بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله غير مقنوط من رحمته ولا ميؤوس من مغفرته أحمده سبحانه وأشكره على سوابغ نعمته وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ومصطفاه وخيرته من خلقه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه وأقتفى أثره إلى يوم الدين أما بعد أيها الناس أوصي نفسي وإياكم بتقوى الله فمن لا يتقي الله تتشابه عليه السبل (( إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا)) عباد الله : إن إستحضار قرب الرحيل وسرعة انقضاء الأمد من أنفع الأدوية للقلب ؛ فإنه يبعث على انتهاز فرص الخير والمبادرة بالأعمال الصالحات قبل طي الصحائف والسجلات ويحث الإنسان على تجهيز متاع سفره , ويزهده في الدنيا , ويرغبه في الآخرة . أيها الناس : من خاف الوعيد قصر عليه البعيد وظن أنه يموت غداً , ومن طال أمله ضعف عمله وظن أنه يعيش أبدا فتذكروا عباد الله إن الله لم يخلقكم عبثا , ولم يترككم سدا, فتزودوا من دنياكم ما تحرزون به أنفسكم غدا فلا نجاة من الموت ولا مناص من الحساب . عن عبدالله بن عمر – رضي الله تعالى عنهما – قال: أخذ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بمنكبي فقال: ((كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)) , وكان عبدالله بن عمر – رضي الله تعالى عنهما – يقول: (إذا أصبحت فلا تنتظر المساء , وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح , وخذ من صحتك لمرضك , ومن حياتك لموتك). عباد الله : نشيع الجنائز ونمشي معها ونحن في غفلة عنها ننشغل بأحاديث الدنيا ، وتمر بنا مواكب الأموات فلا نفكر ولا نعتبر ولا يخطر بذهننا أننا سنموت يوماً كما ماتوا ونتناسى إن الموت كأس سيشرب منها كل حي .. نتناسى هذه الحقيقة وتحجبها عنا شواغل الحياة وتوافه الدنيا ، يقول كل واحد منا بلسانه إن الموت حق وإنه مقدر على كل حي وهو مؤمن بذلك ومقتنع إقتناعاً عظيما لكنه (يخت الموت لأي زول إلا روحو) ! سبحان الله ! أتدرون يا من ثقل عليكم ذكر الموت ويا من مللتم من التذكير به أن رسولكم صلى الله عليه وسلم يقول لكم (( أكثروا من ذكر هادم اللذات )) أخرجه وصححه الألباني كلام مختصر وجيز فمن ذكر الموت حاسب نفسه ، لقد وقف نبيكم صلى الله عليه وسلم على شفير قبر فبكى حتى بل الثرى ثم قال (( يا إخواني لمثل هذا فأعدوا )) ، ولما سئل عليه الصلاة والسلام من أكيس الناس قال (( أكثرهم ذكرا للموت وأشدهم استعدادا له , أولئك الأكياس ذهبوا بشرف الدنيا وكرامة الآخرة)) ، وقال عليه الصلاة والسلام (( الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت)) أيها المؤمنون: قال الله – جل وعلا – : ((كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ المَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الغُرُورِ)). فمهما طال العمر فلا بد أن يأتي اليوم الذي يكون فيه العبد طريحاً بين أهله , لا حراك له وقد وقعت منه الحسرة , وجفت منه العَبرة , وثقل منه اللسان , واشتدت به الأحزان , وعلا صُراخ الأهل والولدان , ونادوا بالأطباء للدواء , ووقع القضاء , قال الحق – تبارك وتعالى – : ((فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الحُلْقُومَ * وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ)) , وفي هذه اللحظات ينظر العبد آخر النظرات إلى من كان حوله من الأبناء والبنات , والإخوان والأخوات , وتعقبها لسكرات والحسرات , فتخرج الروح وتبقى السيئات والحسنات. عباد الله : قوموا بزيارة القبور قفوا فيها وقفة تأمل ومحاسبة ؛ فإن مَن في القبور كانوا مثلكم يمشون على الأرض , واليوم هم في بطنها , قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : ((إني نهيتكم عن زيارة القبور ؛ ألا فزوروها ؛ فإنها ترق القلب , وتدمع العين , ولا تقولوا هجراً)) , فأنتم اليوم تزورون القبور , وغداً ستسكنوها , تاركين الدنيا بما فيها إلى ظلمة القبر وضيق اللحد بعد ما كُنتَم في سعة الدور والقصور ؛ وأعلموا أن سعادة الدنيا والآخرة في طاعة الله – عز وجل – وطاعة رسوله – صلى الله عليه وسلم -. عباد الله : خاتمة حديثي قول سيدنا علي بن أبي طالب – رضي الله تعالى عنه – : (إنَّ أخوف ما أخاف عليكم إتباع الهوى وطول الأمل ؛ فأما إتباع الهوى فيصد عن الحق , وأما طول الأمل فينسي الآخرة ؛ ألا إن الدنيا ارتحلت مدبرة , والآخرة ارتحلت مقبلة , ولكل واحدة منهما بنون ؛ فكونوا من أبناء الآخرة , ولا تكونوا من أبناء الدنيا ؛ فإن اليوم عمل ولا حساب , وغداً حساب ولا عمل). بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ما تسمعون واستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين إنه هو الغفور الرحيم. قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله . كسرة : كفى بالموت واعظاً !