شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء أثيوبية تخطف قلوب جمهور مواقع التواصل بالسودان بعد ظهورها وهي تستعرض جمالها مع إبنها على أنغام أغنية وردي (عمر الزهور عمر الغرام)    شاهد بالصورة والفيديو.. ناشط مصري معروف يقتحم حفل "زنق" للفنانة ريان الساتة بالقاهرة ويقدم فواصل من الرقص معها والمطربة تغي له وتردد أسمه خلال الحفل    في اليوم العالمي لكلمات المرور.. 5 نصائح لحماية بيانات شركتك    خريجي الطبلية من الأوائل    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    لم يعد سراً أن مليشيا التمرد السريع قد استشعرت الهزيمة النكراء علي المدي الطويل    جبريل: ملاعبنا تحولت إلى مقابر ومعتقلات    موعد مباراة الهلال والنصر في نهائي كأس الملك !    مسؤول أميركي يدعو بكين وموسكو لسيطرة البشر على السلاح النووي    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الخميس    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الخميس    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الخميس    عائشة الماجدي: (الحساب ولد)    تحرير الجزيرة (فك شفرة المليشيا!!)    السوداني هاني مختار يصل لمائة مساهمة تهديفية    ستغادر للمغرب من جدة والقاهرة وبورتسودان الخميس والجمع    تحديد زمان ومكان مباراتي صقور الجديان في تصفيات كاس العالم    شهود عيان يؤكدون عبور مئات السيارات للعاصمة أنجمينا قادمة من الكاميرون ومتجهة نحو غرب دارفور – فيديو    الغرب "يضغط" على الإمارات واحتمال فرض عقوبات عليها    وزارة الخارجية تنعي السفير عثمان درار    العقاد والمسيح والحب    شاهد بالفيديو.. حسناء السوشيال ميديا السودانية "لوشي" تغني أغنية الفنان محمد حماقي و "اللوايشة" يتغزلون فيها ويشبهونها بالممثلة المصرية ياسمين عبد العزيز    محمد وداعة يكتب: الروس .. فى السودان    «الذكاء الاصطناعي» بصياغة أمريكية إماراتية!    مؤسس باينانس.. الملياردير «سي زي» يدخل التاريخ من بوابة السجن الأمريكي    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    السودان..اعتقال"آدم إسحق"    فينيسيوس يقود ريال مدريد لتعادل ثمين أمام البايرن    أول حكم على ترامب في قضية "الممثلة الإباحية"    بعد اتهام أطباء بوفاته.. تقرير طبي يفجر مفاجأة عن مارادونا    الحراك الطلابي الأمريكي    تعويضاً لرجل سبّته امرأة.. 2000 درهم    أنشيلوتي: لا للانتقام.. وهذا رأيي في توخيل    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



(حريات) تنشر خطبة المهدي الجمعة 24 يونيو
نشر في حريات يوم 26 - 06 - 2011


بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة الجمعة التي ألقاها الإمام الصادق المهدي
بمسجد عبد القادر ود أم مريوم – الكلاكلة
22 رجب 1432ه موافق 24 يونيو2011م
الخطبة الأولى
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد الله الصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن مولاه.
أحبابي في الله وأخواني في الوطن العزيز
قال تعالى: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ)[1] وقال نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم”مَثَلُ أُمَّتِي مَثَلُ المَطَرِ لا يُدرَى أوّلُهُ خَيْرٌ أَمْ آخِرُهُ ” أي في أوله وفي آخره”[2] إذن هناك واعظ وإلهي وآخر نبوي لغلبة الخير على الشر بإذنه تعالى.
ولكن لماذا انتكس المسلمون؟ انتكسوا لأنهم غيروا الشورى وساد في الحكم بهتان واستبداد، ولأنهم أخلدوا للتقليد فقلدوا وقفلوا باب الاجتهاد إذ قال قائلهم في جوهرة التوحيد:
وَمَالِكٌ وَسَائِرُ اْلأَئِمَّه كَذَا أَبُو الْقَاسِمْ هُدَاةُ اْلأُمَّهْ
فَوَاجِبٌ تَقْلِيدُ حَبْرٍ مِنْهُمُ كَذَا حكا الْقَوْمُ بِلَفْظٍ يُفْهَمُ
أي أن الواجب التقليد، وكذلك الشيعة صار أمرهم هو انتظار إمام غائب.
هذا كله أدى إلى ظهور التقليد والركون للاستبداد، الحقيقة التي خلقت في بلداننا هذا الركود، وزاد الطين بللا أن بلداننا صارت عرضة للاستلاب الجديد الذي صار يحتلها ففرض عليها إرادته، وبهر بأساليبه كثيرا من رجالنا ونسائنا فصاروا بقبضته المستلبة يريدون تغيير الحال تشبها بالغرب حذوك النعل بالنعل.
مع حالة الركود والفرقة والاستبداد نشأت حركات كثيرة مثل: الوهابية- السنوسية- المهدية- وكلها تتفق على عدة تطلعات هي:
- رفض التقليد والاتجاه نحو مصدر الدين الكتاب والسنة.
- واتجهت لرفض الحكام المستبدين والضغط عليهم.
- واتجهت لرفض الاحتلال الأجنبي.
- واتجهت لرفض فرقة المسلمين والدعوة لوحدتهم.
في دعوة المهدية تجسدت تلك التطلعات مثلما قال السيد أحمد العوام- أحد العرابيين المنفيين في الخرطوم- وكما قال الشيخان جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده، ما أدى إلى أن الدكتور عبد الودود شلبي لخص هذه المعاني وقال: “كانت حركة تمثلت فيها كل حركات الإصلاح في عصره”.
هذه الدعوة خلدت أربعة معانٍ هامة:
المعنى الأول: الاستقلال عن جهود الماضي نفيا للتقليد على نحو ما شهد: (ولا تعرضوا لي بنصوصكم وبعلومكم على المتقدمين).
المعنى الثاني: والاستقلال من الوافد حتى قيل في السودان- الحمرة الاباها المهدي- المهدي ما أبى زول أبى العمل، فلذلك كانت الفكرة أن الرفض للوافد الدخيل.
المعنى الثالث: وكذلك جعل الهداية وظيفة لا تكون حكرا لشخص ولا حكرا لوقت من الأوقات بل وظيفة دائمة مطلوبة من كل المسلمين (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)[3] هذه الوظيفة الدائمة مستمرة تطالب المسلمين في كل زمان وفي كل مكان للتطلع لهذا المعنى، إذ تواجه مشروعية القيام بواجبية رجال الدين في كل زمان وفي مكان وعلى كلٍ (فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِريْنَ)[4]، هذا تكليف مستمر في كل زمان وفي كل مكان يخاطب أهل القبلة بالتطلع للإصلاح.
والمعنى الرابع: هناك مشروعية للحركة الاجتماعية. العبادات والشعائر والأخلاق ثابتة لا تتغير، ولكن المسائل المتعلقة بعلاقات السلطة والاقتصاد والمعايش متحركة على أساس لكل وقت ومقام حال ولكل زمان وأوان رجال.
حركات البعث الإسلامي هذه هزمت. هزمها عسكريا الاحتلال الأجنبي ولكنها غرست في النفوس التطلع للتحرر من تقاليد الماضي والتحرر من سلطان الوافد والتطلع لوحدة المسلمين. مما مهد لحركات البعث الإسلامي الحديث التي تسمت أسماء مختلفة: أخوان مسلمون، وغيرهم وكل هؤلاء تطلعوا للبعث الإسلامي من هذه المعاني، والشيخان، جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ومعهم آخرون أمثال الشيخ ابن باديس قاموا كلهم بالتخلص من التقليد، والدعوة لاستصحاب النافع من علوم العصر.
هذه المعاني كلها جمعها الشيخ محمد رشيد رضا في كتابه “تفسير المنار” وفيه قدم رؤية لكيفية التوفيق بين ما نحن ملتزمون به من قطعيات في ديننا وما نصبو إليه من النافع من علوم وممارسات عصرنا.
ولكن في ظروفنا الأخيرة احتل الطغاة بلداننا بلدا بلدا وصاروا يصادرون حقوق الآخرين، فتطلع لمقاومتهم كثيرون من منطلق إسلامي، ومن منطلق مدني، ومن منطلق ديمقراطي؛ إلى أن تصدى بعض الشباب كما حدث في تونس وفي مصر بأساليب حديثة، وحركوا الجماهير مما أدى للثورات التي تمت في بلدان عربية معاصرة حتى سقطت بعض النظم، وصارت بعض النظم الآن محاصرة وتقاوم، ونظم تتوهم أنها بمعزل عن هذا التحرك، ولكن هيهات.
كل النظم التي غيبت الشورى وامتهنت كرامة الإنسان تواجه التحدي في أن تغّير من أمرها أو تتغير بإرادة الشعوب، وهذا المعنى مطلوب لأن أمر المسلمين شورى بنيهم ولا يجوز لأحد أن يفرض إرادته على الآخرين ولا حتى الأنبياء مأمورون بالشورى (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ* لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ)[5].
وفيما يتعلق بأمور الناس، فالناس لا تتكامل وتتم لهم كرامة إلا إذا اشتركوا في أمرهم وسمح لهم أن يسائلوا الحاكم عما يفعل. كل الناس يجب أن يُساءلوا عما يفعلون، من لا يُساءل عن ما يفعل هو رب العزة وحده.
الآن أمام هذه التطلعات في بلداننا. ما العمل؟
العمل هو أن نرسم طريقا لصحوتنا الإسلامية.
إنني أساهم الآن في هذا الصدد بإصدار كتاب سينشر إن شاء الله بعد أسبوعين كتاب (معالم الفجر الجديد) وفي هذا الكتاب نبين:
- ما هي الكيفية التي توحد المسلمين أي القاسم المشترك بين المسلمين؟
- وما هو القاسم المشترك بين المسلمين وغيرهم في الوطن؟
- وما هو أساس التوفيق بين المرجعية الإسلامية والمساواة في المواطنة؟
- وما هو أساس الإصلاح الاقتصادي الذي يحقق الكفاية والعدل؟
لأن حالة الفقر الموجودة في بلداننا الآن وحالة العطالة الموجودة في بلداننا الآن لا يمكن أن يستقر معها قرار، لا بد من إزالة هذه الحالة والتصدي لها بكفاءة.
وكذلك لا بد من أن تكون سياسة بلداننا الخارجية قائمة على الندية لا التبعية، وعلى المصلحة المشتركة مع الآخرين، وأن يقوم السلام بيننا وبين غيرنا على أساس عادل، وهذا كله واجب لأن الله سبحانه وتعالى يلزمنا جميعا أن نُعنى بأمرنا فمن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم ويقول تعالى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحوْنَ)[6] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: “يَرِثُ هَذَا الْعِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ يَنْفُونَ عَنْهُ تَأْوِيلَ الْجَاهِلِينَ وَانْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ وَتَحْرِيفَ الْغَالِينَ”[7].
اللهم إن نعمك علينا كبيرة، نشكرك على جليل ما تنشر وعلى قبيح ما تستر فاجعل لنا جميعا من كل أمر أمسينا أو أصبحنا فيه فرجا ومخرجا، آمين.
استغفر الله العظيم…
الخطبة الثانية
الحمد لله الوالي الكريم والصلاة والسلام على نبينا وحبيبنا محمد على آله وصحبه مع التسليم.
قال تعالى: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) [8].
الرق في الأصل نوع من الأسر نتيجة الحروب، ولكنه في بعض الثقافات صار اضطهادا عرقيا بحيث ينسب هذا لكل من كان لونه أسود هذا الفهم العرقي للرق فيه عدوان على الإخاء الإنساني، وقد خلق مرارات كثيرة بين الناس لأن كل من يضطهد بلونه يخلق هذا في نفسه المرارة، وصارت له عبارات دونية يطلقونها الناس على بعضهم بحسب اللون أشبه بالتنابز بالألقاب وهو منهيٌ عنه، هذا خلق أساسا للمرارة في بلادنا وتنافر كرسه الاحتلال الأجنبي. الإنجليز حينما احتلوا بلادنا فصلوا الجنوب بما سموه بالمناطق المقفولة مما كرس التناقض العرقي بين أهل السودان، وزادت المرارة في النفوس بعد أحداث سنة 1955 الدامية ولكن بعد حوادث 1955 هدأت الأمور وعاد الناس لطبيعة علاقاتهم مع وجود المرارة في النفوس. ولكن حكومات الطغيان انتهجت سياسات زادت من الفرقة بين المواطنين في السودان:
فالطغيان الأول انتهج إجراءات فيها محاولة فرض الإسلام بوسائل إدارية على الآخرين مما أدى لردود فعل أدت في ذلك الزمن لقيام حركة تمرد أنيانيا الأولى في عام1963م.
ثم الطغيان الثاني: أصدر تشريعات طبقها على الناس جميعا بصرف النظر عن دينهم مما خلق مشكلة كبيرة أدت لتعميق الفرقة.
ثم الطغيان الثالث: اتخذ سياسات أدت إلى إجماع أهلنا في الجنوب على المطالبة بتقرير المصير، ثم خلقت هوة كبيرة بين الناس أدت لتعميق الحرب الأهلية ولتدخل جهات أجنبية ثم أدى هذا بالفعل وردة الفعل إلى قرار الانفصال. انفصال الجنوب سيؤدي لقيام دولة جديدة في الشهر القادم.
هذه السياسات يمكن أن تؤدي إلى أن تكون دولة الجنوب دولة عدائية، ويمكن إذا تغيرت أن تصير دولة الجنوب دولة ودية.
ما الفرق بين السياسات التي يمكن أن تؤدي لدولة عدائية والتي يمكن أن تؤدي لدولة ودية؟
عندما تُقفل التجارة الشمالية الجنوبية عن الجنوب وهم يعتمدون في مائتي سلعة على هذه التجارة هذا معناه خلق للمرارة ودفع في اتجاه العداء. هذا غلط.
نفس الشيء: أي كلام على أننا نقفل أنابيب البترول خطأ هذا البترول وهذه الأنابيب مشتركة لا بد من التفكير في المصلحة المشتركة ولا يتصرف طرفٌ منا بصورة فردية، كذلك هناك مراعي في الجنوب، عدد كبير من مواطنينا من أم دافوق غربا إلى الرصيرص شرقا يسوقون مواشيهم جنوبا للمرعى. هذا يجب ألا يمسه أحد لأن هذه معيشتهم ولا بد من حمايتها.
هذه المسائل لا ينبغي أبد التلاعب بها، بل يجب أن تعامل كمقدسات لأنها تتعلق بحياة الناس ومصالحهم. كذلك هناك الآن احتمالات صدام بدأت في جنوب كردفان ويمكن أن تنتقل إلى جنوب النيل الأزرق: مناطق المشورة الشعبية.
لا بد هنا أيضا من تطبيق سياسة تأخذ رأي هؤلاء الناس في الحسبان وتعدل، وإلا صارت هناك جبهة قتال أخرى.
وللأسف منذ عام 2002م الحالة في دارفور متأزمة وكل ما يقال عن حلول أو حتى اتفاقيات باطل. الأمر ما زال في أسوأ أحواله.
للأسف هذا كله يجعلنا نخاف ونتوقع في بلادنا حروب متعددة الجبهات، وهذا كله خطر علينا جميعا وعلى بلادنا وعلى مستقبل الأجيال.
وكلما يحدث من تناقض داخل البلاد سيؤدي إلى تدويل وتدخل أجنبي، فنكون للأسف في الطريق لتمزيق بلادنا وفتح البلاد للتدويل الأجنبي.
النتيجة تمزيق البلاد لعدد من الكيانات المتحاربة على نحو ما خطط الأعداء. أعداء فكروا وخططوا في أن يتمزق السودان ليس شمال وجنوب فقط ولكن يمزق لخمسة كيانات مستقلة، كلما نفتح هذه المجالات كلما نعطي الأعداء فرصة ليطبقوا هذه الفكرة وهذا المخطط الآتي لتمزيق السودان.
فلا بد إذن من اللجوء لخيار آخر، لأن هذا خيار مدمر يمزق البلاد يفتحها للتدخل الأجنبي، الخيار الآخر يقوم من المعنى:
لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها ولكن أخلاق الرجال تضيق
قال النبي (ص): “إنّكُمْ لَنْ تَسَعُوا النَّاسَ بِِأَمْوَالِكُمْ، فَلْيَسَعْهُمْ مِنْكُمْ بَسْطُ الْوَجْهِ، وَحُسْنُ الْخُلُقِ“[9]
هذا المدخل الذي قاله الحكيم:
ملكت بحلمي فرصة ما استرقها من الدهر مفتول الذراعين أغلب
استحقاقات الخيار الآخر: هو يقوم على هذه المعاني:
- يجب أن نعالج منطقة خطي المشورة العشبية بالعدل وبسرعة ووقف كل المواجهات الحربية.
- والمسائل العاجلة: البترول- التجارة- المواطنة- المراعي هذه كلها يجب أن نحسمها بسرعة وعلى أساس عادل وودي حتى نقفل أبواب المواجهات.
- والمسائل الأخرى التي لا نستطيع حسمها الآن يجب أن نكّون لها مفوضية حكماء للنظر في حلها في الزمن المطلوب.
- ولا بد أن نقيم بيننا ودولة الجنوب علاقة خاصة علاقة توأمة لتنظيم المصالح المشتركة لأن الجنوب في كيانه الجديد إما ينظر إلى أعدائنا أو ينظر إلينا، يجب أن نعمل على أن ينظر إلينا لا إلى أعدائنا وننظم علاقتنا معهم على أساس الرحمة والمودة والتعاون: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ)[10].
قال الرسول (ص): “الكَلِمَةُ الطّيِّبَةُ صدَقَةٌٌ”[11]، ولكن قوما منا كما تسمعون تخصصوا في الكلمات النابية والإساءة للآخرين ونبذ الآخرين وطرد الآخرين وهذا كله خطأ كبير لازم نطلب الآن من كل القيادات السياسية ما يطمئن أهلنا الجنوبيين على أنهم مهما انفصلوا هم أخوتنا ويسعهم ما يسعنا ونتعامل بالمثل ولا نتصرف تصرف نابي، ونوقف الكلمات السيئة التي يستعملها بعضنا الجارحة لأن هذه الكلمات التي يستخدمها بعضنا تتحول إلى أعمال مضادة، تتحول إلى مؤامرات مضادة، تتحول إلى وسائل يستخدمها الأعداء ضدنا. كما هو معروف الكلمة الشينة يمكن أن تؤسس لضرر بالغ جدا مثلما ما قال شاعرنا علي عكير:
في القلب الشتيمة أحر من الكبرة جرح السيف بطيب وطعن اللسان ما ببرا
لا بد من إيقاف هذه اللغة النابية المسيئة للآخرين، وما قاله الحكيم:
جراحات السِّنانِ لها الْتِئَامٌ ولا يلْتَامُ ما جرح اللسانُ
ومثلما حذر الشافعي:
أحفظ لسانك أيها الإنسانُ لا يلدغنّك إنه ثعبانُ
ورسول الله (ص): “إِنَّ العَبْدَ يَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا يَتَبَيَّنُ فِيها يَزِلُّ بِهَا إِلَى النَّارِ أبْعَد مِمَّا بَيْنَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ”[12]
بلادنا أمام خيارين طريق حرب مدمرة متعدد الجبهات مصحوبة بمواجهات دامية أو الإجماع حول أجندة وطنية لإنقاذ الوطن.
من شعرائنا من ناشدنا كلنا: السيد الحردلو:
يا كل أبناءِ الوطنْ
يا أيها الجميعُ
في جميع أصقاعِ وأوجاعِ الوطن
إني أصيحُ
أنّ شيئًا ما .. يَمدُ ظلّه على الوطنْ
وأن شيئا ما يُعدُ في مطابخِ
الكبارِ والصغارِ .. للوطنْ
وأنني أرى فيما أرى
وحشاً من النارِ
وفي كفيه .. سيفٌ وكفنْ
فكذبوا نُبوءتي
كلام كثير منا صار يقوله ويعلمه، ولابد أن نتحرك لسد هذه الثغرات حتى لا تكون أخطاؤنا وسيلة لمخططات أعدائنا، أقول: الأعداء يخططون لتمزيق الوطن، وسياسات الانفراد والعناد والإقصاء تساعدهم على ذلك من باب:
لا يبلغ الأعداء من جاهل ما يبلغ الجاهل من نفسه.
ولكننا سندعو ونعمل لخطة بديلة معتمدين على لطف الله والعناية ووعي شعبنا وما استودع فيه من البركات: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ)[13].
إنني إذ يطيب لي أن أشارككم فريضة الجمعة في هذا المسجد العتيق الذي أسسه الشيخ عبد القادر ود أم مريوم والذي لعب دورا مهما في تاريخ الدعوة الإسلامية في السودان ونشر الإسلام في السودان وتعليم القرآن في السودان، يطيب لي كذلك أن أذكر بالخير السيد كمال حمزة الذي ساهم في تعميره وكل الذين يشاركون في تعميره وإعماره ونشاطه نسأل الله لهم جميعا التوفيق والسداد والسعة في الرحمة.
وأقول نسأل الله سبحانه وتعالى لنا جميعا أن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه وأن يهدينا ويهدي أبنائنا وبناتنا وأن يرحمنا ويرحم آبائنا وأمهاتنا وأن يكتب الخلاص وأن يكتب النجاة للسودان أرض الجدود ومنبت الرزق.
أقول قولي هذا استغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين.
والسلام عليكم
)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.