وزير الخارجية المكلف يتسلم اوراق اعتماد سفير اوكرانيا لدى السودان    فيديو.. مشاهد ملتقطة "بطائرة درون" توضح آثار الدمار والخراب بمنطقة أم درمان القديمة    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تقارير: القوات المتمردة تتأهب لهجوم في السودان    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. "دعامي" يظهر في أحضان حسناء عربية ويطالبها بالدعاء بأن ينصر الله "الجاهزية" على "الجيش" وساخرون: (دي بتكمل قروشك يا مسكين)    شاهد بالصورة والفيديو.. إعلامية مصرية حسناء تشارك في حفل سوداني بالقاهرة وتردد مع الفنانة إيلاف عبد العزيز أغنيتها الترند "مقادير" بصوت عذب وجميل    د. مزمل أبو القاسم يكتب: جنجويد جبناء.. خالي كلاش وكدمول!    محمد وداعة يكتب: الامارات .. الشينة منكورة    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    الخارجية الروسية: تدريبات الناتو في فنلندا عمل استفزازي    مصر تنفي وجود تفاهمات مع إسرائيل حول اجتياح رفح    السوداني في واشنطن.. خطوة للتنمية ومواجهة المخاطر!    "تيك توك": إما قطع العلاقات مع بكين أو الحظر    عن ظاهرة الترامبية    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    مدير شرطة شمال دارفور يتفقد مصابي وجرحى العمليات    منتخبنا يواصل تحضيراته بقوة..تحدي مثير بين اللاعبين واكرم يكسب الرهان    حدد يوم الثامن من مايو المقبل آخر موعد…الإتحاد السوداني لكرة القدم يخاطب الإتحادات المحلية وأندية الممتاز لتحديد المشاركة في البطولة المختلطة للفئات السنية    المدير الإداري للمنتخب الأولمبي في إفادات مهمة… عبد الله جحا: معسكر جدة يمضي بصورة طيبة    سفير السودان بليبيا يقدم شرح حول تطورات الأوضاع بعد الحرب    تواصل تدريب صقور الجديان باشراف ابياه    مدير شرطة محلية مروي يتفقد العمل بادارات المحلية    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على ناشفيل    لجنة المنتخبات الوطنية تختار البرتغالي جواو موتا لتولي الإدارة الفنية للقطاعات السنية – صورة    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خطبة الجمعة التي القاها الإمام الصادق المهدي بمسجد الشيخ مردس بالكلاكلة
نشر في سودانيل يوم 14 - 04 - 2012


بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة الجمعة
جامع الشيخ مردس بالكلاكلة
بمناسبة عقد قران
القاها الإمام الصادق المهدي
13 أبريل 2012م
الخطبة الأولى
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن ولاه،
قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [1].
إن شاء الله سوف نتفكر في هذه الآيات التي أُمرنا أن نتفكر فيها ونبدأ بأن ابن آدم في الخليقة مكرم (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ) [2] وكل بني آدم أشراف لأنهم كلهم من نسل آدم عليه السلام وكلهم إذن أشراف، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم: "لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا لِأَبْيَضَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا لِأَسْوَدَ عَلَى أَبْيَضَ إِلَّا بِالتَّقْوَى، النَّاسُ مِنْ آدَمَ، وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ." [3]
لكن الذين أدخلوا في ثقافتنا المفاهيم العنصرية هم الاسرائيليون الذين فرقوا أبناء آدم على أبناء نوح عليه السلام: سام وحام ويافث وجعلوا بين هذه الأنسال تميزا في القيمة، ولكن هذا كله عنصرية غير مقبولة وغير مسموح بها في ثقافتنا الإسلامية: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) [4] هذه هي المفاهيم الإسلامية لا عنصرية فيها ولا تمايز بين البشر على أساسها، ولأن ابن آدم مكرم خصه الله بحقوق لا يعتدي عليها إلا جائر وظالم: في الحرية، وفي الكرامة، وفي العدالة، وفي المساواة، وفي السلام. هذه هي حقوق الإنسان التي خص الله بها الإنسان لأنه كرمه. فهذه الحقوق غير متاحة لكل المخلوقات إلا لهذا المخلوق المكرم الذي قال عنه ربه: (ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ) [5] إذن في ابن آدم قبس من روح الله، ولأن الإنسان هكذا مكرم ومعزز وفيه قبس من روح الله، وبنو آدم أشراف لأن جدهم الأعلى نبي، لهذه الأسباب غير الله الطبع والإرادة التي يتوالد بها البشر، فكل الحيوانات وكل المخلوقات تتوالد بالشيوع إلا ابن آدم فهو يتوالد ضمن رابطة مقدسة وشريفة ومكرمة هي هذا الزواج: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا) [6] هذا المعنى هو الذي يقوم به الزواج، ومقاصد الشريعة في الزواج هي: المودة، والرحمة، والسكينة، لأن هذا هو العش الذي يولد فيه هذا المخلوق المكرم: طفل ابن آدم.. الذي يجب أن يجد الرعاية والعناية والمودة والمحبة والرحمة والسكينة، لكي ينشأ أهلا لهذه العلاقة الطيبة، هذا الامتياز الكريم الذي خصه الله به.
نحن إذن كل ما نقوم بإقامة هذه العلاقة وكلما نعمل عليها نحقق ما جاء في سنة رسول الله (ص) الذي قال فيما روت السيدة عائشة (رض): (النِّكَاحُ مِنْ سُنَّتِي، فَمَنْ لَمْ يَعْمَلْ بِسُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي ، وَتَزَوَّجُوا فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ الْأُمَمَ) [7] وجاء في المأثور في هذا المعنى: "فضل المتأهل على الأعزب كفضل المجاهد على القاعد" وهذا هو المعنى الذي نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا جميعا في تقويمه وعمله لكي نكرم بين بني آدم من ذكر وأنثى في هذا الحلال وفي هذه الإرادة الزوجية التي بها يتوالد البشر ليحفظوا هذه المعاني الطيبة الكريمة التي فيها يحملون راية آدم عليه السلام في زيادة أنسال البشرية.
ولكننا في السودان الآن للأسف نشهد ما يمكن أن نسميه أزمة في الأسرة السودانية، فنسبة الذين يتأهلون من الشباب اليوم لا تزيد عن الربع من سن (18 -40) هذه كارثة، والكارثة الأكبر أن كثير ممن يتزوجون يطلقون، ومع أن الطلاق هو أبغض الحلال إلى الله فهو للأسف الآن كثير، والنسب تصل إلى الخمس أو الربع من الذين يتزوجون يطلقون وهذه أزمة.
وللأسف أيضا الزواج الآن أمامه عثرات كبيرة لأنني مهما سألت وجدت في كل المستويات والطبقات أن مبالغ الزواج والمباهاة في الصرف بلغت حداً لا يستطيعه أحد، بل صار بعض الناس يباهون حتى أنك إذا نظرت إلى كرت الدعوة (وهو مجرد كلام مفاده تعال إلينا) تجد الصرف في هذا الكرت يبلغ مالا كثيرا ويُلقى بعد ذلك في سلة المهملات، هذا نوع من العبث ونوع من الإسراف لا يليق، ولكنه صار عقبة في سبيل تحقيق هذه الأمنية: الزواج.
ولذلك لا غرو أن كثيرا من شبابنا الآن يتخذون أخداناً، أقاموا علاقات خارج نطاق الأسرة، وهذا فيه ما فيه من مضرات، خلاف ما فيه من عصيان لهذه الإرادة الالهية، فهو أيضا تعرُّضٌ لأمراض كثيرة، انتشرت الآن بصورة كبيرة: أمراض شخصية وجنسية وأمراض اجتماعية ونفسية، للأسف الشديد الآن شبابنا فيه درجة عالية جدا من الإسراف للمخدرات وهي تغييب للعقل، وتغييب العقل من أخطر ما يصيب الإنسان، نحن إذن الآن ضحايا في مجتمعنا لمشاكل كثيرة، وهذا الشباب الذي نشهده للأسف صار موقفنا معهم كمن:
ألقاه في اليوم مكتوفا وقال له إياك إياك أن تبتل بالماء
ليس فقط صعوبة أن يتزوج، لأنه إذا ذهب إلى أية أسرة مهما كان مستواها تريد أن تباهي مثل جاراتها، ولذلك تضع العقبة أمامه فإذا هو تزوج بعد أن يقترض مالا يصبح الزواج ذاته مرهون، وبعد مدة يكون الطلاق بسبب الإعسار.
ثم العطالة. الآن شبابنا لا يجد عملا لائقا له، عندنا ما لا يقل عن مليون خريج وخريجة عاطلين، طبعا هذا فيه ما فيه ليس فقط إهانة للنفس الإنسانية التي تستحق التكريم ولكن الحاجة، والحاجة كما هو معروف وكما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "الجوع أخو الكفر".
نحن إذن في حقيقة أمرنا نواجه أزمة كبيرة جدا في أسرتنا، الأسرة السودانية مأزومة، وهذه الأزمة صارت تعبر عن نفسها بأشياء غريبة على مجتمعنا: عنف لم نشهده أبدا قبل ذلك: أبٌ يقتل ابنه، ابن يقتل أخاه، وأم تقتل جناها، حالة من العنف لم نشهدها من قبل، تدل على أزمة في الأسرة السودانية ومن يتابع الأحداث ويتابع الأخبار يرى عجبا، شيئا لم نشهده في حياتنا.
عُملت دراسات لمعرفة أحوال الشباب النفسية. هذه الدراسات مؤخرا صدرت عن تقرير عن مسح اجتماعي عربي في 12 دولة عربية منها السودان، وجدوا أن حوالي 50% من العينة السودانية يريدون أن يخرجوا من السودان، يريدون الهجرة من السودان، أن يصوتوا بأقدامهم خروجا من الحالة التي هم فيها وهذا يكفي دليلا على الحالة النفسية التي يعيشون فيها:
كفى بك داء أن ترى الموت شافيا وحسب المنايا أن يكن أمانيا
ثم هناك ضحايا الحروب من نازحين ولاجئين وأثر هذه الحروب على الحالة الاجتماعية. ثم دخول عمالة أجنبية، فمع وجود العطالة عندنا عمالة اجنبية الآن بلغت ربع مليون وهذا كله دليل آخر على التأزم الاجتماعي.
الحقيقة أننا يجب أن نعترف أننا الآن نواجه أزمة في الأسرة السودانية، فما الحل؟
هناك الحل الأكبر وهو ضرورة حكم راشد واقتصاد يحقق الكفاية والعدل، هذان هدفان ضروريان ولكن إلى أن يحدث ذلك لا بد من إصلاحات محددة ونحن في ذلك نقول:
أولا: ضروري جدا من قانون أحوال شخصية جديد يواجه المسائل التي نراها الآن في أزمة الزواج ومشاكل المتزوجين، ونحن بصدد مؤتمر تعقده هيئة شئون الأنصار لدراسة ما ينبغي أن يكون عليه قانون الأحوال الشخصية الجديد.
ثانيا: كذلك لا بد من توجيه وتربية لشبابنا من النواحي الجنسية. بعض الناس حينما نتحدث عن هذا الموضوع يقولون أتيتم أمرا إدا، تكاد السموات والأرض يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا، مستنكرين ما نقول، مع أن هؤلاء المساكين لو قرأوا كتاب الله يجدون فيه مفردات الزوج، والنكاح، والطلاق، والعدة، والحيض، والرضاعة، والزنا، وقوم لوط، والظهار، وغيرها، هذه النصوص نقرؤها ونحفظها في نصوص الكتاب. والتربية الجنسية هي التي تفسر لنا ما يعني هذا، وفي ذهنهم أن التربية الجنسية نوع من الخلاعة والإثارة الجنسية، أبدا بل هي التي تعلم الشباب ماهية هذه العبارات التي يقرأونها ويحفظونها في كتاب الله، هنالك ما لا يقل عن خمسين لفظا في كتاب الله تتعلق بهذه المعاني. أب أو أم يٍسألهما طفل يا أمي يا أبي كيف أتيت للحياة؟ يكتمون عليهم ولا يحدثونهم ويراوغون في الرد: وجدناك في المسجد، أمام الجامع، كل هذا كلام فارغ. الأطفال الآن يستمعون لفضائيات فيها برامج أطفال وأشياء كثيرة غيرها، إذا لم نعلمهم الحق والباطل ليميزونه ويعرفونه ويتبعون الحق ويجتنبون الباطل سوف يستمعون للفضائيات الأخرى التي تربيهم على هواها:
من رعى غنما في أرض مسبعة ونام عنها تولى رعيها الأسد
ما نقصر فيه في تربية أبنائنا وبناتنا في هذه الأمور سوف تكمله لهم الفضائيات التي لا سبيل لحجبها أو منعها لأنها في كل مكان وبكل الوسائل.
إذن نحن محتاجون لهذا، ومحتاجون أيضا لمعالجة مسألة الزواج بصيغة جديدة. في مؤتمرنا القادم سوف نناقش ما نسمية صيغة جديدة للزواج الميسر. لا بد من هذا إذا كنا نريد أن نوقف العلاقات غير الشرعية لا بد أن نجد أساسا ممكنا للعلاقات الشرعية، وإلا فنحن ندفع شبابنا: بناتنا وأبناءنا إلى ذلك من باب الضرورة التي ركبها الله فيهم، إذن نحن محتاجون لهذه الإجراءات وهذه الخطى المؤقتة إلى أن ييسر الله لنا إصلاح النظام الحاكم الذي يوفر الحكم الراشد والنظام الاقتصادي الذي يوفر الكفاية والعدل.
هذه هي الأمور المطلوبة منا حسما وحتما، وأرجو أن نستجيب لها. قال نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم: "من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم"، وقال: استغفروا الله فإن الاستغفار مخ العبادة.
الخطبة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ [8]).
الحرب أسوأ ممارسات البشر:
الحرب أول ما تكون فتية تسعى بزينتها لكل جهول
حتى إذا اشتعلت وشب ضرامها ولت عجوزا غير ذات حليل
شمطاء ينكر لونها وتغيرت مكروهة للشم والتقبيل
الحروب الحالية التي ندخل فيها الآن في بلادنا للأسف ليست من فراغ، فهي مربوطة باتفاقية سلام فيها عيوب في تكوينها وعيوب في تنفيذها. أما في تكوينها فقد سمت نفسها اتفاقية سلام شامل في وقت فيه علّقت السلام في ثلاث مناطق: أبيي، وجنوب كردفان، وجنوب النيل الأزرق، وبينما الحرب مشتعلة في دارفور، كيف يمكن أن تسمي اتفاقا (شاملا) وقد علقت ثلاث مناطق دون اتفاق، وكانت الحرب مشتعلة في دارفور؟
وقالت الاتفاقية نسعى لجعل الوحدة جاذبة، وقالت إنها سوف تحقق السلام. نحن بعد بضع شهور من الاتفاقية أصدرنا كتابا (اتفاقية السلام يناير 2005م ومشروع الدستور الانتقالي أبريل 2005م في الميزان) وقلنا إن هذه الاتفاقية فيها عيوب هيكلية، لن تحقق الوحدة وستجعل الانفصال جاذبا، ولن تحقق السلام بل ستفتح الباب لحروب وتفتح الباب للانفصال، وقد كان للأسف، وهذا ما نواجهه الآن: انفصال وحروب.
ماذا نفعل حول الحرب المشتعلة الآن في جنوب كردفان وفي الحقيقة لست في جنوب كردفان وحدها بل في أكثر من جبهة من الجبهات؟
للأسف الأخوة في الحكومة يريدون إدارة الموضوع بنفس الطريقة الماضية: استنهاض، وكلام عن النفير والتنفير، ونفس الأسلوب الذي تكرر عدة مرات ولم يؤد في حقيقة الأمر لحل حقيقي، فماذا نفعل في هذا الظرف الذي نواجهه؟ نقول: لا لإدارة الأزمة بالطريقة التقليدية الفاشلة، بل لا بد أن نفكر بطريقة حقيقية:
أولا: كيف نزيل الأسباب التي تؤدي إلى هذه المشاكل.
ثانيا: كيف نخلق وحدة وطنية لتصطف دفاعا عن الوطن.
ثالثا: كيف نقيم صلحا بيننا والأسرة الدولية حتى نعمل ونأمل أن تدعم الحق عندما يصاب الحق بعدوان.
لذلك نفكر في الدعوة لمؤتمر سلام عادل وشامل ليجيب على هذه الأسئلة: كيف نعالج قضايا الخلاف الأساسية في أبيي وجنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور. لدينا مشروع كامل نريد أن يبتناه الجميع لنزيل أسباب الخلافات.
كذلك لا بد من إقامة الوحدة الوطنية، والوحدة الوطنية لا يمكن أن تقوم إلا على أساس حكم قومي يرتضيه الناس أجمعون، الحكم الذي يجعل الدولة دولة حزب سيجعل الآخرين ضدها، إذن لا بد من حكم يقوم على تحويل دولة الحزب إلى دولة الوطن.
إذا استطعنا أن نعمل مؤتمر سلام يخاطب أسباب الخلاف لإزالتها وأسباب الفرقة الوطنية لإزالتها، وتحقيق ما يزيل أسباب الحروب ولدينا مشروع كامل لهذا وما يزيل الفرقة الوطنية بحيث تتحد الكلمة، وما يحقق تفاهما بيننا وبين الأسرة الدولية على أساس العدالة؛ هذه الأمور ممكنة وقد حضرنا في هذا كل ما يمكن عمله بالنسبة للسلام في جنوب كردفان، والسلام في جنوب النيل الأزرق، والسلام في دارفور، وموضوع البترول وقد حضرنا حلا فيه رأي مختلف عما تقوله حكومة الجنوب وما تقوله حكومة السودان ولكنه منطلق من الحق الموضوعي للطرفين؛ إذا قام هذا المؤتمر فهو الذي يمكن أن يجعل هناك أساسا للسلام العادل الشامل والوحدة الوطنية الكاملة إلى أن تجرى الحكومة القومية انتخابات حرة نزيهة يقوم بموجبها الشعب باختيار ممثليه، واتخاذ دستور للبلاد، دستور عريض يستوعب ما في السودان من تنوع ديني وإثني وتطلعات.
هذا المؤتمر السلامي وهذه الهجمة السلامية، وهذا المخطط للسلام نحن ماضون فيه، ولكن هذا يستوجب شروطا أهمها:
أولا: انسحاب القوات المختلفة من أي أراض احتلتها بعد يوم 11 يوليو 2011م باعتبار لا ينال أحد كسبا عن طريق القوة. الكسب إن جاء يأتي عن طريق الحق لا عن طريق القوة.
ثانيا: وقف تام لإطلاق النار برقابة دولية.
ثالثا: السماح لمنظمات الإغاثات الإنسانية لتغيث ضحايا الحرب.
رابعا: من يرفض هذه الخريطة علينا كلنا أهل السودان أن نقف ضده بكل الوسائل حتى نحقق الإجماع على هذه المعاني، لأن من يرفضها في تلك الحالة يكون منبتا وشاذا.
أما بالنسبة للموقف الحالي فنحن مع دعم القوات المسلحة السودانية دفاعا عن الحق ونعتقد أن البلاد كلها يجب أن تقف معها دفاعا عن الحق، ولكن هنا أيضا محتاجون لإصلاح القوات المسلحة: أن تفتح روافدها للطبيعة القومية لتجنيد كل الآخرين حتى لا يكون الوضع فيه تمييز لحزب على حزب، لا بد من تأكيد وتحقيق قومية القوات المسلحة ولا بد أيضا من رد اعتبار الذين شردوا من القوات المسلحة بأسباب غير موضوعية، وهذا كله مما يزيد من قدراتها ويرفع معنوياتها ويحقق قوميتها ويمكنها من القيام بواجبها. هذه مناسبة لنواجه أخطاء التمكين الظالمة، وأخطاء تشريد الناس لأنهم ليسوا معنا في حزبنا، أخطاء ظلم المواطنين بالصورة التي تمت وتشريدهم، هؤلاء جميعا يجب أن نراجع الموقف منهم وأن نحقق لهم كرامتهم وأن نرد لهم حقوقهم.
هذه مناسبة لكي نضمن ونؤكد ونحقق قومية مؤسسات الدولة وعلى رأسها القوات المسلحة، ولذلك نحن نقول: نعم ندعمها لاسترداد الحقوق وللدفاع، ولكن نرجو أن تراجع السياسات القديمة: سياسات التمكين وسياسات التشريد، لكي تضم في صفوفها كل أهل السودان بالصورة التي تجعلهم جميعا متحمسين للدفاع عن الحق والدفاع عن الوطن.
لا بد أن نحقق بهذه المناسبة ليس إدارة كالماضي للأزمة وإنما إدارة تقوم على أساس جديد تحقق اتفاق سلام شامل جديد وتوحيد الجبهة الداخلية من دولة الحزب لدولة الوطن والتصالح مع الأسرة الدولية على أساس الحق والعدل، ونحن سوف نسعى بكل قدراتنا لتحقيق ذلك لأننا نعتقد أن هذه مناسبة لتصحيح الأخطاء وتقريب السبيل ولكي نستعد لمواجهة ظروف بلادنا ونحقق السلام بشرطين: الشرط المتعلق بحرية المواطن، والشرط المتعلق بالعدل لأنه لا سلام بلا عدالة.
لا بد إذن أن نتخذ هذه الخطوات فالأزمة فرصة لتقويم السبيل وسد منافذ العيوب التي يمكن أن يتدخل الآخرون عن طريقها لإضاعة مصالحنا.
نحن إذ نسأل الله سبحانه وتعالى أن يأخذ بيد السودان وأن يهدينا ويهدي أبناءنا وبناتنا وأن يرحمنا ويرحم آباءنا وأمهاتنا، وأن يبارك لنا في أرزاقنا، وأن يقيل عثرة وطننا، وأن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه. عباد الله (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [9]. قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.
* ملحوظة: الخطبة ألقيت شفاهة وقمنا في المكتب الخاص للإمام الصادق المهدي بتفريغها من التسجيل المرئي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.