كلما سمعت هذه العبارة العجيبة ، وهي تظهر سنويا ، في بداية كل عام دراسي على صفحات الصحف الأولى ، أشعر بالإستفزاز والإستغراب معا ، وكأن المسؤولين أمام معضلة مفاجئة وصعبة لامجال للتخطيط لتنفيذها … منذ أن نال السودان إستقلاله ، ترك لنا الإنجليز تراثا من الخدمة المدنية ، متميزا ، نقله المغتربون إلى دول الخليج فقادوا تلك البلاد في خدمة مدنية يضرب بها المثل … ولكن في الداخل وتحت حكوماتنا ( الوطنية ) زحفت أمراض الخدمة المدنية التي أتت على كل أخلاق الوظيفة حتىفي زمن إفترض فيه ( إنقاذ) البلاد … كان التلميذ في الخمسينات والستينات ، يبدأ عامه الدراسي ، في كل مراجل التعليم العام ، في تاريخ محدد هو الأول من يوليو وتصرف له كتبه وأدواته منذ اليوم الأول ، وكان كل أربعة من التلاميذ يجلسون علي كنبة مصانة ومريحة ، ويصرف لهم الحبر والأقلام والمحايات والكراسات ، كلما إحتاجوا لها ، ثم ينتهي العام الدراسي بعد إستقرار نموذجي ، جعل أمراء وملوك من الدول العربية المجاورة ، والتي لم تبلغ مبلغ السودان من هذا التطور ، آنذاك ، تأتي بأبنائها للدراسة في مدارسنا الثانوية ( الحكومية) وليس الخاصة ، والتى لم تظهر بهذا الإنفجار الذي الذي غطت فيه الآن ، سماء التعليم في السودان ، بينما توارت مدارس التعليم الحكومي عن الأنظار وتقلص الإهتمام بها إلى درجة أن يبحث طلبتها عن الدروس الخصوصية خارجها ، ويأتون فقط ، للإمتحان الشهادة أو آخر العام فيها … كما حدث في مدرسة الخرطوم الثانوية ، قبل إزالتها ، نفس هذه المدرسة ، درس فيها ابناء أمراء ، من ضمنهم إبن أمير حضرموت . لم يدخر الأهالي وسعا في بناء المدارس ، عن طريق ماسمي بالعون الذاتي ، والذي صار هو الأساس ، بينما تخلت الحكومة عن مسؤوليتها ، تدريجيا ، ليس في بناء المدارس فحسب ، بل في مجرد تمويلها ، وذهبت أكثر من ذلك فجعلت مرتبات المعلمين خارج أولوياتها فتراكمت ديون المرتبات على السلطات المحلية … وتضخم وجود المدارس الخاصة ، وصار الإستثمار في التعليم ، كالإستثمار في صحة المواطن أمرا عاديا وبرنامجا رسميا ، فتضاعفت رسوم الدراسة ، لتبلغ المليون في المدارس الثانوية الخاصة والحكومية ، التي سميت ، بقدرة قادر ، نموذجية ، حتى تبرر وزارة التعليم العام ، المصروفات العالية التي يدفها الطلاب لقاء دروس ، كانت في الماضي حقا مشروعا بنص الدستور . أما المدارس الإبتدائية ، والتى لاينسى المسؤولين ، وفي قمتهم رئيس الجمهورية ، أن يؤكدوا في كل خطبة ولقاء ، أن التعليم فيها مجاني ، بل إجباري !!! والواقع يقول أن مدارس العاصة الإبتدائية، كمثال ، تعاني ما لم يكن يخطر على بال تلاميذ أو أولياء الأمور في الماضي ، فقد بلغت المساهمات الإجبارية التي يدفعها التلاميذ ، لتغطية تكاليف تسيير المدرسة ، تقترب من قيمة تكاليف المدرسة من كنبات وترابيز وأدوات ، وقد كتبت إحدى الصحفيات عن مدرسة إبتدائية بالعاصمة ، أنها طلبت من التلاميذ المساهمة في قيمة فاتورة الكهرباء ، ولاحظت الصحفية أن المدرسة لم توصل بها الكهرباء أصلا ، وعند إستفسارها ، إعترف لها مدير المدرسة أن التكلفة قد فاقت كل مسميات الرسوم ، فإضطر إلى فرض رسوم للكهرباء لتغطية ضروريات أخرى لم تستطع المدرسة تغطيتها ، … إذن ماهو دور المحليات ، ومسؤوليتها ؟ واضح أنه دور الجابي وليس الداعم . قمت بدفع رسوم أراضي قيمتها 150 جنيها ( بالجديد) فأرغمت على دفع جبايات قيمتها 410 جنيها ، منها 60 جنيها ( رسوم دعم طلاب ) وهذا المبلغ يدفعه عشرات المواطنين في كل محلية ، في يوم واحد … وكان طلاب مدرسة إبتدائية محلية بنفس المدينة يشترك عشرون منهم في كتاب واحد ، ومدرسة أخرى بالعاصمة ، يجلس تلاميذها على الأرض !!! ولا تعليق !!! [email protected]