هل يعلم السادة نواب البرلمان القومي، وأعضاء المجلس التشريعي لولاية الخرطوم أن بعض محليات الولاية شهدت بداية تركيب عدادات الدفع المقدم للمياه، أو ما يسمى شعبيا ب “الجمرة الخبيثة”، هل ناقش المجلس التشريعي للولاية ذلك، أو ناقشه البرلمان القومي؟ هل أجاز النواب هذه الخطوة الخطيرة، أم أن الأمر لا يستحق إخطار النواب، وليس من صميم اختصاصاتهم. لو شاورتهم الولاية ووافقوا فهي كارثة، ولو “طنشت” ولم تشاورهم فالمصيبة أعظم. إن لم ينافح أعضاء المجالس التشريعية المنتخبين ديمقراطيا، كما تقول الحكومة، عن حق المواطن في الحصول على مياه الشرب، أساس الحياة، فما هي وظيفتهم وواجباتهم الأخرى، وما هو الدور الذي يمكن أن يلعبوه؟ لقد سبق أن حاولت الولاية هذه اللعبة قبل مدة، وعندما شعرت بحجم الاحتجاجات سارعت للقول بأن الدفع المقدم سيكون محصورا في القطاع التجاري، لكن هاهي تقحمه في القطاع السكني. حق الحصول على النصيب المعقول من المياه هو حق أساسي مرتبط بالحياة، وهو حق يملكه الإنسان لأنه إنسان، لا لسبب آخر يتعلق بقدراته المالية والوظيفية، وهو واجب يجب أن تنهض به الدولة لتضمن أن كل مواطن فيها يحصل على نصيبه المعقول من المياه الصحية النظيفة. نحن في السودان لا نحصل على نصيبنا الذي حددته المعايير الدولية، وهو 1000 متر مكعب من المياه سنويا، حيث تقول الاحصاءات أن نصيب الفرد السوداني كان 750 متر مكعب وبدأ في التناقص، ولا نحصل على الصفة اللاصقة بالمياه، وهي أن تكون صحية ونظيفة، فنحن نشرب كل عام كدرا وطينا، وأحيانا طحالب وأشياء أخرى، نتحايل عليها بوسائل كثيرة، ينفع بعضها، بينما بعضها الآخر بلا جدوى، وراضين بالهم، فإذا بنا نكتشف أن الهم لا يرضى بنا. لقد تعودنا على المياه العكرة والخضراء، وعلى تصريحات السادة المسؤولين الساذجة التي يكررونها علينا كل عام، والقائلة بأن المياه نظيفة وصحية ولا يؤثر عليها وجود الطمي والطحالب وأشياء أخرى. كنا “نطنش بمزاجنا” ليس غفلة أو عدم انتباه منا، تحسبا لأن لا تتراجع الولاية عن ما تقدمه رغم ضعفه، لكن يبدو أن الجماعة فهموها غلط، وتعاملوا مع الناس بافتراض الغباء والسذاجة والرضوخ، وبأن من قبل بالمياه غير الصحية وغير النظيفة يمكن أن يقبل بعدادات الدفع المقدم “إذا وعدناه بأن ذلك سيحسن المياه!”. إن حكومتنا التي اتخذت هذا القرار تخالف المواثيق الدولية وقرار الأممالمتحدة الصادر في يوليو من العام الماضي، والذي قرر إدراج حق الحصول على المياه النظيفة ضمن حقوق الإنسان الأساسية، واعتبر ذلك نصرا للبشرية، وألزم للحكومات الوطنية بالعمل على توفير هذا الحق بأيسر السبل. المياه ليست سلعة، و يجب أن لا تتحول الدولة بأي شكل إلى تاجر مياه مع مواطنيها، والتعامل بالدفع المقدم يعني أنك إذا لم تملك المال فستحرم أنت وأطفالك من المياه، ويمكن أن تموت بالعطش أو بالأمراض المصاحبة لانعدام المياه. هذه معركة يجب أن يخوضها كل مواطن سوداني، وليكن شعارها “كلوا…إلا الموية”، وليأخذ نواب البرلمان والمجلس التشريعي سبق المبادرة، فهذا الأمر سيكتب إما لهم وإما عليهم، ولهم ان يختاروا.