سياسة الولاياتالمتحدة كما هو معروف مؤسسة - على مصالحها الذاتية - أينما وكيفما كانت أذكر بهذه الحقيقة البدهية لأن امريكا تكثف هذه الايام في الساحة السودانية على افتراض ان غالبية اخواننا الجنوبيين سوف يصوتون للانفصال في الاستفتاء المقرر له بعد أقل من «100» يوم، بل إن وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون قد اعلنت صراحة انها تفضل انفصال الجنوب. الولاياتالمتحدة لم ولن تكون في اي يوم وسيطاً نزيهاً في قضايا العالم.. وحالياً قضايا بلادنا الشائكة، وموهوم كل من يعتقد من ساستنا حكومة ومعارضة أن الولاياتالمتحدة يمكن ان تكون وسيطاً نزيهاً لحل مشاكلنا، وأحدث مثال لذلك تقرير نشر في صحيفة «نيويورك تايمز» في الاسبوع الماضي مفاده ان ادارة الرئيس أوباما بدأت حملة مكثفة محورها «حوافز» لكي تمتنع حكومة الخرطوم «حزب المؤتمر الوطني» من وضع عراقيل في مواجهة عملية الاستفتاء الذي يحين موعده بعد أقل من «100» يوم. الصحيفة الأمريكية أشارت الى اجتماع بين المبعوث الأمريكي سكوت غرايشون مع مسؤولين سودانيين - شماليين وجنوبيين - عرض عليهم ضمن «حوافز» أخرى تطبيع العلاقات مع السودان ورفع اسمهم من قائمة الدول الراعية للارهاب والسماح للشركات الأمريكية ببيع معدات ري وزراعة للسودان. ولكن هذه «الحوافز» مشروطة بإجراء الاستفتاء «ترجمة: انفصال» في موعده المحدد «وبالقبول الكامل لاستقلال جنوب السودان».. ولكي تبدو هذه الشروط انها لا تركز على انفصال الجنوب فقد أضاف إليها المبعوث «إنهاء العنف في دارفور». يا لصفاقة ووقاحة وجرأة الامريكيين! حتى صحيفة (ستيزين) الانجليزية الجنوبية التي يعتبرها الكثيرون ذات نزعة انفصالية متطرفة - كما رئيس هيئة تحريرها زميلنا نيال بول - استنكرت موقف واشنطون من الاستفتاء. فقد قالت في افتتاحيتها يوم الجمعة «كان على الولاياتالمتحدة ان تتخذ موقفاً محايداً في هذه القضية. امريكا فقدت حياديتها ازاء الاستفتاء، وهي خطوة سيكون لها تأثير قوي على المصوتين الجنوبيين وعلى حكومة جنوب السودان. وفي ختام «افتتاحيتها» قالت الصحيفة وهي أكثر الصحف الجنوبية انتشاراً وأقواها تأثيراً على النخبة الجنوبية: «كنا نأمل ان توافق الولاياتالمتحدة تحت قيادة الرئيس أوباما على وحدة السودان بدلاً عن دفع بلادنا للتفكك بأيديها لخيار الانفصال بتلك الطريقة الصارخة». وكما اتضح اعلاه فإن الولاياتالمتحدة ليست وسيطاً تعول عليه الاطراف السودانية، ان حل مشاكل بلادنا التي تزداد تعقيداً كل حين لن يحلها سوى السودانيين انفسهم اذا توافرت الارادة الجماعية.