كان يمكن أن أكتفي بالمقال الرصين الذي خطه الاستاذ الدكتور مرتضى الغالي والذي فند كل الادعاءات المغرضة التي حواها مقال د. غازي صلاح الدين والغرض هنا سوف نوضحه في هذا المقال، فالمقال الذي كتبه غازي أصلاً كتب لغير السودانيين الملمين بتفاصيل ومناهج المؤتمر الوطني في التعاطي مع القضايا الوطنية، وهو مقال الغرض منه التبشيع بقيادة الحركة الشعبية والنخبة الجنوبية بشكل عام أمام العرب الذين لا يدركون ولايتابعون بشكل يومي ألاعيب حزب غازي.. ومسؤولية حزبه في استقلال الجنوب. وكذا تحميل الأفارقة لوم مستتر لقبولهم باستقلال جنوب السودان لأن القبول بذلك سوف (يثير “تابو” الحدود “الذي” سيفجر منابع الشر التي لم تعهدها افريقيا من قبل) وبما أن الآباء المؤسسين لأفريقيا الجديدة كما سماها غازي صلاح الدين قد جعلوا التمسك بوحدة الأقطار المحافظة على حدودها (مثالاً سماوياً غير قابل لاستدراكات أهل الأرض، ومن بينها المطالبات الانفصالية التي غالباً ما تأسست على منافع مادية ضئيلة العائد حازت عليها النخب دون جمهور السكان). وسوف نتجاوز النقاط أعلاه ليست لعدم أهميتها بل لأنها غلو كلام لا معنى له البتة فتجربة استقلال أريتريا من اثيوبيا كان يمكن أن ينظر اليه من هذا الباب، والسودان بل حكومة المؤتمر الوطني هي التي ساهمت في اسقاط منقستو فالدبابات التي دخلت أديس أبابا تحركت من السودان بل النظام الحالي في أسمرا تحرك من كسلا الى أسمرا بدعم من النظام…!! وغازي صلاح الدين كان من المتنفذين في السلطة كما هو الآن هل كانوا لايعون بأن ما كانوا يفعلونه سوف يخرق من التزم به الآباء المؤسسين لأفريقيا الجديدة؟؟ ولماذا الآن يصبح “التابو” تعديل الحدود والانفصال أمراً ذي أهمية وتذكير الأفارقة به.. ماذا كنتم تفعلون عندما ثبتم أركان الدولة في أريتريا!! هل كان لايعنيكم الأمر هل لانكم لستم بأفارقة؟؟ أم ان الأمر كان في مصلحتكم آنذاك؟؟ والآن الأمر خصماً عليكم وليس في صالحكم الآن كنظام؟؟ أم لأن المساعدات الضخمة التي قدمتها الانقاذ لملس وأفورقي لاستلام السلطة في أديس وأسمرا فقط كان بغرض تغيير النظام هناك وطرد أو منع الحركة والجيش الشعبي من التحرك قرب الحدود الاثيوبية؟؟ أو حتى فتح أراضيها لمهاجمة الجيش الشعبي من الخلف.. كما حدث آنذاك في صيف العبور ودخول الجيش الحكومي كبويتا وجبل بوما؟؟ أي بمعنى أدق ألم يكن الأمر تقديم خدمة مقابل خدمة مقابلة أو بمعنى آخر ألم يكن هناك بيع وشراء في أمر المساعدات تلك؟؟ وأي طرف قبض ثمنه؟؟ نعم أنها كذلك يا صلاح الدين؟ لقد كان الأمر بيع وشراء وأي طرف استلم “سلعته” ومن السلع التي قبضتها أريتريا هي تعديل حدود دول أثيوبيا “بغض النظر عن صحة القضية الاريترية من عدمه”.. وهل كنتم تدركون بهذه المعاملة السياسية ذات الفوائد والمنافع المادية بأنكم تجاوزتم واحدة من تابلوهات آباء الاستقلال؟؟ وانكم حولتم كل القضايا السياسية الى سلعة قابلة للتفاوض حول ثمنها زيادة ونقصان؟؟ أنه كذلك يا صلاح الدين. ولكن النقطة المهمة في نظري التي لابد أن نقف عندها كثيراً هو اعتقادك بأن أسباب دعم النخبة الجنوبية “المسيطرة بجنوب السودان” على الانفصال “ناتج من تباين عميق في الرؤى والمفاهيم” فالاتفاق على “تخطيط وتنفيذ اتفاقية السلام بغية جعل وحدة السودان خياراً جاذباً” كان الموقف من الوحدة موجهاً “بذهنيتين متناقضتين: الأولى تنظر الى الوحدة بسريالية الستينات من القرن الماضي والثانية تنظر اليها بعقلية البيع بالتقسيط” ولا مانع من مناقشة هذه الفرضية ونقول ما فهمناه هنا أن العقلية التي نظرت للوحدة بسريالية الستينات هم جماعته.. ونتفق معه هنا لأننا فصلنا ذلك في أربع مقالات سابقة الاسبوع الماضي في هذه المساحة.. أما المقصود بالذهنية الثانية التي تنظر الى الوحدة بعقلية البيع بالتقسيط هم الجنوبيين أو النخبة المسيطر بالجنوب الآن بهذه النظرة البيع بالتقسيط قد حولوا قضية وحدة السودان من قضية مجردة عاطفية الي سلعة دخلوا بها السوق (فأصبحت تقاس بانشاءات فنية وتحويلات دولارية وقوائم تسويق لا تنتهي) هكذا بكل بساطة ترمي الحركة الاسلامية الآخرين بكل ممارساتها البغيضة وتبعد نفسها من هذا الوحل؟؟ فعندما تطالب “النخبة المسيطرة بالجنوب” كما قال غازي بالتنمية القومية المنصوص عليها في الاتفاقية تكون هذه مطالبة بثمن الوحدة!! بما أن التنمية القومية مسؤولية الحكومة المركزية.. علماً بأن مطالب الجنوبيين في الأصل منذ الاستقلال كانت في عدم وجود تنمية لمناطقهم والتي نظروا اليها أنها ناتج من ذهنية اقصائية ومن نواحي عنصرية وثقافية.. الخ.. فأين المشكلة هنا؟ أم تكن المشكلة في الأصل مشكلة عدم توازن في التنمية والتزمت بها الحكومة في الاتفاقية على أن تقوم الحكومة بالجنوب ببعضها والحكومة المركزية بالمشاريع القومية؟ فعندما تقدم حكومتك ل 5 سنوات ميزانيات للبرلمان تخلو من أي مشروع تنمية في الجنوب ماذا تسمي ذلك؟؟ وهل هي تسليع وبيع للوحدة عندما يتم تذكيركم بها أتفق عليه أي التنمية القومية مسؤولية الحكومة المركزية؟؟ وهل عندما تطالب حكومة الجنوب بحقوقها المنقوصة من أموال البترول وتستعجلكم وتذكركم بالاتفاقية المنصوصة وبأن تأخير الاستحقات الخاصة بالجنوب يخلق مشاعر سلبية تجاه الحكومة بالمركز هل تذكيركم هو تسليع للوحدة وجعلها تحويلات دولارية وأنها بيع بالتقسيط؟؟ خافوا الله في أنفسكم.. عندما يقول الجنوبيون بأن الحكومة المركزية لم تقدم أي خدمات أو تنمية قد تجعل الوحدة جاذبة هل يعني ذلك بأنهم يعرضون الوحدة الجاذبة للحكومة المركزية مقابل تحويلات دولارية؟؟ هل الأمر هكذا؟؟ أنه ليس كذلك الأخ غازي صلاح الدين.. اسمح لي بأن أبسط عليك ولغيرك مقصد الجنوبيين عندما يتحدثون عن الوحدة الجاذبة.. فالمقصد الحقيقي. نواصل