أول أمس وفي سؤال لصحيفة السوداني عن دعم الحكومة للسلع قال رئيس الجمهورية ما معناه أن الدعم يذهب للأغنياء في إشارة لرفضه فكرة الدعم وضرب مثلاً بالبنزين والسكر . ومنذ زمن بعيد علي الأقل في بلادنا كان الجدل محتدماً حول أيهما أفيد دعم السلع الضرورية ، أم زيادة الأجور لمواكبة الغلاء . ومنذ أن " هبرت " الإنقاذ علي السلطة ، فان الدعم راح في خبر كان وكذا زيادة الأجور المنتظمة والمعتبرة كيما يكون دعم السلع في صالح الفقراء ومحدودي الدخل فان هذا يعتمد علي نوع السلعة المدعومة ، وفعالية الرقابة الحكومية وأجهزة التسعير وقنوات التبادل التجاري . ولنضرب مثلاً بنفس السكر – الذي يباع هذه الأيام بواقع 4 جنيه للكيلو الواحد – وهو يسمي عند البعض بفاكهة الفقراء ، وهو سلعة استراتيجية لا غني للناس عنها . ولنفترض في زمن تغييب المعلومة أن تكلفة الجوال لحظة خروجه من المصنع تعادل 20 دولاراً – بحسب كلام مسؤول قال ذلك في سياق الحديث عن تهريب السكر – ولنضرب الدولارات في سعر السوق الأسود هذه الأيام بما يعادل 3.8 جنيه للدولار الواحد . بالحساب البسيط فإن تكلفة الجوال زنة 50 كيلو في المصنع ستبلغ 76 جنيه ، وأنه سيباع بنفس السعر إذا قررت الحكومة الاستغناء عن الرسوم والضرائب المفروضة عليه ، بما يعني دعماً غير مباشر للسكر . ولو أضفنا 4 جنيهات أخري لسعر الجوال لزوم النقل وهامش ربح الموزعين ، فهذا يعني أن سعر الجوال في السوق سيباع بأقل من نصف سعره حالياً مما يعني أن سعر الرطل القديم سيكون أقل من جنيه واحد في حين يبلغ الآن 2 جنيه ودقداق . ولأن السكر ليس للباسطة والبسبوسة فحسب ، فان تخفيض سعره إلي " النص " يعني انخفاض سعر بسكويت " الشفع " والطحنية والمربي وكباية الشاي وكبابي العصير وكل منتوج يعتمد علي السكر في صناعته . وكلما انخفض سعر سلعة كان بمقدور ذوي الدخل المحدود شراء كميات أكثر منها ، أو الاستفادة من الدخل المتوفر في شراء سلع أخري أساسية . وبالمثل لو دعمت الحكومة الدقيق وانخفض سعر العيشة من 30 قرش إلي 20 قرش فسينخفض سعر سندوتش الفطور ، وطلب الفول أو الدمعة في المطعم ، وسيتاح للمدعو محمد أحمد أن يشتري " كم " رطل لبن زيادة بالقروش التي توفرت من دعم الرغيف . الدعم المباشر إذن لفائدة الفقراء والمحتاجين ، وليس الأغنياء الذين تدعمهم الحكومة الآن بالتخفيض المتتالي لنسبة ضريبة أرباح الأعمال ، وبالبدعة المسماة ضريبة القيمة المضافة التي يدفعها في النهاية المواطن وليس رجل الأعمال أو السمسار . أما لماذا لا تفكر الحكومة في دعم السلع وخاصة الأساسية ، فاسألوا وزير التجارة ، الذي سيحولكم لوزير المالية والذي سيحولكم بدوره لمحافظ بنك السودان الذي يحولكم هو الآخر لصندوق النقد الدولي .