هناك العديد من الألسن و الأقلام المصرية التي تناولت السودان ومسألته ؛ وتناولت السودانيين وأزمتهم التي تعد الأعمق من نوعها في عالم اليوم؛ تناولها بطرق شتى ؛ وبمواقع مختلفة من الحقيقة . والسودان منذ ظهوره دولة في صيغتها الحالية النصف الأخير من القرن العشرين وحتى أول هذا القرن صار يشكل جزء من الاهتمام الدولي ليس مصر فقط . وتناولت السودان في وصفها وتحليلها أقلام والسن عالمية غربية و شرقية وحتى من عالم الجنوب؛ إذن الأقلام والألسن المصرية ليس بدا من ذلك ؛ تجد حقها ان تكتب وتصف وتحلل . لكن الأقلام والألسن المصرية المتابعة للشأن السوداني لم تعتبر السودان شانا دوليا عاما ؛ أو مسالة دولة لها خصوصيتها ؛ أو مسالة شعب له حدوده من الاحترام مثل ما لدى الأخريين.و بذا تعمل كما تعمل عناصر دول العالم الأخرى بما يجدر مساعدة سكانه في تجاوز أزمتهم وتجد للسودان وضعية تليق بهم . غير ان المصرية تعتبر السودان شانا مصريا خالصا ؛ وتتعامل بعضها كما لو ان السودان ليس محافظة مصرية بل مستعمرة مصرية ؛ وشعبها المقموع اقل مكانة من شعب أسوان لديهم من زنج مصر في شطرها الجنوبي ؛ بشر يحتلون الدرجة الثانية من ترتيبية الاعتبار والتقدير في المجتمعات الإنسانية. والأقلام والألسن المصرية تنطلق في نظرتها نحونا من وعي رسمي مصري ؛ وتسندها سياسات النظام الحكم ببنائه الحديث في عهد محمد علي باشا حاكم مصر العثمانية التركية ؛ مصر التركية العثمانية هي مصر التاسعة من نوعها منذ نهاية حقب حكم الزنج من سكانها الأصليين قبل ألفين و اربعمئة سنة من اليوم . بذا الألسن والأقلام تعي ان السودان مستعمرة مصرية كما كانت قبل وبعد مصر التركية العثمانية ؛ وتتابع عملها بالتنسيق مع الخديوية الحاكمة في النظر إلى بعثتها الإدارية بالخرطوم (مؤسسة الجلابة) والتمرديين الزنج من السكان الأصليين عليها ؛ وتقدم دعمهما .إذن هذه الألسن و الأقلام تعمل بالتنسيق مع سياسة دولتها ؛ الهدف هو توفير الغطاء اللازم لبعثتها في الخرطوم لقمع التمرد السوداني بأي وسيلة لازمة واستمرار حماية أمنها القومي ومصالحها المائية في الجبراكة. واعتبارا على المسنود الذي يدعم القلم واللسان المصري ؛ ويسند السياسة المصرية الرسمية بتناول السودان وقضاياه وشئونه الداخلية ورموزه؛ و تناول السودانيين ؛ نأخذ الحق في تناول هذا النص والنصوص التالية . بالنسبة للجيل الحداثي في السودان ؛ والعامل في حركة التغير الكبير الذي يعم بلادنا منذ منطلق القرن الجديد توضيح هذه الجوانب تعد أمانة فكرية في معركة الوعي بجوانب القضية السودانية . و تعد هذه الكتابة مواصلة لما بدناه من تقارير خارجية عن مصر مساء مجزرة اللاجئين السودانيين التي نفذتها قوات الأمن المصرية في ساحة مدينة المهندسين بالعاصمة القاهرة في 31 ديسمبر 2005 ف. وان تفهم في سياق ردود أفعال ودانية لما بادرت بها السن وأقلام مصرية نحو السودان والسودانيين غداة هزيمتهم في حربهم الرياضي مع أشقائهم الجزائريين في أرضنا فان يفهم كذالك فإننا لا نزال نحتفظ بحق الرد . لم تفكر الألسن الأقلام المصرية التي ناولت وتتناول الشأن السوداني بالطريقة التي يكتب بها أقلام غربية في الواشنطون بوسط أو نيويورك تايمز أو القارديلن أو لومتان وايدوت احرنوث ؛ الأقلام العالمية الأخيرة إستراتيجية كانت أو أعمدة انطباعية تشعر القراء إنها تكتب عن شان دولة لها خصوصيتها وشئونها الخاصة؛ وتكتب عن شعب له مساحته ويجب احترامه .هذا مع الاعتبار أننا في عصر العالم كله صار قرية كونية يتبادل سكانها شئونه وقضاياه بشفافية. وأي تكن درجة ومستوى اختلاف وجهات النظر السياسية بين أطراف النزاع فيها فان هذه الأقلام والألسن تبقي الأمور على إنها شئون سودانية لشعب يجب ان يحترم في تقرير مصيره وممارسة شئونه ومناقشة قضاياه بطريقته وبحريته. و تلك الأقلام أيضا تحاول ان تنقل الحقائق الموجودة على الأرض إلى العالم الآخر بصورتها الحقيقية بمهنية وحيادية ؛ دون تحامل أو انحياز إلا إلى الحقيقة بصفتها هدف أسمى للإنسان وفق المبادئ الإنسانية العامة وأخلاق مهنته خبير متخصص أو صحفي . أو إنها تقترح طرقا تساعد الفرقاء في تلك الدولة كي تتبعها من اجل حلول معاصرة تحترم حقوق الإنسان والديمقراطية . وتلك منهجية تبعتها الألسن العالمية كما الأقلام العالمية الحرة في تناولها لكثير من شئون الدول الأخرى في العالم والقضايا العالمية .آراءها وأفكارها ساهمت بجانب حل المعضلات الاجتماعية السياسية صنعت علاقات إنسانية ودعمت التوجه الدولي الحداثي نحو عالم إنساني مستقر دونما المساس بخصوصية الشعوب وحقوقها . وسبب ذلك ان الأقلام العالمية تنطق بمفاهيم و تعابير كونتها مجتمعاتها المتطورة والناضجة إنسانيا و أخلاقيا في الغرب أو الشرق .أما الأقلام المصرية والألسن المرافقة لها مع كونها متقدمة بعض الشيء على أقلام عربية مشرقية في القرب من السودان وقضاياه في كل مراحله لكنها لا تزال متراجعة أكثر في مجال التحضر الإنساني كحقوق وديمقراطية ولا يخفي عجزها التخصصي وضعفها المهني أو قل على الأقل في تناولها للمسالة السودانية. للمصريين تعريف خاص بهم (السودان) و(السودانيين) وللقضية السودانية .وللمصرية من الأقلام والألسن معايرها وقوالبها تحدد بها الحقيقة في المسالة السودانية ؛ وتنبعث تلك من وعيها بالسودان والسوداني .. وهي بلا شك معاير غير مستقيمة لكونها نبعت من وعي منحرف إنسانيا وأخلاقيا ؛ وهي بلا شك مختلف كلية عن المعاير المهنية المتخصصة لدى الأقلام واللسن العالمية في تناول الحقيقة عامة والتي في نبعت من وعيها بالسودان بلد لبشر من الآدمية متساويين في الكرامة والحقوق وأزمته ناتج ان انحراف في قاعدة المساواة .وهنا تكمن أس المسالة. لعلنا ننصفها بعض الشيء ؛ ان قارن المصرية بالسن وأقلام سودانية ظاهرة اليوم في دولة الجبراكة فان المصرية متقدمة لا شك في تخصصها ومهنيتها كمعاير ثابتة لتناول القضية والمسالة ؛ الفارق المحزن ان الظاهرات من الأقلام والألسن السودانية استنسخت نفسها من المصرية ولم تتمكن من مجاراتها . والمصرية بانحرافها الأخلاقي في نظرتها نحو المسالة السودانية الزنجية وليدة واقع أنساني مؤلم متوارث في البيئة العربية الثقافية وتربت على الانحراف الإنساني. استنادا على ما تكون من صورة نمطية عن السوداني والسودانيين لدى المصريين العامة؛ تقوم مصر شبه الرسمية في المؤسسات والصحف ومراكز الدراسات بدور الأستاذية لشعوب السودان للنخبة من شعوب السودان . إنهم أساتذة أجلاء في ثلاث مدارس شبه رياضية في لعبهم لادوار الحفاظ على الجبراكة وسكانها . فريق منهم معارضون لسياسات نظام التميز العنصري في الخرطوم ؛ وفريق موالي له ؛ وفريق يظهر انه محايد بين الفريقين و لكل فريق منهجه الدراسي باتفاق الأساليب الاستاذانية . للمتابع فان تقاسيم المصرية للتدريس السوداني نسخة من الأستاذية الجلابية نحو السودانيين الأرقاء .ومثلما لمركزية دولة الجلابي في الخرطوم كذالك ترتقي تقاسيم فرق الجلابة قبالة المركزية العربية التي مقرها مصر ولمصر عدم إخلاص للعربية ؛ وهذا نسخة من ذاك . ويقوم كل فريق مصري بتعليم الفريق السوداني الموالي له ما ينبغي ان يعمله . وتكون السياسات على النحو التالي : “عارضوا حكومتكم بمزاجها ” للمعارضة .أو “هكذا ينبغي ان تعاملوا ارقاءكم” للفريق الموالي . “شعب غير متحضر وغير راشد ” هي لغة المحايدين ؛ وتستمر هذه العملية طوال حقبة حكم أقلية الجلابة في الخرطوم . في كل الأحوال تخاطب الفرق الاستاذنية المصرية السودانيين بحقائق عصرية عن مسالة بلادهم ولكن في الوقت نفسه تعاملهم كشعب اقل منزلة “ولا يدركون الحد الأدنى من مصالحهم ” بتعبير هاني روسلان باحث في شئون السودان بمركز الأهرام واحد الألسن والأقلام المصرية البارزة . في للألسن والأقلام المصرية المنطقة من وعي نمطي نحو السودان والتي تجد حقها في ممارسة الأستاذية نحو السودانيين لا رسلان مثالا فقط لكن نموذجها الأبرز. الأقلام المصرية التي تتناول السودان كلها أقلام رسمية أو تتشبه بالحرية تبعدها عن الرسمية قليلا ؛ وهي تعمل في الدور الثاني المتناسق مع النظام المصري الرسمي في سياساتها الإستراتيجية نحو الأرض الواسعة في جنوبها و التي تأتي منها ماء و الحياة لها ليس مهم الساكنون بها من بشر ما دام يوجد فوقهم بعثة مصرية تاريخية تدير شئونهم بالخرطوم . ومن هنا يشعر الكثيرون ان الألسن والأقلام المصرية تشعر القراءة على إنها سودانية في حقيقتها ؛ وليست في حاجة إلى الاهتمام بالحدود أو احترام الحقوق ؛ وهذا ما يؤكد مذهبنا إلى ان السودان لا يزال في العقلية المصرية دولة تابعة تحت بزة الخديوية القديمة ؛ وهي منبع خيراتها من المال والرجال ؛ ويشكل نظام الجلابة في الخرطوم بعثة دائمة لمصالح الباشا. في مقترح لمتسائلة ضمن النماذج المصرية للأقلام والألسن المصرية “كيف يمكن ان ندعم السودان “ذكرنا لكاتبة المصرية أماني الطويل الاتجاه الذي ينبغي ان يتبعه المصري لدعم شعب السودان في مرحلته المفصلية الراهنة ؛ بإمكانها ان تعد ذلك دعم من جانبها و نعده انحيازا طبيعيا نحو الحقيقة ؛ في هذه المرحلة . إذن لا نبرح المكان دونما ان نعيد ذكر تلك المقترحات لإيماننا إنها تعين على رسم الطرق المستقيمة نحو الحوار القائمة الاعتراف والاحترام المتبادل بين أجيال المستقبل في البلدين الجارين . *الجبراكة هي حديقة منزلية تقع من الناحية الخلفية ؛ جزء من التقاليد في الثقافة القروية في إفريقيا ان تكون للعائلة حقل صغير بجوار المنزل ؛ عادة يزرع فيها محاصيل المطبخ العائلي ؛ وتخزن فيها الحبوب وبعض الأغذية النباتية ؛ وتحفظ بجوارها الماشية وتحاط بسور من الشوك. منعم سليمان مركز دراسات السودان المعاصر اكتوبر 2009