الاستفتاء ليس هدفا لذاته وإنما هو آلية ووسيلة تفضي إلى إحدى نتيجتين، إما وحدة أو انفصال، وبهذه البدهية فإن الأهم من الاستفتاء هو ترتيبات ومترتبات ما بعده غض النظر عن مآله، فحتى في حالة الوحدة فإن سودان ما بعد الاستفتاء ينبغي ان لا يكون هو سودان ما قبله دعك من ان تكون نتيجة الاستفتاء هي الانفصال لجهة ان انشطار دولة إلى جزءين لن يكون بأي حال عملية سهلة ومبهجة تتخذ مظهرا احتفائيا مثل ذاك الذي يرافق عملية قطع التورتة أو الكيكة في مناسبات اعياد الزواج والميلاد التي يحرص على تنظيمها المترفون، وتزداد الحالة سوءا وتعقيدا اذا لم يتم الفصل والانفصال بصورة قانونية وسلمية وسلامية سلسة تسمح بالتعايش وحسن الجوار، ولهذا فإن التحسب لاسوأ احتمالات الاستفتاء وهو الانفصال الذي بات الارجح، يقتضي تركيز الجهد حتى لا يتم البتر بطريقة خاطئة لن يتعافى صاحبها بعد قطع الجزء المبتور بل سيتداعى سائر جسده بالسهر والحمى، فإذا ما جاء الانفصال متوترا وغير سلمي وغير متراضٍ عليه فذلك ما يتوعد البلاد وينذرها شمالا وجنوبا بشر مستطير يزيد من التحديات ويفاقم المخاطر ويضع كل دول الاقليم على المحك، فالانفصال العدائي لا يعني سوى العودة إلى العداوة وبأشد مما كانت منذ عام 1955، واذا حلّ العداء وقعت الحرب لا محالة، ومتى «بُعثت» الحرب مجددا فإنها ستندلع اكثر قبحا ودمامة من سابقاتها، وستسري عدوى الانفصال إلى مناطق اخرى ولن تقف على دارفور وحدها، وسينفجر العنف القبلي بأقسى وأبشع مما هو حادث، وستزداد وتيرة حالات الانفلات الامني والنهب المسلح، وبالنتيجة ستزداد جرعة ومساحة التدخلات الخارجية وعندها يحق لأي ناعٍ أن يقول مترحماً على البلاد «كان هنا وطن اسمه السودان»، هذا السيناريو الاسود غير مستبعد بل هو الاقرب اذا لم يضع شريكا نيفاشا هذا الامر في الحسبان واولوه الاهمية الاولى وتعاملوا معه كأولوية قصوى، ومن اسف هذا ما لم يحدث حتى الآن حيث ظل التعاطي مع قضايا ما بعد الاستفتاء المعقدة والحساسة والتي تكفي اي واحدة منها لتفجير الاوضاع، دون حجم هذه القضايا وخطورتها بكثير، بينما نجدالشريكين والغين ومنشغلين ومتلاسنين في قضايا أقل منها حجما وخطرا. إن القضايا العالقة التي ما تزال معلقة على المجهول شابهت عندي «مصيبة» سلاطين باشا المعلقة على السبيبة والتي حين انقطعت وقعت المصيبة رغم ان الخليفة عبد الله كثيرا ما اسرّ لخاصته عن خوفه من مصيبة سلاطين وسبيبته، فبقدر ما ينقطع الحوار الجاد والمسؤول والمنتج حول هذه القضايا للوصول بها إلى نهايات مرضية ومتراضٍ عليها، تقترب المصيبة من الوقوع وهكذا إلى أن نجد انفسنا للاسف امام واقع مرير طالما تخوفنا منه، فالوقت يمر وموعد الاستفتاء يدنو ولا دنو عاقل وعقلاني من قضايا جوهرية واساسية لا تقارن بعملية الاستفتاء كآلية ومحض عملية إجرائية، فاذا كان الاستفتاء مهما فإن الاهم منه هو الوصول إلى صيغة من الاتفاق والتوافق ترسخ السلام وتوطد دعائم الاستقرار وترعى التعايش وتراعي المصالح المشتركة، وبقدر النجاح في هذا الجانب ينجح الاستفتاء غض النظر عن نتيجته، وبقدر الفشل فيه فلن يكون في الاستفتاء أي حل.