتجاه فلسفة التاريخ كما يراد لها. وبعد قيام الحزب الشيوعي بثلاثة عقود نجد أيضا قيام حزب البعث وقبله أيام حشود عبدالناصر كانت حقبة هياج الناصرية في الزج والتعبية التي تفارق مسارات فلسفة التاريخ في تأسيس معادلة الحرية و العدالة وبعد أنكسار حشود عبدالناصر و الاشتراكية العربية جاءت حشود الاسلاميين كوريث شرعي لحشود الفكر القومي لعبدالناصر وأصلا لا يوجد فرق كبير بين حشود القوميين وحشود الاسلاميين فكلها تمثل روح هياج الهووي الصاخب.
المسألة المهمة هنا هي فكرة انتاج المعنى كما يقول الطاهر لبيب فأي مفكر لم تصب كتاباته في فكرة انتاج المعنى من الافضل أن يتوقف عن الكتابة فلا جدوى من الاحتفال الستيني بكاتب لم تسهم كتاباته في انتاج المعني و خاصة في حالة مجتمع تقليدي مثل حالة المجتمع السوداني مازالت فكرة اللجؤ للغيب في فكر الحركة الاسلامية هو سيد الموقف و كذلك نجد سيطرة الشيوعين و هم في غياهب الأيدولوجيات المتحجرة وعلى المشهد أيضا وفي الجانب الآخر نجد الطائفية و أحزابها وهي مساهمة في هشاشة هيكل التركيبات الاجتماعية مع القبلية والجهوية لكي تقف سد منيع أمام أعتاب الدولة الحديثة و بعد هذا كله نجد من يقول أن هناك امكانية اصلاح الأحزاب الطائفية و هنا تبدو المكابرة واخفاء روح الخنوع لسلطة الاب و ميراث التسلط و منها لا تخرج قوة النقد بل عقل الوعظ و الارشاد وسبب سيطرة عقل الوعظ والارشاد هو غياب قوة النقد كنتاج لعقل الأنوار.
و هناك مثلا في فرنسا لم يجامل سارتر رغم عبقريته فقد تصد له كلود ليفي اشتراوس و البير كامي و ريموند آرون و جان دورمسون ولم يترك ميشيل فوكو و ألتوسر وجاك دريدا وجاك لاكان فقد هاجمهم لوك فيري و مارسيل غوشيه و النتيجة انتصار لعقل الانوار وقيم الجمهورية وفكرة العقد الاجتماعي و الانتظار للانسانية الثانية و لحظة الميلاد الثانية للفرد المسلح بالعقل والحرية و هنا عندنا في مجتمعنا التقليدي الاحتفاء بستين عام من الكتابة لكاتب يفخر بانه لم يفارق الحزب الشيوعي نتيجة لعطب في الفكرة ولم ينتقده أحد فكانه أعلى مقام من سارتر وطبعا لم يكن أعلى من سارتر و لكن قد غطى عليه غياب قوة النقد و غياب العقلانية و مجد العقل البشري في ظل الشلليات التي تجيد المجاملات والاخوانيات في ساحة الفكر التي تسيطر عليها روح الايدولوجيات سواء كانت فكر الاسلاميين السودانيين في لجؤهم للغيب أو فكر الشيوعيين السودانيين في لجؤهم للايدولوجيات المتحجرة و النتيجة سيطرة التقدمي الهزيل على ساحة الفكر و يكون المثقف العضوي هو المنتسب للحركة الاسلامية السودانية وهنا يستطيع الطاهر لبيب أن يقول من نكد الدنيا على غرامشي أن يكون المثقف العضوي هو الكوز والشيوعي في زمن غياب انتاج المعنى.
بالمناسبة الطاهر لبيب كعالم اجتماع جدير بالاحترام يراقب الحراك في تونس ويتحسر على أن الثورة في تونس قد سرقت من قبل عبدة الماضي وعبدة النصوص وهاهي سبع أعوام تمر على ذكرى الربيع العربي و تونس في وحل الازمة الاقتصادية. و الطاهر لبيب يعد من ضمن مفكريين عرب قليلين قد عبرت أفكارهم و سيكون لأفكارهم دور في انتاج المعنى مثله هشام شرابي في نقده الحضاري للمجتمع العربي وقبلهم علي الوردي بعقود قد نادى بريادة الفكرة و مفارقة خلق العبارة و انتقد العقل العربي و الاسلامي في ارتكازه على المنهج ارسطوافلاطوني وما اوضحه في ساحتنا السودانية واذا اردنا مثال عليه نجده في كتابات الامام الصادق المهدي أي طريقة الصادق المهدي تنطوي على فكر ارسطوافلاطوني فكر رجال الدين انتقده علي الوردي قبل عقود وعلي الوردي نجد في نقده للفكر ارسطوافلاطوني يقف محازيا لمارتن هيدجر في محاولاته تبيان الخطاء في الفلسفة منذ أيام افلاطون أما تلميذته أو قل عشيقته حنا أرنت فقد أهتمت باعادة اكتشاف الخطاء في الفكر السياسي منذ ايام افلاطون.
على أي حال الآن عالمنا عالم مجتمع المعرفة التي تؤثر على الاجتماع و السياسة كما يقول مارسيل غوشيه و المعرفة هي ما يساعد المجتمعات على اعادة بناءها من جديد وديمقراطية المستقبل تنتظر فيما وراء اليأس وغياب التفاؤل وهذه حالة السودان اليوم وهو يتأهب الى اسقاط منظومة القيمة البالية للحركة الاسلامية السودانية.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.