السيد مدير عام قوات الشرطة.. تحية واحتراما الحس الإنساني الشفيف المتعمق في فهم الوظيفة العامة في إطارها الاخلاقي وامتداداتها الزمانية والمكانية جسدتها عبارة تواترت عن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «لو عثرت بغلة في العراق لسئل عنها عمر لماذا لم يسوي لها الطريق».. ولعل إرث التفقد الخفي لأحوال الرعية ليلاً والقرب من أوجاع الناس بدون حواجز ووسطاء هو الذي جعل سيرة الخليفة عمر رضي الله عنه رطبة ومثالاً يحتذى، ويفحم أولئك المتبطرين والمتنطعين من غير علم ولا تقوى ولا يأخذون الوظيفة بحقها.. ولعل الاحساس بنبض حياة الناس تجاوز عند الخليفة الراشد تلك الاحتياجات المادية المباشرة، فتلمس في تلك القصة المتواترة الاحتياجات المعنوية والحسية عند تلك المرأة التي كانت تنشد شعراً في الشوق الى بعلها الذي أرسل مجاهداً لبعض الأمصار، وكانت تلك مناسبة لفرمان «الإجازات» التي الزم بها المجاهدين، ليسجل له التاريخ الاسبقية في هذه البدعة الحسنة. تأتي هذه المقدمة في سياق الحديث عن دين مستحق للسيد مدير عام قوات الشرطة في رقاب كل المنتسبين لهذه القوة، حيث أرسى الرجل وأبدى فهماً وحساً عميقاً في تناول أوجاع الشرطة من خلال مشاريع حقيقية تعود بالنفع المباشر لرجل الشرطة، وجاء على رأس هذه المشاريع إسكان الشرطة بعدد مقدر من المنازل في المركز والولايات، وكانت ضربة معلم عرف من أين يبدأ، وكان الحال في قشلاقات الشرطة القديمة التي لم تمتد اليها يد الاعمار منذ أيام الاستعمار يغني عن السؤال، فبدت هذه المنازل منارات تسر الناظرين وتسرد بعد زمن يمضي وآخر يجيء حكاية ارادة قهرت المستحيل، وستولد تفاصيل كثيرة هذه، ترقى لمقام الذكر والثناء كلما دعا الداعي وعقد لواء المشابهة والترميز. وعاد الحق الذي وراؤه مطالب يقظ الضمير من خلال المستحقات المالية في الأوسمة والأنواط والتي طال عهد الشرطة بها. وخاتمة هذه الانجازات أسلوب طيب في الإدارة من خلال الانتقال المباشر للناس في مواقع عملهم، وإدارة الحوار المباشر كشركاء في وطن واحد وهم واحد وهنا تزول الحواجز والمتاريس ويأتي الحديث من القلب الى القلب. واختم بأنني ترددت في كتابة هذا المقال لاعتبارات منها ان مثل هذه الفضائل يفسدها الافصاح خاصة ان لم يكن صاحبها ميالاً لمثل هذا الحضور الإعلامي الذي يعم القرى والحضر.. ومن الاعتبارات أيضاً أن بعض اعداء الجمال لا يرون في مثل هذا المقال إلا محاولة للتقرب زلفى من صاحب السلطان.. ولكني أصدقكم القول في انني دخلت الى هذا المقال من بوابة ضيقة في الفقه الإسلامي يرى ان الانفاق المتبوع بالرياء يكون فاسداً ولا يبتغى وجه الله، إلا أنه يعود من ذات البوابة الضيقة ويقول ان مثل ذلك الانفاق مسموح به أن كان الغرض هو تحريض الآخرين على الانفاق أي ممارسة القدوة في أبهى صورها. محمد علي عبد الجابر