لعلّ هذا الشهرُ الكريم له آدآبٌ وفضائلُ جمةْ , قلّ ما تجدهُ فى الاشهرِ الأخرى , فهو بجانبِ تنزيل القرآن فيه ,الاّ ان فيه ليلةً خيرٌ من ألفِ شهرٍ , تتنزل الملائكة والروح فيها الى السماء الدنيا تلبية لأوبة التآئبين, فما اعظم هذه الايام التى نحن فيها , و خيراتها التى ذكرتها الايات الكريمات واحاديث معلم البشرية ( محمد صلى الله عليه وسلم ) التى تدعو الى استثمار هذا الشهر وتجنب الموبقات ما ظهر منها وما بطن ,و ترك فاحش القول وشهوات الدنيا , والدعوة الى الله والاعتصام بحبله المتين , والتصدق على ذوى القربى واليتامى والمساكين , نعم ما احوج المؤمنون ان يتسابقوا الى الخير فى شهر الخير وما اشدهم ظمأ فى التقرب الى الله واجتناب قول الزور والطعن فى اعراض الناس وقذفهم بالسىء من القول , فهذه الرحمة المهداة واليد الباسطة بالمغفرة والانعتاق من النار , وجب على كل مسلم ان يسعى الى الابتعاد عن النواهى , وأن يأتمر قدر المستطاع بالاوامر. ونحن فى نفحات هذا الشهر و بركاته لا نبرح ان نرفع اكفنا بالدعاء ما اصبحت الاكوان وحلت الاماسى ان ينزل الله رحمة السلام امنةً على الدنيا جميعا , وخاصة اهلنا فى دارفور الذين اشفق على حالهم العدو قبل الصديق وتلك النساء البواكى والثكالى واليتامى والشيوخ والعجزة المستعضفين فى الارض لا يستطيعون ضربا فى الارض , تقطعت بهم السبل إلاّ من امنية لم تزل تعشعش فى دواخلهم تسمى السلام , ونحن اذ نحس بتلك الالام ندرك كم هى المسافة بعيدة بين الحلم والواقع وكم هى حارقة تلك الجمرة التى ما زال يطئها اهلنا وعشيرتنا فى المعسكرات التى اقل ما يمكن تسميتها باللانسانية, كنت متمنياً لو ان احد الذين يعايشون هذا الوضع ولا يعيشونه ان يبيت ليلةً او يقضى بها سويعات , لعمرى سيدرك تماماً الفرق بين الوهم والحقيقة , حقيقة الذين يسعون الى السلام ووهم المتاجرين بقضايا اولئك المعزلون من رحمة الانسانية والانسان. ثمانِ سنواتٍ عجافٍ مرت من عمر هذه القضية وكأنها آلآف من السنوات ,تمزقت فيها ستائر الأمن والسلام وإهترأت فيها مخافة الله لدى السلطة والسلطان ,فزرع الجوع ورعى الخوف وهتك الاعراض وجفف الضرع وسحل العباد والزهاد واحرق الدور والخلاوى واماكن العبادة , ولم يكف عن ذلك كله بل صادر الاموال والممتلكات حتى كاد ان يقول انا ( احى واميت ) (و ما لكم من الهٍ غيرى ) فهرع اهل القرى التى كانت آمنةً وحدانا وزرافات , فر اؤلئك الامنون من ديارهم , بحثا عن ملجأٍ آمن وإن كان جحر ضبٍ لدخلوه . إن كان هذا الشهر هو دعوة للخير وتقرباً الى الله , وتطهيراً للنفوس والابدان , فانفع الخير ما كان لذوى القربى فالايات الدالة على هذا المبدأ والمعنى قلّ ما يسع هذا المقال لحصره وحديث رسولنا الكريم , ابلج واوضح , والعودة الى جادة الصواب والسعى الى ذوى القربى بالقول والفعل الصالح خير لهم ولنا جميعا , وان نمنحهم ثمرات السلام وندثرهم بثوب الامن خير وأبرّ. فهذه دعوة أن تعالوا الى كلمة سواء , أن نسعى لخير أهلنا وأمنهم وان نتنافس فى تبديل حياتهم الى الافضل , وألاَ نلبس ثوب الجاهلية فى رمضان , فالدعوةُ الى السلام عبادة , فالحرب لم يعد يجدى وقول سيدنا على رضى الله عنه وتشبيهه لها بأنها عجوز شمطاء اولها كلام ودماء واخرها ندم وبكاء , فلم ينتصر السيف يوماً , لان الحرب سجال , فلنركن الى القلم والحوار فهو اجدى وانفع ,واقل ضرراً وخسائر , ولم يجد البشرية انجح وانجع من الحوار , فلنرفع اكفنا بالدعاء ان يجنب الله ديارنا والعالم اجمع الحروب والفتن, فهى انتقاص من قدر الانسان والانسانية فلنقل لا للحرب نعم للسلام.