إن النساء اللاتي نشأن وهن مشبعات بنظرة دونية لأنفسهن يتلقفن الأفكار القامعة وهن يتصورنها حقيقة ماثلة ويرين فى “فتنة” أجسادهن واقعاً قدرياً لا فكاك منه إلا بستر الأجساد خلف النقاب.. ويتصورن إن النقاب وخلافه يصحح مسار طبيعتهن المجلوبة على الخيانة والمفاسد.. ورغم تعاطفنا معهن كضحايا إلا إننا لا نستطيع سوى أن نبدى دهشتنا من قوة هذه الثقافة التي بإمكانها أن تصور للنساء وجود عيب خلقي فى تكوينهن يجعلهن فريسة سهلة للرذيلة وان الحكمة من خلق أجسادهن الفانية إشاعة الفتنة في هذا الكون فتنكر النساء ذواتهن ويتحولن لكائنات غير مرئية خلف “براقع تخفى الوجوه وخيم تستر الأجساد. والمحزن في الأمر إن النساء -الضحايا -يتمسكن بقوة بحجج ملقنة حول النقاب . وللأمام ابن عربي موقف مستنير من فكرة إن جسد المرأة كله عورة إذ تربى ابن عربي على يد شيوخ في التصوف بينهم نساء منهن “فاطمة التي يتحدث عنها في كتابه الشهير “الفتوحات المكية” فقد كشفت له أسرار سورة الفاتحة مثلاً ولقد كانت تقول إنها أمه الروحانية، ولذلك نفى ابن عربي المنظور الفقهي لجسد المرأة بوصفه عورة.فيقول:” ولنتأكد من أنها مجرد حجج قد تصل حد التناقض فلنقتبس من الكاتب المستنير “نصر حامد أبو زيد ” في كتابه “دوائر الخوف”: ” يصل تناقض الخطابات حول هذه القضية حدود اللامعقول في طرفيه ، فيما نجد من يحدد مواصفات الزى الإسلامي للمرأة تحديداً تفصيلياً دقيقاً يكاد يشبه تحديدات خبراء الأزياء والموضة ، نجد على الطرف الآخر من يحاول أن يجد تأويلات للخطاب القرآني ، خاصة ما ورد في صورة النور متعلقاً بالزينة والعورة ، يعرف المؤلف” محمد سعيد المبيض في كتابه إلى غير المحجبات” الزينة المقصودة في نصوص سورة النور بأنها (جسد المرأة كله) ، ولتحديد الفرق بين ما يجب ستره من جسد المرآة وما يجوز كشفه ، أي لتحديد (العورة) يقسم المؤلف جسد المرأة / الزينة إلى قسمين : الزينة الظاهرة ، وهي بحسب التأويل المشار إليه (ما ظهر من جسد المرأة بالخلق ، أي ما أظهره الله سبحانه وتعالى في خلقها كالرأس والبطن والظهر والرجلين واليدين) . والقسم الآخر (قسم غير ظاهر بالخلق ، أي أخفاه الله في بنية المرأة وتصميمها ، هذا الجزء المخفي هو الجيوب …….. وهي ما بين الثديين وتحت الإبطين والفرج والإليتين ، هذه كلها جيوب ، فهذه الجيوب يجب على المرأة المؤمنة أن تغطيها) . وما عدا ذلك من جسد المرأة فهو من الزينة الظاهرة التي لا تندرج في مفهوم (العورة) . هكذا يحلق التأويل في سماوات النص خارج سياق مكانه وزمانه ولغته ؛ إذ يتعامل مع اللغة بوصفها فضاء مستقلاً عن سياق التداول والاستعمال والعرف . والحق أن مفهوم (العورة) ليس مفهوماً مفارقاً لبنية الثقافة – أي ثقافة – في سياقها السسيوتاريخي ، فهو ليس مفهوماً كلياً ثابتاً قاراً في وعي الجماعة البشرية كما يتوهم البعض . وإذا نظرنا إلى السياق القرآني – بمعزل عن السياق التاريخي لنزوله – لقلنا أن العورة هي الأعضاء الجنسية فقط للأحياء ، وهي جثة الشخص الميت . هكذا ورد ذكر (السوأة) في الخطاب القرآني في سياقين : الأول في سياق قصة آدم وحواء وكيف بدت لهما سوءاتهما بعد الأكل من الشجرة المحرمة (الأعراف / 20 ، 22 ، 26 ، 27 ، وطه / 121) . والسياق الثاني هو سياق قصة ابني ادم وقتل احدهما الآخر وعجز القاتل على أن يواري سوأة أخيه حتى أرسل الله إليه الغراب ليعلمه (آل عمران / 31) . لكنت مثل هذا التأويل يفترض أن النص القرآني يمكن فهمه خارج نطاق المجال التداولي للغة في عصر نزوله من جهة ، ويتجاهل من جهة أخرى أن السياق الداخلي هو سياق القص عن الحياة الاجتماعية في بدايتها البدائية . (من قائل أنها كلها عورة ما خلا الوجهين والكفين ، ومن قائل بذلك وزاد قدمها ليس بعورة ، ومن قائل أنها كلها عورة) . وأما مذهبنا فليست العورة في المرأة أيضاً إلا السوأتين كما قال تعالى : (وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ) (الأعراف / 22 ، وطه / 121) فسوي بين آدم وحواء في ستر العورتين وهما السوأتان . وان أمرت المرأة بالستر فهو مذهبنا لكن لا من كونها عورة وإنما ذلك حكم شرعي ورد بالستر ولا يلزم أن يستر الشيء لكونه عورة) . وابن عربي هنا يعتمد الذهب الظاهري في الفقه ، وهو المذهب الذي يرفض (تعليل) الأحكام الشرعية – واستنادها إلى العلل – ويرفض بناء على ذلك مبدأ (القياس) المعتمد عند فقهاء المذاهب الفقهية المختلفة الأخرى . وإذا كان فقهاء المذاهب الأخرى يعللون الحكم الشرعي عن الوارد بستر جسد المرأة بأنه (علة) الأمر بالستر كونه – أي جسد المرأة – عورة ، فان ابن عربي يرفض التعليل أصلاً ، هذا من ناحية . ومن ناحية أخرى فان قرينة إشارة ضمير المثنى في الآية – والمضاف إلى السوأتين في قوله تعالى (فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا) – إلى كل من آدم وحواء يعني اشتراكهما في الحكم . وتلك هي إشارة النص – أي مدلول اللفظ بطريق الالتزام ، وهو هنا التزام ظاهر – بناء على منهج الظاهرية . وبالعودة إلى الإمام محمد عبده مجدداً ندرك انه هو الذي وضع الأساس التأويلي لمسألة (الحجاب) في الفكر الإسلامي الحديث ، وهو الأساس الذي ما زال يحكم اتجاه المستنيرين من ممثلي التيارات الدينية السياسية كما سنرى : والحق أن الانتقاب والتبرقع ليسا من المشروعات الإسلامية لا للتعبد ولا للأدب ، بل هما من العادات القديمة السابقة على الإسلام والباقية بعده ، ويدلنا على ذلك أن هذه العادة ليست معروفة في كثير من البلاد الإسلامية وأنها لم تزل معروفة عند اغلب الأممالشرقية التي لم تتدين بدين الإسلام . إنما من مشروعات الإسلام ضرب الخمر على الجيوب ، كما هو صريح الآية (النور / 30-31) ، وليس في ذلك شيء من التبرقع والانتقاب . ويرى الإمام أن أمر الحجاب (بمعنى الاحتجاب عن الاختلاط بالرجال) أمر خاص بنساء النبي دون عامة النساء . ويؤكد الإمام – خلافاً للمعاصرين – عدم جواز الحجاب لغير نساء النبي ولو من باب التأسي والاستحباب ، وذلك على أساس أن : قوله تعالى : (لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء) يشير إلى عدم الرغبة في المساواة في هذا الحكم وينبهنا إلى أن في عدم الحجاب حكماً ينبغي لنا اعتبارها واحترامها ، وليس من الصواب تعطيل تلك الحكم مرضاة لأتباع الأسوة . ويعدد الإمام الحكم من عدم فرض الحجاب على النساء – باستثناء نساء النبي – في مجموعة من الأغراض العلمية الخاصة بشئون البيع والشراء والوكالة والشهادة في المحاكم أو المخاصمة ، وكلها أغراض تتطلب التعرف على الشخص برؤية الوجه ، الأمر الذي يستحيل في حالة (الاحتجاب ) بالنقاب أو البرقع : (وبالجملة .. فقد خلق الله هذا العالم ، ومكن فيه النوع الإنساني ليتمتع من منافعه بما تسمح له قواه في الوصول إليه ، ووضع للتصرف فيه حدوداً تتبع حقوق ، وسوي في الالتزام الحدود والتمتع بالحقوق بين الرجل والمرأة من هذا النوع ، ولم يقسم الكون بينهما قسمة ضيزي ، ولم يجعل جانباً من الأرض للنساء يتمتعن بالمنافع فيه وحدهن وجانباً للرجال يعملون فيه في عزلة من النساء ، بل جعل متاع الحياة مشتركاً بين الصنفين ، شائعاً تحت سلطة قوامها بلا تمييز . فكيف يمكن مع هذا لامرأة أن تتمتع بما شاء الله أن تتمتع به مما هيأها له ، بالحياة ولواحقها من المشاعر والقوى ، وما عرضه عليها لتعمل فيه من الكون المشترك بينها وبين الرجل إذا حظر عليها أن تقع تحت أعين الرجال ، إلا ما كان من محارمها؟ لا ريب أن هذا مما لم يسمح به الشرع ولن يسمح به العقل). إننا ورغم اهتمامنا بأمر النقاب كأحد وسائل قمع المرأة إلا إننا ندرى إن الجلبة التي أثيرت حول موقف الأستاذ الصادق المهدي منه جلبة سياسية ولا علاقة لها بشيء سوى مواقفه السياسية، ويسوؤنا انه كلما احتقنت الأمور تمت تصفية الخلافات خصماً علينا كنساء وكلما كانت هناك حاجة للتلاعب بالمشاعر كانت النساء هن الموضوع الحيوي ، كثيراً ما رددنا انه ولى زمان النساء فيه هن شرف القبيلة فلتبحث قبيلة المتنطعين عن موضوعات تحرك المشاعر سوانا فما تتحمله نساء السودان يهد الجبال..فكفانا.. هداكم الله هادية حسب الله [email protected]