ماذا بعد انتخاب رئيس تشاد؟    يس علي يس يكتب: الاستقالات.. خدمة ونس..!!    500 عربة قتالية بجنودها علي مشارف الفاشر لدحر عصابات التمرد.. أكثر من 100 من المكونات القبلية والعشائرية تواثقت    قيادي بالمؤتمر الشعبي يعلّق على"اتّفاق جوبا" ويحذّر    مبعوث أمريكا إلى السودان: سنستخدم العقوبات بنظام " أسلوب في صندوق كبير"    حمّور زيادة يكتب: من الخرطوم إلى لاهاي    (ابناء باب سويقة في أختبار أهلي القرن)    عصار الكمر تبدع في تكريم عصام الدحيش    عبد الفضيل الماظ (1924) ومحمد أحمد الريح في يوليو 1971: دايراك يوم لقا بدميك اتوشح    قصة أغرب من الخيال لجزائرية أخفت حملها عن زوجها عند الطلاق!    الهلال يتعادل مع النصر بضربة جزاء في الوقت بدل الضائع    كيف دشن الطوفان نظاماً عالمياً بديلاً؟    محمد الشناوي: علي معلول لم يعد تونسياً .. والأهلي لا يخشى جمهور الترجي    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    حادث مروري بمنطقة الشواك يؤدي الي انقلاب عربة قائد كتيبة البراء المصباح أبوزيد    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    تستفيد منها 50 دولة.. أبرز 5 معلومات عن الفيزا الخليجية الموحدة وموعد تطبيقها    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تخطف قلوب المتابعين وهي تستعرض جمالها ب(الكاكي) الخاص بالجيش وتعلن دعمها للقوات المسلحة ومتابعون: (التحية لأخوات نسيبة)    شاهد بالصورة والفيديو.. "المعاناة تولد الإبداع" بعد انقطاع الماء والكهرباء.. سوداني ينجح في استخراج مياه الشرب مستخدماً "العجلة" كموتور كهرباء    بالفيديو.. شاهد رد سوداني يعمل "راعي" في السعودية على أهل قريته عندما أرسلوا له يطلبون منه شراء حافلة "روزا" لهم    برشلونة يسابق الزمن لحسم خليفة تشافي    البرازيل تستضيف مونديال السيدات 2027    إسبانيا ترفض رسو سفينة تحمل أسلحة إلى إسرائيل    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    منتخبنا فاقد للصلاحية؟؟    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نشاطي المتواضع في اتحاد الشباب السوداني..بقلم : حسن الجزولي
نشر في حريات يوم 16 - 02 - 2012


حسن الجزولي..
هذه مقتطفات من ذكريات أستعادتها ذاكرتي من ركام سنوات طويلة مضت، أحاول فيها عكس تجربة متواضعة ربما تسهم في إثراء النقاش حول اتحاد الشباب السوداني وقضاياه الحالية، وإني إذ أدلي بدلوي في هذه المناقشة العامة – التي بادر بها صديقنا وابن اتحاد الشباب د. مجدي اسحق والتي أرى أنها تأخرت طويلاً – لا أرغب في تجريح أحد أو الهجوم الشخصي على مواقف بعينها بقدر ما أنشد الموضوعية والنقد الايجابي لتصحيح المسارات، إنطلاقاً من إحساس مخلص بأني أحد أبناء هذه المؤسسة العريقة التي ربتني وأحسنت تربيتي وساهمت في تغيير مسار حياتي، وأنا إذ أكن لها محبة وإخلاصاً فأرى أن علاج الضمور الذي أصاب جسدها يتجلى في فتح الجراح وتضميدها عن طريق تعريضها لأشعة الشمس لتندمل التقرحات للأبد، وليس بالتغاضي عن النزيف الذي يمكنه أن يتسبب في تحويل الضمور البائن إلى شلل تام. إعتماداً على تاريخ ومواقف اتحاد الشباب، على دستوره ولوائحه، وتلك الصفحات الناصعة البياض والوطنية التي إجترحها اتحاد الشباب السوداني طيلة تاريخ ممتد جنباً لجنب مع قوى شعبنا الحية، وكان عبارة عن سنوات من النضال الصبور في سبيل تعزيز استقلال بلادنا ومن أجل الحريات والديمقراطية والتقدم الاجتماعي، وإذ أنظر لتاريخ هذه المؤسسة الاجتماعية العريقة، إنما أنظر لصف طويل من قافلة لنساء ورجال، فتية وفتيات رحلن ورحلوا بعد أن صاغوا أنفاسهم وأرواحهم حباً وهياماً باتحاد الشباب السوداني وأعطوه من شراينهم ما يمكن أن يضخ الحياة بجسده إلى أبد الآبدين. كما أنبه إلى أني لا أود الدخول في سجال في الوقت الحالي إلا بعد أن أنهي مداخلتي هذه وكان الله في عون الجميع.
بعد انقلاب مايو عام 1969، إنتظمت ضمن مجموعة من شابات وشباب الاشلاق من أجل تأسيس فرع لاتحاد الشباب السوداني، بحيث يكون مستقلاً عن فرع بانت، وبالفعل تم انتخابي في أول لجنة تنفيدية للفرع كمسئول ثقافي وأمين لدار الاتحاد الذي منحه لنا قائد الكلية الحربية وقتها، فوجدت نفسي في لجج الاجتماعات وتنظيم شبيبة الحي، إلى جانب الدورات الرياضية والاحتفالات التي انتظمت الحي لمختلف المناسبات. وما زالت مناظر بعينها تمر بخاطري عندما تمر مثله هده الذكريات، أقواها دورات محو الأمية التي أقمناها، وإن أنس لا أنسى أعداد “نساء الاشلاق” اللاتي انتظمن بشغف لمحو أميتهن، وعيونهن تبرق بالرغبة الصادقة في أن يلجن لمواقع المعرفة والانعتاق من “وصمة عار” الأمية والجهل. كذا ينطبق الوضع على أزواجهن من صفوف جنود إشلاق الجيش، الذين ساهم انقلاب 25 مايو في تنبيههم إلى إنسانيتهم. ومن خلال هذه التجربة المباشرة أذكر أني قدمت ورقة …في أروقة اتحاد الشباب فيما بعد، بخصوص ما أصبح يسمى الآن بال ” الخدمة الالزامية ” وما لازمها. فلقد اجتهدت في تقديم ورقة مع زملاء آخرين من اتحاد الشباب، فترة الانتفاضة والتحول الديمقرطي، لكي تتبنى الجهات المسئولة، روح ومعنى الغرض من ما يسمى ” بالخدمة الالزامية ” بحيث أن الالزام يكون بأن يساهم كل خريج في تأهيل أكاديمي لواحد على الأقل من الذين يرغبون في محو أميتهم، أو أميتهن من المواطنين السودانيين، وما كنا نظن بأن مقترحنا ذاك ونحن في ميعان الصبا والشباب، كان يختمر في سياسات قوى سياسية ضمن تدبيرها بليل لأخد كل السلطة بين أياديها لتختزل قيمة الالزام الوطني بمحو الأمية، فيما سمته ” دفاعنا الشعبي .. يا هو دي”، هكذا كان نشاطنا في تلك الفترة.
”الصورة المرفقة تظهر الشاعر الراحل صلاح أحمد إبراهيم والقاص الراحل خوجلي شكر الله ضمن وفد اتحاد الشباب السوداني في الهرجان العالمي للشباب والطلاب بصوفيا عام 1957وتجلس في المنتصف ملهمة صلاح أحمد إبراهيم التي كتب فيها أغنية يا مريا”
في منتصف السبعينات صدرت من اللجنة التنفيذية لاتحاد الشباب السوداني وثيقة “نحو حركة شبابية غنية المحتوى ومتعددة المنابر” وقد ساهمت هذه الوثيقة في نقلة نوعية بالنسبة لنشاط الاتحاد في وجهة التكيف مع ظروف العمل السري، باعتبار أن نشاط الشباب بشكل عام ليس سياسياً بحتاً وهو لا ينمو ويفرهد إلا في أجواء الديمقراطية والتعددية والحريات العامة الفسيحة، وها هي الديكتاتورية العسكرية لمايو قد جثمت على صدر الوطن وكتمت أنفاس الناس، وتأثرت فروع اتحاد الشباب بهذا الوضع فانكمش نشاطها وتراجع، فكان لا بد من البحث عن وسائل ومداخل جديدة للتلاؤم، فجاءت هذه الوثيقة لترقية أشكال العمل التنظيمي وتطور من إمكانيات تنوع المداخل للعمل وسط الشباب السوداني، في ظل الظروف غير القانونية لنشاط اتحاد الشباب، من جانب، ولكي تتشرب روح وطبيعة الشباب في تبني كل ما هو جديد وحديث وحيوي وغير تقليدي. كنت في هذه الفترة قد انتقلت للعيش مع الأسرة بالحارة الخامسة بمدينة الثورة بأم درمان، وهناك التحقت بفرع لاتحاد الشباب السوداني، و قد تكون الفرع إنطلاقاً من روح وثيقة “نحو حركة شبابية غنية المحتوى”، حيث ساهمت مع مجموعة من الأصدقاء الديمقراطيين (صالح عركي، الباقر موسى، أميرة الجزولي، محمد طه القدال، كمال عووضة، عمر العالم، يوسف العريفي، علوية العالم، الراحلة نوال شريف، صلاح ركب، منى الجزولي، أحمد شريف، مدني علي مدني، مها الجزولي، الفاتح العالم، مجدي الجزولي، أشرف أبوعكر، إستقلال طه، د.مصطفى مدثر، إعتدال كمبال، محجوب شريف، فاطمة كمبلاوي، والراحلين خليل أحمد علي، حافظ مدثر، إبراهيم عبدون، في تأسيس “جماعة فتيان الصحوة” وهو تنظيم شبابي ديمقراطي تقدمي، برز في خضم الصراع الاجتماعي والسياسي وجدب وتأزم الحياة الفكرية والاجتماعية لتلك الحقبة، إهتم تنظيم ” جماعة الفتيان ” بكثير من القضايا التي تهم الشباب من الجنسين ويهدف لتنمية وتطوير قدراتهم وهواياتهم في مختلف أوجه النشاط الاجتماعي والثقافي، كالقراءة والاطلاع ومناقشة الكتب الأدبية وتلخيصها في شكل جماعي، إضافة للاهتمام بالموسيقى والرقص وحلقات الاستماع، السينما والمسرح، والرياضة والرحلات وحفلات الموسيقى والبارتيهات والاحتفال الجماعي بأعياد الكريسماس ورأس السنة والمناسبات الوطنية والدينية وخلافه.
” الصورة المرفقة لبعض أعضاء اللجنة التنفيدية لاتحاد الشباب السوداني في نهاية ستينات القرن الماضي مع وفد شبابي أجنبي زائر لهم في الخرطوم، ويظهر خليل الياس رئيس الاتحاد والشهيد حامد عبد العزيز مندوب اتحاد الشباب السوداني باتحاد الشباب الديمقراطي العالمي والدي استشهد عام 1973 عند سقوط الطائرة التي كانت تقله من براغ لبودابست مع مجموعة من الوفود العالمية، الرجاء لمن له معرفة ببقية الشخصيات التي في الصورة المساهمة في توضيحها”.
وهكذا قضى وفد السودان نحواً من خمسة عشر يوماً في تلك الجزيرة الساحرة، التي كانت قد وصلتها الآلاف من شبيبة العالم من مختلف مشارب الأرض ومغاربها، زرافات ووحدانا، و أما بالنسبة لنا فقد وصولنا إليها عبر مدينة أوديسا السوفيتية بالبحر الأسود، حيث استقلينا باخرة ضخمة مخرت عباب المحيط الأطلنطي عبر دول ومدن وبقاع وأمكنة أشهرها “مثلث برمودا الشهير” وكنا لمدة 21 يوماً نعيش داخل تلك السفينة التي تمور فيها تفاصيل أيامنا بالبهجة والمرح والحبور و “ألق الشباب”، 21 يوماً كانت كافية لنتعرف ببعضنا أولاً، نحن شبيبة الداخل والخارج من السودانيين، الدين جئنا لهدا المهرجان من كل فج عميق، إلا أننا أشتات من حتات كتيرة!، بحيث لم يتح لنا النظام الديكتاتوري المايوي فرصة التعارف على المشتوى الاجتماعي!. فأقمنا صداقات داخل الباخرة وفعاليات صاخبة كنا فيها الأبرز بين الوفود والشعوب ونحن في أحضان الأطلنتي!، حتى أطلت علينا هافانا من بين ضباب البحر الكاريبي بفتنتها الآسرة. وفيا بعد ودعناها بكل لغات الدنيا شاكرين لها مودتها ونحن نردد باللغة الاسبانية “كراسياس كوبا”!. وأما حين عودة جزء من وفد الداخل – وقد كنت ضمنه – حال وصولنا مطار القاهرة في طريق عودتنا عبر عدة دول “صديقة” لتمويه الزيارة،، “كمشنا” جهاز المخابرات المصرية!، فاعتقل أربعة منا أربعة أعضاء، كنت من ضمنهم، إضافة للصديق الراحل العازف البارز عبد الرحمن عبد الله، وتم إداعنا سجن التراحيل بالقاهرة، حيث باشروا معنا تحقيقاً مكثفاً من أجل الاعتراف بمشاركتنا في المهرجان العالمي، كانوا يريدون منا أن ندلي بأسماء الوفد المصري المشارك في المهرجان من القوى الديمقراطية والوطنية المصرية التي شاركت بالفعل!، وقد هددنا صراحة “المقدم وفيق” الذي تولى التحقيق معنا بأن “الجهاز” يمكنه ببساطة أن يلفق تهمة ضدنا، مفادها أننا جئنا القاهرة بمخطط لاغتيال الرئيس السادات، إن لم نساعده في التعرف على أعضاء الوفد المصري!، بصراحة خفنا من “العدة” وعلى أنفسنا!، ولكن أمكن لنا التماسك، خاصة ونحن أصلاً لاعلم لنا بالشخصيات المصرية التي شاركت، وكان لتماسكنا واصرارنا على عدم الادلاء بأي معلومات بما فيها مشاركتنا في المهرجان، إضافة لابلاغهم بمعلومة أن أسرنا تعلم سلفاً، بمكان اعتقالنا بواسطة اتحاد المحامين العرب الذي كان الأستاد فاروق أبو عيسى يتولى رئاسته في تلك الفترة، كان لكل ذلك أثراً في إطلاق سراحنا، وإبعادنا من مصر، وكم أذكر كيف تم تسفيري بالقطار إلى السودان وأنا مخفوراً ومجنزراً من يدي بواسطة “جاويش مصري جشع بشع ومبتز”!، و قد كنت وسط الشرع المصري وأنا مجنزراً مخفوراً ومهاناً، لا تهمني مطلقاً نظرات المصريين لي، بقدر ما كان أخوف ما أخافه، أن يلتقيني سوداني عابر فيظن بي الظنون!، ولا أدري ، هل إلتقاني أي أحد من هؤلاء في زحمة مدينة كالقاهرة أم لا!، نهايتو .. وعند وصولنا للباخرة في أسوان سلمني ذاك “الجشع” لضابط شرطة سوداني شاب، كان بانتظارنا في الباخرة، وعند مشارف مدينة وادي حلفا، وقبل أن ترسو الباخرة، طلبني ذلك الضابط في مكتبه المخصص، ونقل لي توجيه السلطات المصرية بتسليمي لجهاز أمن الدولة السوداني، ولكنه قرر أن يتركني لحال سبيلي، ثم أعاد لي جواز سفري الذي كان جهاز المخابرات المصري قد صادره مني، دون حتى حتى أن يسألني من حقيقة التهمة الموجهة لي من قبل جهاز المخابرات المصري،إن كان طرح لي السؤال، ما كان عندي إجابة له! .. وحتى اليوم لا أدري ما هي التهمة التي وجهت لي من قبلهم؟ مادا فعلت في الأصل لكي يعتقني جهاز مخابراتهم، إن لم تكن العقلية الديكتاتورية الشمولية والاهانة لحريات الناس وخيراتهم!؟، شكرت ذلك الضابط الشهم الذي لا أعرف حتى أسمه ولم التقيه منذ تلك الفترة، وغادرت الباخرة وأنا أتنسم رائحة أهلي السودانيين في مدينة وادي حلفا، موفور الكرامة وسطهم، وأنفي يشمخ للعلا!. وهكذا ومنذ تلك الفترة لم يتسن لأي من المشاركين في ذلك المهرجان التحدث عن تفاصيله طيلة السنوات التي مرت مريرة، إلا بعد سقوط النظام المايوي واستعادة شعبنا لحرياته العامة، فبادرت بكتابة مقال بصحيفة الميدان حول تلك الرحلة الشبابية الرائعة لكوبا وكان بعنوان ” على شرف التحضير لمهرجان الشباب والطلاب بموسكو .. نعم الخرطوم ليست موسكو”!،وذلك في فترة التحضير للمهرجان الثاني عشر بموسكو الذي صادف ولادة الانتفاضة، وكم أذكر أن مقالي ذاك وجد ترحيباً واسعاً وفتح مناقشات جمة ساهمت في التعريف بحركة المهرجانات التقدمية العالمية وتوسيع دائرة التحضير لفعالية موسكو، ما شجع بعض عضوية الوفد لعكس تجاربها، فكتب الراحل عبد الرحمن عبد الله على ما أدكر ، وكتب إبراهيم البخيت وكتب الشاعر معتصم الازيرق وبعض الزملاء الآخرين، منهم آمنة العاقب وحسن وراق.
” الصورة المرفقة لجانب من مشاركة الوفد السوداني في مهرجان هافانا”
* أتابع سرد تجربتي المتواضعة في اتحاد الشباب السوداني فأقول:- أن فرع اتحاد الشباب السوداني باشلاق الجيش ببانت قد ضم أعداداً من بنات وأولاد الدياشة، الذين من النادر أن ينشغل آبائهم وأولياء أمورهم بالسياسة، أو يتداخلوا مع مجتمعات “الملكية” إلا فيما ندر، ولكن الملاحظ في جنود وجنود صف الاشلاق، تداخلهم مع حياة الملكيين بحي بانت بشكل عام، بسبب الموقع الجغرافي للاشلاق نفسه، من حيث تداخله مع حي بانت شرقاً وغرباً، خلافاً لاشلاقات الجيش التي تكون في العادة معزولة ومنحصرة بعيداً عن أحياء المدن، لذا فإن جنود وضباط صف الاشلاق وجدوا في حيوية الحياة في حي بانت سلوى لهم، من حيث نادي الحي وأنشطة الرياضة وكرة القدم فضلاً عن سينما بانت التي تتوسط حي بانت، فتأثر أبنائهم بكل ذلك، فشكلوا جزءاً من حياة سكان حي بانت وتداخلوا معهم كجيران وعشيرة في أفراحهم وأتراحهم، وقد كان لوجود عدد من سكان الاشلاق من فتيته وفتياته بفرع اتحاد الشباب السوداني بحي بانت، التأثير الذي ساهم في إنجاح تأسيس فرع مستقل للاتحاد في اشلاق الجيش، وضم ذلك الفرع أسماء من العضوية من كل الجنسين ( بخيت الصادق، حيدر عبد الرسول، الراحل د. أحمد الشامي، عوضية، أميرة الجزولي، الراحل إبراهيم عبدون، عبد المنعم الجزولي، عبد المحسن عثمان، الراحل محمد بابكر، الراحلة علوية علي صالح، عيشة موسى وغيرهم)، جرت المياه تحت الجسور، خاصة جسر “خور أبعنجة ” داخل حدود حلتي التي سكنتها وسكنتني، وسرعان ما انزوى كل ذلك النشاط بعد قرار حل اتحاد الشباب السوداني وقفل دوره ومصادرة أملاكه، وتم التشديد على القرار في أعقاب فشل انقلاب 19 يوليو 1971. فيما بعد الحق فرع الاشلاق بفرع بانت بعد ضمور النشاط في كل فروع الاتحاد وظروف العمل السري، فساهمت بشكل متقطع في نشاط تلك المرحلة كمقاومة نزام مايو عن طريق توزيع ولصق منشورات باسم الاتحاد في شوارع الحي وعلى السيارات والمركبات العامة، ليس أكثر، ومنذ ذلك الوقت انقطعت صلتي بالنشاط العلني لاتحاد الشباب السوداني طيلة 16 سنة، والذي لم أستعيده إلا لمدة خمسة أشهر فقط بعد انتفاضة مارس \ أبريل المجيدة، وبعدها غادرت السودان للدراسة بالخارج، ولم أعد للبلاد إلا بعد انقضاء 22 عاماً من مغادرتي السودان. أذكر الفترات وأركز على السنوات لكي ألج لاحقاً للظروف والملابسات التي دفعتني لكي أبتعد عن أروقة اتحاد الشباب، رغماً عن الانتفاضة التي وفرت لنا أمكانية معاودة النشاط والتي لم يمض عليها سوى خمسة أشهر فقط.
ملحوظة:- لا تفوتني الاشارة إلى أن بداية عام 1970 شهد انعقاد مهراجان للشباب والطلاب من الجامعات والثانويات، بمدينة جوبا بالجنوب، حيث أشرف عليه اتحاد الشباب السوداني في وجهة تعميق شعارات الوحدة والحل السلمي لمشكلة الجنوب من وحي برنامج 9 يونيو الذي طرحه الشهيد جوزيف قرنق وزير شئوون الجنوب وقتها، وبما أننا لم نكن من معاصري تلك المرحلة فإنبه الذين شاركوا فيه أن يعكسوا تلك التجربة للأجيال الحالية.
” الصورة المرفقة تبرز شعار اتحادالشباب السوداني والذي جاءت التوصية بتغييره لكي يلائم طبيعة التعدد في اطار السودان الواحد و لكن لم يتم تنفيده لأسباب سنتعرض لها لاحقاً!.
نشط اهتمامي بالكتابة والقراءة وتنمية قدراتي في القصة القصيرة والمقالات فنشرت مجموعة من القصص في الصفحات الأدبية لصحيفتي الأيام والصحافة، وأذكر أني كنت ضمن العشرة الأوائل في مسابقة القصة القصيرة التي نظمتها الندوة الأدبية بأم درمان برئاسة الأديب الراحل عبد الله حامد الأمين، في إطار أحتفالاتها بيوبيلها الذهبي، كما بدأت نشر بعض المقالات في مجلة الاذاعة والتلفزيون والمسرح ولاحقاً مجلة الثقافة السودانية، ولاحقاً التحقت بدورات تدريبية في فن التحرير والصحافة، فضلاً عن التحاقي بمعهد الدراسات الاضافية لنيل دبلوم الاعلام والعلاقات العامة، فتم اختياري من قبل قيادة اتحاد الشباب السوداني، كمراسل صحفي لمجلة “الشبية” السرية الناطقة بلسان اتحاد الشباب، وكانت هذه هي الفترة التي التقيت فيها الأستاذ عبد الله علي أبراهيم، الكادر القيادي في الحزب الشيوعي السوداني وقتها وعضو اللجنة التنفيدية المنتخبة من المؤتمر الثالث للاتحاد والذي كان مختفياً عن الأنظار ويعمل تحت الأرض، والمشرف على إصدار مجلة الشبيبة السرية في تلك الفترة، وقد كانت فترة خصبة في حياتي، أفادني فيها الأستاذ عبد الله كثيراً، حيث استطعت تطوير قدراتي في التحرير الصحفي والاهتمام بمجالات معينة في قضايا الشباب بشكل عام وكثفت من قراءاتي حول حركة وقضايا الشباب الاقليمية والدولية،. ما أتاح لي فرصة إختياري من قبل قيادة اتحاد الشباب للمشاركة في فعاليات المهرجان العالمي الحادي عشر للشباب والطلاب والذي عقد بهافانا بكوبا عام 1978 ضمن مناديب هيئة تحرير مجلة الشبيبة الذين انتظموا مع بقية الوفد السوداني المتسلل إلى أرض المهرجان.
شكل تسلل وفد الداخل للمشاركة في المهرجان الحادي عشر للشباب والطلاب المنعقد بهافانا عاصمة كوبا الاشتراكية، عنصر مغامرة بمعنى الكلمة في فترة كانت فيها أجهزة نظام نميري قد أحكمت قبضتها الأمنية على البلاد وطوقت أي محاولة لنشاط داخل السودان دعك عن النشاط السياسي خارجه!، لذا فقد كان لالتحام وفد الداخل مع وفود القطاعات السودانية القادمة من مختلف بقاع العالم، بمثابة نجاح منقطع النظير في تجارب السودانيين كسر أطواق العزلة والالتحام بشعوب العالم. كان الوفد كبيراً ولم يكن سياسياً فحسب، بل رياضياً فنياً ثقافياً ترفيهياً أيضاً، ضم تشكيليين وسينمائيين وكتاباً وشعراء وموسيقيين، إتحاد نسائي، اتحاد شباب، جباه ديمقراطية، معلمون، أطباء، طلاب وعمال. تم استقبال وفدنا بحفاوة منقطعة النظير في استاد هافانا الضخم ليلة الافتتاح، وهتفت آلاف الوفود للشعب السوداني ومجدت نضاله ضد الديكتاتورية العسكرية، وقد أمكن لوفدنا توسيع دوائر التضامن مع الشعب السوداني في نضاله من أجل اسقاط نظام النميري، باللقاءات الثنائية والجمايرية مع غالبية وفود شباب العالم، وقد كان للقاء وفدنا بوفد شبيبة الجزيرة العربية “السعودية” بطلب منهم أثر بالغ، تميز بالانبهار من وجود مثل وفد كهذا في مهرجان لشبيبة تقدمية، علماً بأنهم قد ظهروا في مسيرة طابور الافتتاح بأقنعة على وجوههم، ولكنهم حينما التقونا كشفوا الأقنعة عنهم بعيداً، ففوجئنا بأن وفدهم يضم ” ملاحة فتيات حجازيات ” تبرق أعينهن بوميض من الذكاء والمعرفة والمثاقفة السياسية والأدبية!. مع معرفة جيدة بواقع السودان وطبيعة النظام الديكتاتوري الذي يحكم البلاد، وكم أدهشنا في برامجهم السياسية التي يناضلون من أجل تحقيقها بوجود بند يتحدث عن ضرورة سن قانون رادع للحركة في الشوارع الرئيسية في مدن السعودية الكبرى، من أجل معالجة ظاهرة حوادث الحركة المميتة والمرتفعة النسبة دون رادع لطيش السائقين!. كما أتيح للوفد لقاء شخصيات سياسية وفنية وأدبية عالمية وإقليمية بارزة كياسر عرفات وأبو أياد وسامورا ميشيل والشيخ إمام والمغنية التقدمية جوان بييز ومريم ماكيبا والمناضلة الزنجية أنجيلا ديفز وكل من الشعراء الفلسطينيين دحبور ومريد البرغوثي ثم محمود درويش، الذي القى علينا في أمسية شعرية مخصصه له قصيدته الجديدة في تلك الفترة “أحمد الزعتر”. فضلاً عن أن بعضنا التقى الزعيم فيدل كاسترو، وفينا من صافحه حتى!.
” ” الصورة المرفقة لوفد اتحاد الشباب السوداني باستاد هافانا في ليلة افتتاح المهرجان الحادي عشر للشباب والطلاب الدي عقد بكوبا عام 1978.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.