لم يكن غريباً أن يطغى الحديث عن السياسة رغم ان اللقاء كان تنويرياً حول الوضع الاقتصادي الراهن والرؤية المستقبلية الذي إبتدره وزير المالية والاقتصاد الوطني علي محمود واستكمله محافظ بنك السودان محمد خير الزبير مساء أمس الأول بوزارة المالية والاقتصاد الوطني. نحن ندرك أن أهل الحكم يتدبرون أمرهم ويتحسبون لكل الاحتمالات، وكان ذلك واضحاً من خلال الدراسة المتأنية التي عكف عليها نفر من الخبراء الاقتصاديين برئاسة وزير المالية السابق الدكتور عبد الوهاب عثمان لوضع حزمة من التدابير الاقتصادية والمالية لمجابهة تداعيات الانفصال على السودان الباقي ومعالجة الاختلالات التي يمكن تحصل نتيجة للانفصال. لكن للأسف فان أهل الحكم أنفسهم لا يكادون يلتزمون بما أتخذوه من القرارات والمعالجات فهم يتحدثون عن إعادة هيكلة الدولة وخفض الانفاق الحكومي ولكنهم يتخذون القرارات التي تزيد من ترهل الهيكل الحكومي مثل قرار قيام مديريتين جديدتين في دارفور على سبيل المثال لا الحصر. أهل الحكم يتحدثون عن العمل على استدامة السلام والتراضي الوطني ولكنهم لا يكادون يحسبون خطواتهم عند أول محك عملي, لذلك انصبت غالب المداخلات في اللقاء التنويري على ضرورة الالتزام بما يتخذ من قرارات سياسية واقتصادية وتنزيلها على أرض الواقع بدلاً من اجترارها في لقاءات مكررة بينما تمضي الأمور على ما هي عليه بل تستمر نفس الأخطاء السياسية والاقتصادية القديمة وتستمر بالتالي الاعباء والضغوط المعيشية التي يدفع ثمنها المواطنون وحدهم. إن استدامة الاستقرار الاقتصادي لصيقة الصلة بالاستقرار السياسي الذي تتهدده النزاعات القائمة وتلك التي يُدفع لها أهل الحكم دفعا بردود الفعل التي لا تخلو من انفعال وعدم تدبر كما حدث مؤخراً في أبيي وكادوقلي على سبيل المثال لا الحصر. حتى الخطاب السياسي والاقتصادي أصيب بعدوى اللغة العدائية التي تعمق الخلافات بدلاً من حلحلتها سياسياً، وحتى هذا اللقاء التنويري لم يخل من هذه اللغة الحادة التي وإن جاءت للرد على لغة حادة من جانب الحركة الشعبية فإنها تعرقل مساعي الحل السياسي السلمي الأكثر أهمية لانجاح البرنامج الاقتصادي الاسعافي وتوظيف عائده من أجل المحافظة على استقرار الأوضاع المعيشية للمواطنين. إن المرحلة المقبلة التي دخلت فيها البلاد بالفعل مرحلة مفصلية ولابد من اتباع القول بالعمل سواء في مجال إعادة هيكلة الدولة أم في مجال محاربة الفقر عن طريق الدعم الاجتماعي وتوفير الخدمات الاساسية من تعليم وصحة ومياه شرب وكهرباء،وكل ذلك يستوجب الحرص أكثر على استدامة السلام وتحقيق السلام في دارفور وتنزيل قرارات الاعتراف بدولة جنوب السودان وحسن الجوار معها على أرض الواقع بدلاً من دفع البلاد في إتون معارك تزيد الطين بلة.