بعد أن فشلنا في الحفاظ على السودان التليد الكبير الذي كان يسع الجميع لولا ضيق المواعين السياسية التي حكمت بلادنا وفشلت في إدارة التنوع الخلاق الذي حبانا به الله سبحانه وتعالى، وأصبحنا منذ الأمس أمام واقع سياسي جديد بميلاد دولة جنوب السودان، دعونا نهنئ شعب وحكومة الدولة الوليدة التي ولدت من رحم سوداننا الحبيب. يتنازعنا شعور متناقض ما بين الحزن والفرح، وإن كانت بالنسبة لنا جرعة الحزن أكبر ولكننا لا نملك إلا الفرح لإخوتنا في الجنوب الذين يحق لهم الفرح بقيام دولتهم المستقلة ونتمنى لهم التوفيق والسداد في إدارة شؤونهم وتحقيق تطلعات شعبهم في السلام والاستقرار والنماء والتقدم بعيداً عن النزاعات والصراعات. لقد حرصنا وما زلنا نحرص على تعزيز العلاقات الإنسانية والطبيعية بين شعب السودان في الشمال في الجنوب بما يرعى مصالحهم ويطورها وينميها خاصة وأن هناك علاقات إنسانية ومصالح اقتصادية تربطنا إضافة للتاريخ الذي لا يمكن تجاوزه. إننا ندرك حجم المشاكل والتحديات التي تواجه بلدي وشعبي السودان وهذا يجعلنا أكثر حرصاً على الإبقاء على ما يجمع بيننا وردم الهوة السياسية التي سببتها المكايدات الفوقية بين حزبي المؤتمر الوطني والحركة الشعبية وبناء جسور الإخاء والمحبة والسلام وسط شعب السودان في الدولتين بعيداً عن مرارات الماضي على هدي علاقات ندية متوازنة. لا يكفي الاعتراف الرسمي بدولة جنوب السودان وإنما لا بد من تقديم كل العون المطلوب لحكومة وشعب الدولة الوليدة لاستكمال عمليات البناء والتنمية ودفع العلاقات الاقتصادية القائمة لصالح شعب السودان في الشمال والجنوب بلا مزايدات أو مكايدات، الخاسر الأكبر فيها هو الشعب السوداني. ليست هذه هي التجربة الأولى للانفصال في تاريخ الشعوب وإن كان العالم يتجه نحو التكتل والتوحد إقليمياً واقتصادياً؛ ولذلك فإننا مع دعوتنا لحسن الجوار وتمتين العلاقات الإنسانية والطبيعية ندعو لعدم قفل النفاج القائم أصلاً رغم الحدود الجغرافية والإدارية والخلافات السياسية الفوقية. لم يعد هناك وقت للمناورات والمكايدات وليس من مصلحة حتى المختلفين من قادة دولتي السودان إشعال نيران الفتنة التي تحرق أول ما تحرق الأصابع التي تشعلها كما أننا فترنا من الحرب التي خسرنا فيها الكثير بلا طائل وأصبحنا أكثر حاجة لتعزيز السلام والاستقرار لشعبنا في الشمال والجنوب للانطلاق نحو آفاق التقدم والتنمية والبناء.