عثمان ميرغني يكتب: السودان… العودة المنتظرة    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    بعد حريق.. هبوط اضطراري لطائرة ركاب متجهة إلى السعودية    نهضة بركان من صنع نجومية لفلوران!!؟؟    واشنطن تعلن فرض عقوبات على قائدين بالدعم السريع.. من هما؟    د. الشفيع خضر سعيد يكتب: لابد من تفعيل آليات وقف القتال في السودان    نتنياهو يتهم مصر باحتجاز سكان غزة "رهائن" برفضها التعاون    الكشف عن شرط مورينيو للتدريب في السعودية    شاهد بالصورة والفيديو.. في مقطع مؤثر.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تبكي بحرقة وتذرف الدموع حزناً على وفاة صديقها جوان الخطيب    شاهد بالصورة والفيديو.. في مقطع مؤثر.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تبكي بحرقة وتذرف الدموع حزناً على وفاة صديقها جوان الخطيب    بالفيديو.. شاهد أول ظهور لنجم السوشيال ميديا الراحل جوان الخطيب على مواقع التواصل قبل 10 سنوات.. كان من عشاق الفنان أحمد الصادق وظهر وهو يغني بصوت جميل    رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة يلتقي اللجنة العليا للإستنفار والمقاومة الشعبية بولاية الخرطوم    شاهد بالصورة والفيديو.. في أول ظهور لها.. مطربة سودانية صاعدة تغني في أحد "الكافيهات" بالقاهرة وتصرخ أثناء وصلتها الغنائية (وب علي) وساخرون: (أربطوا الحزام قونة جديدة فاكة العرش)    الدفعة الثانية من "رأس الحكمة".. مصر تتسلم 14 مليار دولار    قطر تستضيف بطولة كأس العرب للدورات الثلاثة القادمة    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني في أوروبا يهدي فتاة حسناء فائقة الجمال "وردة" كتب عليها عبارات غزل رومانسية والحسناء تتجاوب معه بلقطة "سيلفي" وساخرون: (الجنقو مسامير الأرض)    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    سعر الدولار في السودان اليوم الأربعاء 14 مايو 2024 .. السوق الموازي    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    صندل: الحرب بين الشعب السوداني الثائر، والمنتفض دوماً، وميليشيات المؤتمر الوطني، وجيش الفلول    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    عالم آثار: التاريخ والعلم لم يثبتا أن الله كلم موسى في سيناء    "بسبب تزايد خطف النساء".. دعوى قضائية لإلغاء ترخيص شركتي "أوبر" و"كريم" في مصر    تقارير تفيد بشجار "قبيح" بين مبابي والخليفي في "حديقة الأمراء"    أموال المريخ متى يفك الحظر عنها؟؟    قطر والقروش مطر.. في ناس أكلو كترت عدس ما أكلو في حياتهم كلها في السودان    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    هل يرد رونالدو صفعة الديربي لميتروفيتش؟    لاعب برشلونة السابق يحتال على ناديه    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    انتخابات تشاد.. صاحب المركز الثاني يطعن على النتائج    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    روضة الحاج: فأنا أحبكَ سيَّدي مذ لم أكُنْ حُبَّاً تخلَّلَ فيَّ كلَّ خليةٍ مذ كنتُ حتى ساعتي يتخلَّلُ!    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    القبض على الخادمة السودانية التي تعدت على الصغيرة أثناء صراخها بالتجمع    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    وزير الداخلية المكلف يقف ميدانياً على إنجازات دائرة مكافحة التهريب بعطبرة بضبطها أسلحة وأدوية ومواد غذائية متنوعة ومخلفات تعدين    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مراسيم البشير لتقسيم دارفور:جَرح فوق الجٌرح النازف
نشر في حريات يوم 19 - 01 - 2012

جاء في صحف الأربعاء الموافق 11 يناير 2012 أن الرئيس البشير أصدر في يوم الثلاثاء 10 يناير 2012 ، مراسيم رئاسية تقضي باستحداث ولايتين اضافيتين لدارفور التي كانت قد قسمت أصلا منذ 1993 الى ثلاث ولايات ليصير عدد ولايات دارفور منذ تاريخ اصدار المراسيم المذكور خمس ولايات ، مما يترتب عليه اعادة هيكلة وتراتيب ادارية جديدة . ذكر في نص الخبر أن التقسيم الجديد استند الى قرار سابق كان قد اتخذه مجلس الوزراء منذ 2011 بشأن الغاء وانشاء ولايات في دارفور.
وبموجب تلك المراسيم الرئاسية صارت دارفور تتكون من: ولاية جنوب دارفور التي تضم عشر محليات وعاصمتها نيالا ،ولاية شرق دارفور تضم خمس محليات و عاصمتها الضعين ،غرب دارفور وتضم ثمان محليات وعاصمتها الجنينة ،وسط دارفورتضم ثمان محليات عاصمتها زالنجي ، ولاية شمال دارفور«لم أعثر على معلومة عن عدد محلياتها بحسب التقسيم الجديد» و عاصمتها الفاشر.
لم تصاحب الخبر تفاسير مقنعة لدوافع أو مبررات قرار التقسيم، وقد كان مستحقا للشرح :أولا بسبب الغبار الكثيف الذي أثاره لتناقضه الفاقع مع فكرة من يرون أن دارفور يجب أن تظل اقليما واحدا كما كانت قبل 89 ،وثانيا لصعوبة ادراك دواعي ذلك التقسيم ،على الفهوم التي تحتكم لمنطق سليم اذ أن التقسيم يأتي بالضرورة بمزيد من أوجه الصرف في ظل أوضاع الراهن السوداني الاقتصادية المزرية منذ خروج البترول من الميزانية بعد الانفصال والحديث الكثير عن وجوب تقليل المنصرفات.
التفسيرات اللاحقة لقرار «مزيد من التقسيم لدارفور» مثل:
- انفاذ رغبات أهالي دارفور التي تبدت منذ 1994«هل أجري استفتاء لتقرير تلك الرغبات؟» ،
-أو الاستناد الى دستور السودان الانتقالي لعام 2005 بحسب تصريح وزير العدل السوداني محمد بشارة دوسة لصحيفة الخليج«هل يقضي دستور 2005 -المنتهي الصلاحية منذ 2009 بتقسيم دارفور؟».
- قرار التقسيم أتى تجسيدا لتوصيات ملتقى دارفور في 2008 وتمشيا مع مقتضيات استراتيجية سلام دارفور.
- ما قاله المتحدث باسم وزارة الداخلية: «ان هذا التقسيم سيجعل الوضع أكثر استقرارا وأمانا لوجود قبائل كثيرة في المنطقة وكل منها تريد أن يكون لها ولاية خاصة بها» كما تكهن بعض المحللين السياسيين بأن أسباب القرار ربما كانت بهدف تقصير الظل الاداري بما يسهل السيطرة الأمنية والعملية التنموية. وكان المرحوم مجذوب الخليفة قد صرح سابقا بأن خطة الانقاذ تقضي بتوزيع البلاد الى وحدات صغيرة ليسهل التحكم بها .«حريات».
لكننا لم نشتر أيا من تلك المبررات التي رأيناها مبهمة وواهية للغاية : فنحن لم نعهد قبل تلك المراسيم ولا بعدها ، اهتماما حكوميا برغبات الأهالي ولا حرصا على تنفيذ توصيات ما تخرج به المؤتمرات، وما نرى ذاك «التوليد الأميبي» للولايات الا: في اطار الترضيات وشراء الولاءات والذمم بالمناصب وباستحداث الوظائف الوهمية، ونراه أيضا ضمن ما علقت به حركة تحرير دارفور «لحريات» بأن: تقسيم دارفور بدرجة أكبر جاء تبعا لاعتبارات قبلية لاضعافها بسياسات فرق تسد وقد ورد أن التقسيم يتطابق مع الحدود القبلية. خاصة وأن القرار لم يكن بلا ثمن حتى يتخذ خالصا لوجه رغبات الأهالي ولو أغضب المحاسيب ، فقد صحبته ضجة احتجاجية واسعة بسبب رفض السيد موسى كاشا والي جنوب دارفور «المنتخب»لمنصبه الجديد واليا على شرق دارفور بعد عزله من ولاية جنوب دارفوربصورة فوقية تماما. وقد جاء في الصحف أن كاشا رفض المنصب ولم يؤد القسم وخرج مغاضبا!
كما أن التبرير بأن في دارفور قبائل عديدة كل منها تريد الانفراد بولاية: حديث غث ،يثير الريب من مثل تلك القرارات بأكثر مما يبررها :اذ كيف ترضخ الدولة المسئولة لتفكيك نظمها على أسس قبلية وكيف ترتد دولة محترمة بمواطنيها من عصر شهد تعايشا وانصهارا الى تعصب قبلي يستبدل الولاء للوطن بولاء للقبيلة؟خاصة أن كتاب دارفور قبل هذا العهد لم يعرف تلك النعرات الاثنية وقد كان نسيجها الاجتماعي متلاحما ومتواصلا بغير ضجر مما يعطي مؤشرا لمن يريد الخير لأهل دارفور أن يبحث حلول مشاكلهم ضمن تلك المعطيات عوضا عن تقنين واقع مصنوع وكريه.
أما ما يقال بخصوص تقصير الظل الاداري فأمر حوله جدل ،وليفتينا فيه ناس الإدارة: هل يأتي اكثار عدد الولايات من ضمن ما يتحقق به تقصير الظل الاداري؟ أم يكون تحقيقه بمزيد من تفويض الصلاحيات؟ خاصة وتفويض الصلاحيات يغنينا عن استيلاد المناصب والولايات الذي يؤدي لمزيد من الترهل الاداري ومزيد من الانفاق .
ربما نصحنا ناصح بالاقلاع جملة عن تناول خلافات «آل البيت» -ذلك أن تلك الخلافات وما يسبقها ويلحقها أو يصحبها من قرارات، هي ذات ما يجري كل يوم دون جديد يستحق الذكر، فالخلافات تحدث بين الحاكمين لتضارب المصالح وللتكالب على الدنيا. أما قراراتهم فلا يجب أن تعنينا في شيء و لا يجدر بنا تضييع وقت الناس أو استنزاف حبرنا في تتبعها لأنها بغير طائل-اذ لم نعهد منها فوائد لصالح الوطن أو المواطن كما أن رفضها أو استحسانها من قِبلنا يستويان عند أصحاب القرار، لذلك لا جدوى بالمرة من وراء الحديث عنها .اضافة لأننا نعلم خواء العبارات مثل «الوالي المنتخب» لأننا شاهدنا بأم أعيننا :بتجارب مباشرة أو من خلال ما تم ضبطه و تصويره من مشاهد لتزوير تلك الانتخابات «تصوير الفيديو عن انتخابات احدى دوائر البحر الأحمر في انتخابات 2010».فنحن نعرف اذن بطلان تلك الانتخابات يقينا وبالتالي بطلان كل ما انبنى عليها من هياكل الحكم وتشكيلاته المختلفة من: الرئيس وحتى أصغر موظف في الدولة.
وتلك نصائح وجيهة في حد ذاتها غير أن لنا بعض الغرض من الحديث عن تلك الخلافات ،مثل:
- اتخاذنا لها دليلا اضافيا على أن تلك الانتخابات الابريلية مزيفة حتى باعتراف أهلها :فها هم لا يحترمون نتائجها التي كانت قد أفضت الى فوز كاشا بجنوب دارفور ! حتى أن قضية «الولاة منتخبون» لم تشكل أدنى عقبة في طريق عزل أو تعيين أي منهم والمعيار يكون بحسب ما تقتضيه المصلحة أو تأمر به الأهواء«سواء ما تم بموجب مراسيم الثلاثاء من اعفاءات وتعيينات، أو ما حدث حينما عزل والي النيل الأزرق «المنتخب» مالك عقار-بأمر طواريء- وتولية اللواء الهادي بشرى مكانه»!
- ومن أغراضنا أيضا التحسر على المليارات من أموالنا، التي صرفت على تلك الانتخابات التي أعلنت :«فوز الخاسر»: صرف من لا يخشى الفقر ولا ينتظر الحساب! وها هم يلغون بنتاج ما أفرزته من عبث بجرة قلم دون شرح يبين لدافعي الضرائب:ما الداعي أصلا لصرف تلك الأموال الطائلة طالما كان أمر الرفت والتعيين يبدأ وينتهى بيد الرئيس؟ !
-كما نتحسر أيضا على أملنا الذي خبأ :فقد ظللنا ردحا من الزمن نعاني من عقابيل الاحباط وخيبات الأمل بسبب ضياع فرصة تلك الانتخابات التي لاحت لنا لاصلاح الحال وبسبب ما تعرضنا له من غش وتدليس واختطاف ارادة.
لكن الذي زاد وجعنا الوطني بخصوص مراسيم البشير ، والذي حفزنا اليوم لمناقشة سطورها وما بين السطور : أن تلك الاضافة الجديدة لعدد ولايات دارفور تعيد الى الواجهة ما سبق أن وقر في القلوب :أن حكومة المؤتمر الوطني التي لا تحترم ما تدعيه وتتذرع به من أسباب الشرعية الانتخابية حتى بين صفوف مؤيديها ،ولا تعبأ بما يراه الشعب أو يريده و لا تراعي ما يجمع عليه الرأي،وهي كذلك تتعمد تمزيق دارفور- فقد أتى قرار اضافة تلك الولايات لطمة صادمة لما سبق أن أجمع عليه أهل السودان الحادبون بعد تشاور وتفاكر:بوجوب عودة هياكل الحكم في السودان الى نظام الستة أقاليم بدلا من ال26 ولاية التي تم اعتمادها في 1993- خفضا للانفاق الحكومي ومنعا للترهل الاداري- مثل النقد الذي وجهه الامام الصادق المهدي «الى الوضع الاداري المترهل الذي أدى الى هياكل كثيرة وبرلمانات كثيرة» في مؤتمر صحفي عقده في 6 مارس 2011 م.
وعن دار فور تحديدا كان الحديث دائرا بين هؤلاء الحادبين عن وجوب رجوعها للعام 89 «كما كت» بخصوص الحدود والاقليم الواحد.
هذا المطلب «أي الاقليم الواحد لدارفور» من مطالب أهل دارفور ومن مطالب الحركات المسلحة أيضا ، فقد أكدت حركات المقاومة الدارفورية تمسكها بالوضع الاداري لدارفور -الاقليم الواحد- بحدوده المعروفة.
قدم حكيم الأمة نصحه للمؤتمر الوطني عبر المرحوم مجذوب الخليفة الذي زاره في أوائل 2006 ليستشيره بشأن مشكلة دارفور قبل توجهه لمحادثات بشأن الاقليم المنكوب – ان هم أرادوا حلا لدارفور عليهم أن يتبعوا الآتي:« تعطى دارفور نصيبها من السلطة والثروة حسب عدد السكان، تعيين نائب رئاسي لدارفور،التعويضات الفردية والجماعية،العدالة لأهل دارفور الذين قتلوا وشردوا ونالهم ضيم كثير ،تعود دار فور «كما كت» في 89 بالنسبة للحدود والاقليم الواحد» وقد وعد الحكيم مجذوب ان نفذت الحكومة تلك المطالب فلن تضطر لملاحقة الحركات المسلحة المتعددة وأنه «أي الصادق» سيكون ضامنا لاقناع الكل في دارفور ولكل الطيف السياسي السوداني بمن فيهم الحركات المسلحة بجدوى هذا الاتفاق ووقف القتال». لكنهم لم يفعلوا ما أشار به عليهم فكانت النتيجة المشهد الكارثي الماثل أمامنا في دارفور.
علمنا من تلك النصيحة التي شكلت زبدة شورى وبحث أكاديمي وميداني واسع استند الى ترجمة رغبات أهل دارفور الحقيقية و بما اتضح من استقراء مطالب الحركات المسلحة والرأي العام الدارفوري الشعبي والمستنير:أن شرط الاقليم الواحد لدارفور من أهم شروط ومطلوبات حل المشكلة والذي يعني تجاهله وتقسيم الاقليم الى خمس ولايات «أن جهدا جديدا يصب في خانة الحرب» بحسب د.صلاح الدومة الذي أكد للجزيرة نت « أن عدم الرجوع الى رغبة المواطنين بتوحيد الاقليم هو بمثابة اعادة انتاج أزمة كبيرة».
فلماذا اذن نرى حكومة المؤتمر الوطني تصدر من القرارات ما يسير متوازيا مع هذا الشرط بلا أمل في التقاء أو تلاق؟
لا بد لنا من نظرة عجلى على المشهد الدارفوري قبل محاولة القاء بعض الضوء على ذلك السؤال المحوري.
تمتعت دارفور منذ القدم بقدر وافر من الاستقلالية وقد ظلت بمنجاة من الاستعمار، فقد دامت سلطنة دارفور الإسلامية حوالي خمسة قرون تنعم باستقرار حتى 1917م عندما تم ضمها بواسطة الاحتلال الثنائي الى السلطة المركزية، وهي آخر اقليم تم ضمه للحكم المركزي في السودان.
في دارفور تقاليد ادارية موغلة في القدم وهي بلد بها حضارة راسخة، ويتجلى ذلك في الزراعة والعمارة والدين والمطبخ الدارفوري وفي اكرام العلماء والكرم عموما، وهي البلد التي التزمت بكسوة الكعبة الشريفة ردحا من الزمان«20 عاما»، حيث يجمع مال الزكاة والعشور والفطرة في بيت المال، ويستخدم لدرء الكوارث، ويرسل الجزء الأكبر منه في المحمل للحجاز، مما يعد سفارة لكل السودان «ابراهيم محمد اسحق، دارفور وخدمة الحرمين الشريفين».
كان لدارفور قصب السبق في تحقيق استقلال السودان الأول فقد حمت الثورة الوليدة ورفدتها بأبي عثمان خليفة المنتظر كما كان لها قدح معلى في تحقيق استقلال السودان الثاني تجلى في وقوف رجالها ونسائها مع الامام عبدالرحمن المهدي ابن يومة مقبولة بنت سلطان الفور وقد عملوا معه في صنع الثروة التي اشترت استقلال السودان الثاني بعرق الجبين وخدمة اليمين وكانوا حراسا لمشارع الحق.
كانت دار فور اقليما اداريا واحدا يقطنه طيف واسع من القبائل العربية والافريقية المتصاهرة والمتداخلة اجتماعيا دون حساسيات عرقية .وكانت به نزاعات محدودة بين الزراع والرعاة تم التراضي فيما بينهم على السيطرة عليها بتنظيم مسارات للرعاة يحفظونها بالعرف عن ظهر قلب حتى لا تخرب البهائم في ترحالها الزراعة .ما كان يحدث من تجاوزات اتفق على تجاوزه عن طريق تحكيم نظام الإدارة الأهلية والجودية وهو تحكيم تميز بالفاعلية والقدرة على الفصل وحل النزاعات ،كان هناك وجود محدود للنهب المسلح وانتشار محدود للسلاح نتيجة للصراع الليبي التشادي .
الحديث عن دارفور ومساهماتها الوطنية والإسلامية يكشف بوضوح عن استحقاق دارفور للاعتراف بدورها الوطني الإسلامي وتكريمها عوضا عن عقابها وتدمير نسيجها الاجتماعي واهلاك زرعها وضرعها.
و الحديث عن دارفور واستقلاليتها واعتدادها بنفسها يسلط الضوء ساطعا على : أنه لا يمكن تجاهل ما تطلبه دارفور دون أثمان!
منذ 2003 ظهرت في دار فور مشاكل جديدة فوق التي أشرنا لها أعلاه:
الاثنية المسيسة،رفع السلاح ضد الحكومة،الحالة الانسانية المتأزمة،التدخل الأجنبي الواسع.
والناظر لمشكلة دارفور بتمعن يدهشه أن تلك المشكلة ماضية في التعقيد بلا أفق للحلول برغم بساطة عناصرها الأولى وامكانية الحل لو صحت العزائم.
من يحاول البحث عن أسباب هذا التعقيد المستمر يصطدم بهول عظيم يستصرخه ويكشف لناظريه بلا مواربة:أن» دارفور مستهدفة» و «تمزيقها متعمد». ذلك أن الحرب في دارفور حرب انتقامية مثل حملات الدفتردار الانتقامية كما كتب أحد المعلقين في صحيفة الراكوبة الالكترونية.
عند هذه المحطة يجب أن يتوقف الباحث ليلتقط أنفاسه ويسأل لماذا؟
علينا هنا التحدث بتفصيل تحليلي عن أسباب المشكلة والتي كنا قد أجملنا الحديث عنها بعمومية .
تتحدث بعض البحوث الأكاديمية«مثل تلك المنشورة على موسوعة مقاتل من الصحراء على الانترنت» عن ثلاثة مستويات لأسباب مشكلة دارفور:
1- جذرية:غياب التنمية وغياب الديمقراطية.
2- ثانوية:التنافس على الموارد ، التعدي على الحواكير،تقويض النسيج الاجتماعي لتحقيق الكسب الحزبي والتمكين،تسليح القبائل خارج القنوات النظامية،تسييس الإدارة الأهلية،النهب المسلح والتنافس على السلطة.
3- عوامل مساعدة:الجفاف والتصحر،الصراع التشادي الليبي،الهجرة من المناطق الأخرى لدارفور،انتشار السلاح،الفاقد التربوي وتردي التعليم،انتشار ثقافة العنف ،تكريس الجهوية والقبلية،تفشي الفساد،وجود الحركات المسلحة، النزاع بين المؤتمر الوطني والشعبي.
لو أردنا تصنيف تلك الأسباب بغرض معرفة من يقف وراءها«بين الديمقراطية الثالثة والشمولية الانقاذية» لحصلنا على الجدول الآتي:
من يقف وراء مشكلة دارفور؟ (انظر الجدول ادناه)
اذا نظرنا لهذا الجدول بتمعن : نجد أن هناك أسبابا مشتركة بين الديمقراطية والشمولية مثل: شح الموارد والصراع الليبي التشادي . لكن لابد لنا هنا :أن نأخذ في الحسبان الاختلاف في درجات المسئولية بين الديمقراطية والشمولية فمثلا بالنسبة للصراع التشادي الليبي فقد وجد مشروعيته في زمن الانقاذ بسبب انحياز الدولة لأحد الفريقين ضد الآخر بسفور مما جعل دارفور ساحة متوقعة للحرب وتصفية الحسابات، بينما شهد كتاب الديمقراطية بحياديتها وعدم تدخلها الا لاصلاح وبموافقة أطراف النزاع«أنظر الديمقراطية راجحة وعائدة،الصادق المهدي».
بالنسبة لمسألة تسليح القبائل في الديمقراطية الثالثة -تلك تهمة سقناها فقط من باب الأمانة العلمية فحتى ان أثبتت فهي غير متعلقة بأمر الصراع في دارفور ذلك أن الاتهام الذي يوجه للديمقراطية كان بخصوص تسليح المسيرية لكي يصدوا عدوان الجيش الشعبي آنذاك ، أما تسليح القبائل في عهد الانقاذ فقد اتخذ بعدا اثنيا خالصا عندما تم تسليح القبائل العربية في حربها ضد زرقة دارفور:
قامت الانقاذ منذ بداية التسعينيات باستنفار القبائل العربية وتسليحها لمقاتلة منتسبها السابق داؤود بولاد الذي كان قد انضم لقرنق احتجاجا على التهميش في دارفور، وقاد في عام 1991م مجموعة لاحتلال جبل مرة فقبض عليه وقتل بمحاكمة سريعة وسرية.
ثم قامت الحكومة بخطوات غاية في الخطورة فيما بعد باستيعابها للجنجويد «وهم رعاة من قبائل عربية شتى سودانية وغير سودانية يمتهنون النهب» في هياكلها الأمنية والرسمية مثل الدفاع الشعبي، حرس الحدود، الشرطة الشعبية وشرطة الحدود، ومنذ 2003م قامت استخبارات الحدود بقيادة اللواء الهادي الطيب باطلاق سراح سجناء وتسليحهم ومن ثم استخدامهم في الصراع الدائر.
زاد الوجع في دارفور وأذكى نيران الصراع فيها ما تم رصده في العمود الثاني من الجدول أعلاه وقد كان وأد الديمقراطية أم كبائره.
في هذه المرحلة يمكننا العودة مرة أخرى لطرح السؤال السابق لماذا استهدفت دارفور بداية؟
كنت قد كتبت في 4/11/2011 مقالا عنوانه: «الانقاذ» خلقت من عود أعوج ودليلنا دارفور..!! وقد تكشف لي حينها :أن تدمير دارفور كان قصديا و اتضح من المقال المذكور أن الحرب في دارفور كانت بغرض خلخلة النسيج الاجتماعي لتغيير حقيقة أن دارفور كانت قد أعطت حزب الأمة 34 من عدد مقاعدها البالغة 39 وأن تلك الحقيقة لم يمكن تغييرها عبر الوسائل الملتوية والاغراء بالمال .
كثير من الدلالات ومن بينها مثل تلك المراسيم التي صدرت لتقسيم دارفور تجعلنا نصل الى نتيجة مفادها أن الانقاذ بعد أن يئست من نيل وطرها من دارفور بالعصا وبالجذرة فهم اليوم ينفذون سياسات ستنتهي -لا قدر الله -ان سمح لهم بالمضي قدما فيها، الى التخلص من دارفور مثلما فعلوا بالنسبة للجنوب .
وقال محلل سياسي ل «حريات»:« ان تقسيم دارفور على أساس اثني وقبلي يعد استمراراً لنهج تفكيك البلاد ، ولالحاق أقاليم جديدة بمصير الجنوب ، ليتبقى «مثلث حمدي» الذي يبشر به الطيب مصطفى وغيره ، والذي يعيد توصيف السودان بحسب المقاييس الآيدلوجية للمؤتمر الوطني وقدراته المتآكلة على السيطرة وعدم قدرته على تقديم رؤى وبرامج وقيادات تصلح للنطاق الوطني العام ، فيعيد انتاج سلطته كسلطة مأزومة في اطار التبعثر والتفكيك ».
البقاء مكانك سر بالنسبة للحلول في قضية دارفور يرجح وصف د.صلاح الدومة أستاذ العلوم السياسية بجامعة أم درمان الإسلامية للمشهد الدارفوري ب»حالة اللا حل»، رابطا بين وجود المؤتمر الوطني على سدة الحكم وبقاء الأزمة «لأن ذهاب الأول يعني حل المشكلة» وبدورنا نؤمن على توصيف الدومة للمشهد الدارفوري و بخلفية ما ذكرنا من تفاصيل أعلاه -نبصم على قوله بالعشرة : فمما لا شك فيه أن بقاء المؤتمر الوطني على سدة الحكم هو بقاء للأزمة بل لمزيد من الأزمات.
اللهم قد بلغت فأشهد!
وسلمتم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.