بشفافية إن لم نكسب الوحدة.. فلا نخسر السلام حيدر المكاشفي من الأقوال الحكيمة التي اختزنتها الذاكرة وحفظتها عن ظهر قلب، مقولة لعلها لبرنارد شو ولا أجزم، تقول «من شجرة واحدة يمكننا أن نصنع الملايين من أعواد الثقاب ولكن بعود ثقاب واحد فقط يمكن أن نحترق ملايين الاشجار»، هذه المقولة تكاد تنطبق تماما الآن علينا في السودان، فبضعة أعواد ثقاب هي ما يشعل النار اليوم، وهي نار إن لم تفعل في بلادنا ما تفعله النيران في الهشيم، فإنها بلا شك ستبعث روح الحرب من جديد، ولهذا لم تعد القضية الآن للأسف الشديد هي قضية الوحدة أو الانفصال ولم يعد للجدل حولها اي نتيجة اللهم إلا إذا حدثت معجزة في زمن تعز فيه المعجزات، القضية الآن انزلقت للحسرة إلى درك المفاضلة بين السلام أو الحرب، بين ان يكون الانفصال عدائيا أو سلميا، سلسا أو خشنا، وبين أن تكون الدولتان اللتان كانت رتقا فانفتقتا، جارتين حميمتين أم عدوتين لدودتين، يجمعهما عبق الذكريات أم يندق بينهما عطر منشم، هذا ما بدا لنا جليا رغم اننا لا نحبه ولا نتمني لوطننا هذا المآل والمصير ولكن ماذا بقي لنا لنقوله غير «فال الله ولا فالنا»... الحرب والضرب والاضطرابات والتوترات والقلاقل، الله لا عادها سواء بقي الوطن واحدا من نمولي إلى حلفا او انشطر إلى نصفين، الأهم في كلا الحالين ان يدوم السلام ويسود الاستقرار وتشيع روح الاخوة والتعايش، هكذا يجمع كل الناس ومن كل الاطياف الا من بعض النفوس المريضة والجهلة والاغرار ذوي الاحقاد والإحن والضغائن الشخصية والعقد النفسية الذين لا يعجبهم حتى ان يتم الانفصال بسلاسة وسلام او تنشأ بين الدولتين علائق من الود والاحترام والتعاون، بل يريدونه انفصالا عدائيا متوترا يشيعون معه اخوة الامس باللعنات والطعنات والمطاعنة وكأنما يريدون ان يشيعوا حالة من الاضطراب السياسي والانفلات الأمني والغضب المتبادل، لم ولن تسعفهم نظرتهم القاصرة لادراك مغبة مثل هذه الاماني الخبيثة التي ستصيب عاقبتها الجميع وهم اول من تصيب على طريقة شمسون الجبار «عليّ وعلى اعدائي»، فإذا سادت التوترات والاضطرابات الأمنية وتفشت اسباب الكراهية، فإنما يوفرون بذلك أجواء مثالية للتدخلات الخارجية من دول الجوار، بل قبل ذلك من قِبل القوات الدولية التي تجد الذريعة مبذولة لها في الشوارع لتتدخل تحت ستار حماية المدنيين، ولكم في دارفور عبرة لو تعتبرون. السلام والاستقرار هما الغاية التي يسعى لها العقلاء غض النظر عن نتيجة الاستفتاء، ان تمضي الامور بسلام وتنتهي إلى سلام، سواء أكانت المحصلة النهائية لتقرير المصير وحدة او انفصالا، الاهم دائما يبقى هو السلام والاستقرار وذلك ما يجب ان يكون هو الشاغل الاول لكل الناس واولهم طرفا اتفاقية نيفاشا والانفصاليين قبل الوحدويين، ولهذا وبهذه القناعة وبمثلما بدأت مقولة حكيمة اختم بخطوة حكيمة سعت باتجاه هذا المنحى الحميد، تلك هي اتفاقية التوأمة التي تم توقيعها خلال الايام القليلة الماضية بين ولايتي الخرطوم والاستوائية الوسطى، فعمل مثل هذا حتى ان لم يثمر عن شئ عملي غير إبداء النية الطيبة، إلا انه سيكون له مردود مؤثر على مستقبل الصلات والعلاقات بين الجنوب والشمال، سواء استقل الجنوب بدولته أو ظل ضمن حدود الدولة الواحدة، هذا أوان العقلاء ووقت حوبة الحكماء وعلى غيرهم ان يساعدوهم بالهدوء وعدم إثارة الضجيج والضوضاء. الصحافة