تذكرنا الأعياد الدينية بالفضائل والقيم التي بدأت تتراجع من دوائر اهتمامنا، وسط طغيان مظاهر الأعياد على أولويات اهتماماتنا حتى لا نكاد نتوقف عند هذه الفضائل والقيم التي ترتبط بأعيادنا. الجميع يعلم أن عيد الأضحى المبارك يجيئ ليذكرنا بقصة الفداء التي خلدها القرآن الكريم منذ رؤيا الخليل إبراهيم عليه السلام الذي رأى فيها الأمر بذبح ابنه إسماعيل وحتى لحظة الفداء بالكبش الثمين. هذه القصة القرآنية الخالدة مشحونة بمجموعة من الفضائل والقيم، أول هذه الفضائل فضيلة التسليم واليقين الذي لا يدانيه شك عند سيدنا إبراهيم الخليل للدرجة التي بدأ فيها في تنفيذ الأمر قبل أن يتنزل عليه سيدنا جبريل عليه السلام منبهاً إياه بأنه صدق الرؤيا وجاءه بالفداء الذي افتدى به ابنه إسماعيل. هكذا دخلنا في قيمة أخرى وهي قيمة التضحية وكيف أن التضحية قيمة ضرورية للالتزام الأخلاقي وأنها تجسد مفتاح العطاء الإنساني المستمد من العطاء الإلهي اللا محدود. إننا أكثر حاجة في هذا الزمان وفي هذه الظروف لتعزيز قيم الوفاء والتضحية، ليس فقط داخل بيوتنا وبين أسرنا رغم أهمية ذلك في تقوية التماسك الأسري الأهم للبقاء الإنساني والعمراني المادي والروحي وإنما أيضاً نحتاج لهذه القيم والفضائل في سائر علاقاتنا ومعاملاتنا. إن قيم التضحية والوفاء بالعهود نحتاجها حتى في مجال العمل العام لمحاصرة شرور الأنانية والأطماع الفردية التي باتت تهدد البناء المهني والاقتصادي، ولكن لا بد أن تتنزل هذه القيم أيضاً من أعلى القيادات إلى القواعد الوسيطة والدنيا. بمعنى أنه في عالم السياسة لا بد من تعزيز قيم الفداء والتضحية حتى تترسخ أسس التعايش السلمي بين كل مكونات الأمة العقدية والسياسية والثقافية والإثنية بحيث تتراجع نزعات التسلط والقهر والانفراد الجبري لتحل محلها قيم قبول الآخر التعايش معه ومنحه كامل حقوقه السياسية والاقتصادية والثقافية بما في ذلك حقه في التنافس على السلطة سلمياً وديمقراطياً، وهذا يستوجب سد الثغرات التي تتسلل منها النزاعات بفعل النزعات التحكمية . نسأل الله أن يحفظ بلادنا من كل أدواء التسلط والقهر وأن تتعزز وسط مواطنينا كافة ثقافة السلام والعدالة وقبول الآخر والتعايش السلمي معه. كل عام وأنتم بخير