وجدت تصريحات وزير الإعلام كمال عبيد فيما يخص اجتثاث الجنوبيين إذا جاءت النتيجة في صالح الانفصال (ملاحقة تُعطى لهم) ما تستحقها من الردود الشافية والكافية – ووجد من يلقمه حجراً – فقد طاشت سهامها وأصابت اول ما أصابت جنوبيي المؤتمر الوطني، مما حدا باحدهم بالرد على تلك التصريحات العنصرية والشوفينية والمعادية للجنوبيين والجنوب. فقد كتب السيد كوردو منوير دينق في صحيفة الصحافة العدد رقم (6181) بتاريخ الأربعاء 29/9/2010م تحت عنوان: (داعية وحدة يتحسر: الانفصال أكرم من الوحدة تحت التهديد والوعيد يا كمال عبيد) يقول كوردو: (وقد تحدث إلينا من قبل قيادي نافذ بالمؤتمر (وأظنه نافذ ريشو: من عند الكاتب) حانرمي ليكم شنطكم وعفشكم بره بيوتكم غير نادمين) وإزاء هذه التصريحات المتكررة والمبيتة للنية من قيادات المؤتمر الوطني تجاه الإنسان الجنوبي المقيم في الشمال، وحتى مع الذين معهم في خندق الوحدة وفي الجنوب وفي الحركة الإسلامية من أبناء الجنوب فإنني أقول أن لغة التهديد والوعيد التي تمارسها قيادة المؤتمر الوطني على إخوتهم المقيمين في الشمال وحتى على الذين معهم في صف الوحدة، ستنعكس سلباً وتساعد على ازدياد عدد الانفصاليين) انتهى الاقتباس. فإذا كان هذا هو حال جنوبيي المؤتمر الوطني الذين يرتعون في موائد (الجلابة) الخضراء، فكيف بالجنوبيين الغير منضوين تحت عباءة المؤتمر الوطني المليئة بالحقد والكراهية ضد الآخرين، وخصوصاً إذا كان هؤلاء الآخرين من الجنوب! هؤلاء الجنوبيين التعساء! نحن نسأل السيد الوزير عن أوضاع الجنوبيين قبل تقرير المصير وإذا كان وحدة أم انفصال كالشمس هي أن الجنوبيين وحتى الشماليين وبعد سرقة السلطة من قبل حزب الجبهة الإسلامية القومية أصبحوا على هامش الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وذلك بسبب التكويش ومنهج الكبت والإقصاء الذي مارسته ضد السودانيين. أما الجنوبيين فحكايتهم حكاية فهم يعيشون في مرتبة لا تليق بالبشر (Sub-human) – فهم إما موجودين في جيتوهات تفتقر لأدنى مقومات الحياة الآدمية – فلا أظن أن لهم حقوقاً أصلاً – وأظن أن زجاج عرباتكم المظللة قد حجب عنكم رؤية المعذبين في الأرض وهؤلاء الجنوبيين التعساء وأنتم أيضاً أعلنتم عليهم الجهاد وقعدتم تتفرجون على معاناتهم! والجبهة الإسلامية من بين نخب الشمال كانت تنظر إليهم نظرة استرابة وشك وكانت تطلق عليهم (الحزام الأسود) الذي أحاط بالخرطوم. وكانت جرافاتهم التي تشبه تماماً الجرافات الإسرائيلية تقوم بهدم البيوت المبنية من الطين تحت دعاوى التخطيط. وتلك التصريحات تشبة تماماًُ الدور المرسوم الذي كانت تقوم به جريد الانتباهة – وقد ارتحنا منها ولكن كما قال الشاعر: وثقيل ما برحنا نتمنى البعد عنه غاب عنا ففرحنا جاءنا أثقل منه! فدعوة السيد كمال وصحبه من الإسلامويين مثيرة للكراهية والبغضاء بين أبناء الوطن الواحد – وخصوصاً أن هنالك شروخ ومرارات كبيرة ما بين الشمال والجنوب – وتلك الدعوات دعوة صريحة لاجتثاث الجنوبيين في حالة وقوع الانفصال. وهي متجاوزة للقانون (إن كان هنالك قانون أصلاً) والفضيلة ومدعاة لسحق الكرامة الإنسانية! وأنتم أيضاً حينما اغتصبتم السلطة في صبيحة الجمعة المشئومة أصبحنا كلنا مواطنين من الدرجة العاشرة. والسلطة لم تكن في يوم من الأيام وسوف لن تكون (من اجل رفع راية الإسلام) وإنما كانت من اجل التلذذ بالعيش وزواج الأبكار ومثنى وثلاث ورباع والتسلط على عباد الله المساكين على حساب الوطن المندلعة فيه الحرائق – وعلى حساب المهمشين والمسحوقين – فكان الجحيم شاملاً لا يميز بين الجنوبيين والشماليين. وكان الانهيار السياسي وشراء الذمم وهشاشة الدولة التي لا يمكنها حل أي قضية بدون وسيط دولي! والانهيار الاقتصادي والأخلاقي والنفسي وهذا كله بفعل الدولة البوليسية التي أشدتموها بالقتل وبيوت الأشباح وعنف السلطة الباغية والمعربدة والخارجة عن أي قانون عرفي أو دولي. وأخيراً دولتكم يا سيد كمال جعلت منا مواطنين من درجة عاشرة، فالمواطن مسحوق تحت آلية السوق (دعه يعمل – دعه يمر) وجهاز الدولة الفساد والمرتشين واللصوص والمبذرين – فهي دولة الرعايا لا دولة المواطنين – وذلك بفعل الوحشية والبربرية وبيوت الأشباح. فهي تسمح لسارقي ثروات الشعب بتأسيس البزنيس بمليارات الدولارات وتقوم بالتضييق والكشة على نساء الشاي (وبرّد) ومن أراد التأكد عليه بالذهاب إلى سجن امدرمان ورؤية النساء الشريفات اللائي يصنعن (الخمور) من أجل العيش الكريم وعدم سؤال الناس، ومعظمهن من جنوب السودان. فهل هن مواطنات ويمتلكن كامل حقوق المواطنة؟ فبدلاً من الكشة عليكم يا أصحاب المشروع الحضاري بتيسير سبل العيش الكريم! فأنتم حولتم السودان إلى جحيم لا يطاق وذلك بالاستبداد والفساد وبيوت الأشباح وتدمير المشاريع الزراعية ونشر رائحة الدم في طول البلاد وعرضها. وأظنكم ومعكم الشاب الذي أُجبر على الانضمام إلى المؤتمر الوطني في رحلته إلى المؤتمر الشعبي (وبشيك) تحنون إلى ساحات الفداء ولكن هيهات فهناك مياه كثيرة جرت تحت الجسر! نقطة أخيرة: بعض المتعلمين من الشمال، وأقول بعض، يظنون أن الدعوة إلى طرد الجنوبيين إذا حصل انفصال لا يعنيهم في شئ – ولكن لا أظن ذلك – فهم لم يقرءوا التاريخ جيداً ففي سنوات النازية كان هناك رجل دين برتستانتي اسمه (Martin Niemöller) – وهو كان واحداً من المتحمسين القوميين – فصمت في البداية عن محارق يهود أوربا فانتهى به الأمر إلى أن قضى سبع سنوات من عمره في معسكرات الاعتقال النازية (Concentration camps) فكتب يقول: First they came for the Jews and I did not speak out, because I was not a Jew. Then they came for the communists and did not speak out because I was not a communist. Then they came for trade unionists and I did not speak out because I was not a trade unionist. Then they came for me; and there was no one left to speak out for me. وهي تقول: في البداية تنادوا لليهود ولم أدلي بدلوي لأنني لست يهودياً. بعدها تنادوا للشيوعيين ولكنني لم أتجاوب معهم لأنني لست شيوعياً. ثم استغاثوا بالنقابيين ولكنني لم أشارك لأنني لست نقابياً وأخيراً أتوا على، لكني لم أجد شخصاً يناصرني. فالفاشية ليس لديها صليح … وأمامكم جنوبيي المؤتمر الوطني حتى لو خلفوا الصليب وأصبحوا من زمرة المستهبلين ورددوا (هي لله هي لله – لا للسلطة ولا للجاه) وهي (أي تلك التصريحات تعبر عن هستيريا وتشنج خوفاً على ضياع البترول وفقدان السيطرة على الجنوب ولكما اقترب موعد الاستفتاء سوف نرى العجب! ولكن لا فكاك، فدولة الجلابة عليها بدفع الاستحقاقات الكبرى! في زيارته إلى واشنطن قال السيد كمال عبيد أن الرزق على الله والسؤال هو لماذا تكبدت المشاق ووعثاء السفر إلى واشنطن دي سي بدلاً من الذهاب إلى همشكوريب أو أم ضواً بان؟