منذ أن اندلعت أحداث أبيي المؤسفة أدنا الاعتداء الغادر على القوات المسلحة ولكننا في نفس الوقت دعونا أولي الأمر لضبط النفس في الرد بلا تهاون أو تجاوز، لكن للأسف سارت الأمور إلى وضع أسوأ وتعقد الموقف إنسانياً وسياسياً وأمنياً. ما أن بدأت المحاولات الجادة لمحاصرة تداعيات أحداث أبيي وإعادة الأمور إلى مجاريها حتى إندلعت أحداث كادوقلي وسط تصريحات متضاربة من الحكومة الاتحادية وحكومة الجنوب وكل ذلك نتيجة طبيعية كانت متوقعة نسبة لعدم إتفاق حزب المؤتمر الوطني وحزب الحركة الشعبية على ترتيبات ما بعد الاستفتاء. تزامنت هذه الأحداث المؤسفة مع اجتماعات لجنة أجهزة الأمن والمخابرات في إفريقيا التي إتفق قادتهم بعد دراستهم لظاهرة الثورات الشعبية التي إندلعت في بعض دول شمال إفريقيا إلى ضرورة اعتماد سلاح الحوار بدلاً من السلاح القاتل الذي لم يحسم الموقف لصالح الحكومات التي وجدت نفسها بعد أن تم سفك الكثير من الدماء تستجيب لدواعي الحوار. لذلك لم يكن غريباً أن يدعو قادة السيسا الحكومة السودانية لحل مشكلة أبيي سلمياً, وأتفقوا في ذلك مع القوي السياسية السودانية التي إجتمعت بدار حزب المؤتمر الشعبي نهار أمس الأول واستمعوا لتنوير من وفد الحركة الشعبية العائد من كادوقلي حول تطورات الأوضاع في جنوب كردفان. إن القوى السياسية المعارضة اتفقت على ضرورة وقف إطلاق النار فوراً لإتاحة الفرصة للحل السياسي ومعالجة الأوضاع الإنسانية المتردية نتيجة لنزوح المواطنين, والإتفاق على ترتيبات عاجلة لإعادة الأوضاع إلى طبيعتها وعدم محاولة فرض واقع جديد في المنطقة بالقوة. *عندما قلنا أن القطيعة بين السودانيين في الشمال والجنوب غير ممكنة عملياً كنا نتحسب لمثل هذه التوترات الناجمة من تعنت المؤتمر الوطني والحركة الشعبية وتنامي تيار الإنفصاليين العنصريين في الشمال والجنوب وتفلت المتفلتين من الجانبين. نحمد للأحزاب المعارضة عدم محاولة استغلال الموقف سياسياً فقد قدمت مصلحة الوطن والمواطنين على أجندتها الحزبية وارتفع صوت الحكمة الداعي لوقف إطلاق النار ومناشدة حزب المؤتمر الوطني الحاكم إلى الاستجابة الفورية لوقف إطلاق النار بعد أن أعلن وفد الحركة إلتزامهم بوقف إطلاق النار. لقد قدمت الأحزاب المعارضة يدها بيضاء لحزب المؤتمر الوطني طالبة الجلوس معه لاحتواء الموقف المتأزم في جنوب كردفان ويقيننا إن المؤتمر الوطني في أمس الحاجة لهذا اللقاء الذي لا يحتمل المماطلة والتأجيل ومحاولة الضغط لفرض أجندة حزبية أثبتت التجارب فشلها في تحقيق الإتفاق أولاً بين الحزبين في الشمال والجنوب ونتطلع لاتفاق شامل من أجل استدامة السلام في السودان الباقي ومن أجل حسن جوار مستدام مع الشقيقة الجديدة دولة جنوب السودان. وللطرفين نقول ارضا سلاح.