محمد عثمان كجراي.. لم يكن وقع عبارة رجل الأمن بأحد أقسام الشرطة ونحن نتجول عليها ، لتكون أقل استفزازا وهو يتحدث لي ( أن الفي راسنا بنسويهو والإجراءات الدايرنا بنعملا ) مؤكدا وبجدارة طبيعة الوضع القانوني والعدلي الذي يتدهور لقاع سحيق كجزء من عجلة الإنهيار الوطني الشامل ، لكن لنقرأ على عجل ماهو الإطار القانوني الذي تمت تحته عملية إقتحام القوات النظامية والامنية لداخلية الطلاب بجامعة الخرطوم وإعتقالهم ووضعهم بالحراسات وفتح بلاغات في مواجهتهم - اقتحام قوات الشرطة للداخلية: تعتبر الداخلية من ناحية هيكلية وإدارية تابعة للصندوق القومي لدعم الطلاب ، وهي مهمة اشرافية متكاملة ولنقرأ دور الصندوق وفق قوانينه المنظمة في كل من قانوني 1992 و2005 الساري حاليا ، إذ حصر القانون أدوار الصندوق في كفالة الطلاب الفقراء مادياً، وكذلك ترقية خدمات مؤسسات التعليم العالي وتهيئة البيئة السكنية الملائمة، والقيام بالدور التربوي والتوجيهي تجاه الطلاب بالتنسيق مع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي إكمالاً لدور التعليم العالي، والقيام بالدور التربوي والتوجيهي تجاه الطلاب بالتنسيق مع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي إكمالاً لدور التعليم العالي) . وبالتالي لا يوجد أي مكان لقراءة(مدغمسة) تبيح للصندوق إتخاذ إجراءات أمنية مباشرة وقمعية ضد الطلاب . علاقة الطلاب بالصندوق علاقة تعاقدية : إذ أن الطالب متى ما توافرت فيه الشروط الواردة وفق لائحة إسكان الطلاب 2008 ( طالب بكالوريوس مسجل ويدفع أمنية عند التسجيل تخصم وفق ما يتلفه الطالب من عهد) مثله مثل المؤجر ، لا يمكن إخلاؤه بالقوة الفردية ودون انذار مسبق ، وقرار الداخلية المعلن واضح: ألا توجيه بإخلاء الداخلية من طلاب جامعة الخرطوم ، وبالتالي لا يشكل إعلان الداخلية إنذارا بالإخلاء يبرر إستدعاء قوات الشرطة لتنفيذ الأمر . ثانيا: المعلومات الواردة حول فتح البلاغات من قبل الشرطة الشعبية: ما هي إختصاصات الشرطة الشعبية ، ستجهد بالبحث حقا إن كتبت في غوغل -قانون الشرطة الشعبية- ستجد العديد من اللقاءات والإحتفالات ولا ذكر لنص القانون ، مثلها مثل مؤسسات كبيرة في بلادنا تعمل بلا قانون ، أو بقوانين خفية دون أدنى ذرة من المنطق ! إزعاج عام وشغب: لجلجة وبهتان من أبرز سمات القانون ، أنه واضح ، ومحدد ، غير فضفاض ، وإن كانت كل هذه السمات لتقف محبطة أمام صياغة حزمة القوانين الجنائية بالسودان ، إلا أن ذات الصياغة المنتقدة ليصيبها الجزع في ذاتها من دغمسة ما صيغ ضد الطلاب من تهم وهي: الشغب والإزعاج العام ، وقبل البدء في تفنيد هذا الخطل القانوني المحض لنقرأ النصوص في ذاتها ، فالقانون الجنائي في المادة67 وضح جريمة الشغب على النحو الآتي يعد مرتكباً جريمة الشغب من يشارك فى أى تجمهر من خمسة أشخاص فاكثر متى استعرض التجمهر القوة او استعمل القوة او الإرهاب او العنف ،ومتى كان القصد الغالب فيه تحقيق أى من الأغراض الآتية: (أ) مقاومة تنفيذ أحكام أى قانون او إجراء قانوني، (ب) إرتكاب جريمة الإتلاف الجنائي أو التعدي الجنائي أو أى جريمة أخرى، (ج) مباشرة أى حق قائم أو مدعي به بطريق يحتمل أن يؤدي الى الإخلال بالسلام العام، (د) إرغام أى شخص ليفعل ما لا يلزمه به القانون أو لئلا يفعل ما يخوله إياه القانون. وإذا كان البلاغ في معظم الأقسام إن لم يكن كلها في مواجهة الطلاب تحت الفقرة (ج) أعلاه ، فالسؤالين المطروحين هما: أولا: ما هو الحق القائم أو المدعى به الذي يباشره الطلاب ؟ هل يعقل أن مباشرة حق السكن وفق تعاقدات صحيحة ومسبقة مع إدارة الصندوق ودون وجود قرار واضح بالإخلاء سببا لتكوين عنصر جرمي ؟؟ ثانيا: كيف يمكن لممارسة هذا الحق بطريقة تؤدي إلى الإخلال بالسلام العام؟ عند اقتحام الشرطة للمجمع ، كان الطلاب غالبهم في نوم عميق ، كيف يمكن للنوم وهو طريقة مباشرة هذا الحق-حق السكن- أن يؤدي إلى الإخلال بالسلام العام ؟ إلا إذا كان هناك قانون سري يحاسب على الأحلام والنوايا؟؟؟؟ مجموع هذا الخطل يستمر حين نقرأ التهمة الثانية : تهمة الإزعاج العام 7-(1) يعد مرتكباً جريمة الإزعاج العام من يقع منه فعل يحتمل أن يسبب ضرراً عاماً أو خطراً أو مضايقة للجمهور أو لمن يسكنون أو يشغلون مكاناً مجاوراً أو لمن يباشرون حقاً من الحقوق العامة . (2) يجوز للمحكمة اصدار أمر للجاني بايقاف الإزعاج وعدم تكراره ، اذا رأت ذلك مناسباً ، كما يجوز لها معاقبته بالسجن مدة لا تجاوز ثلاثة أشهر أو بالغرامة أو بالعقوبتين معاً. وعلى ضوء السوابق القضائية التي تشكل وفق إرثنا القضائي جزءا أساسيا من النظام القانوني ، لنقرأ سابقة حكومة السودان ضد عباس إبراهيم عبد الله 1973 إذ وضحت المحكمة في تعريفها للإزعاج العام بأنه:لإزعاج العام هو الذي يكون الضرر إلى يسببه موجها ضد أفراد الجمهور عامة وليس ضد شخص بعينه .وضروة أن يمتد الإزعاج العام لقطاع واسع من الجمهور أكدته سابقة حكومة السودان ضد م.أ.م م ا/ ا س ج/311/2007 من جديد تطرح التساؤلات الحقة : - ما هو الفعل المحتمل أن يسبب الضرر العام أو الخطر المضايقة - والإزعاج العام بالضرورة يشترط وجود مكان عام ، هل تعتبر الداخلية مكانا عاما أم سكنيا ؟ هل قامت الداخلية بخداع الطلاب وأجرت لهم شارع زلط عام ؟؟ أم ماذا ؟ وكيف – إذا ذهب البلاغ للمحكمة – أن تأمر المحكمة بوقف الإزعاج ؟ والذي هو بضرورة الحال وبالحالة التي وجد عليها الطلاب إما أن يكون : السكن في الداخلية أو النوم ! كيف تمت صياغة هذه الإتهامات ومن قبل من ؟ هذا في حيزه القانوني ، القوانين السيئة والعرجاء التي صاغها النظام لحماية مصالحه فلا يحرص هو ذاته على إحترامها ، وهم في ذلك ينسون قاعدة هامة : أن من حقهم أن يكونوا أغبياء ، لكن ليس من حقهم ولو لوهلة إفتراض غباء مماثل في الآخرين والأمر يتجاوز الإنتهاك الواضح للقوانين ، إلى إنتهاك وثيقة الحقوق بدستور 2005 ، والدستور هو أبو القوانين وحارس الحقوق متى ما صار ورقة لا تضر ولا تنفع ، انهار معبد العدالة والحرية ، على رؤوس الكل: فوفق شهادات عدد من الطلاب المعتقلين مثل إقتحام الشرطة للداخلية بشكل مداهمة لأوكار مخدرات في أفلام الأكشن ، إنتهاكا جسيما لحقهم في السلامة الشخصية وفق المادة28 ولحريتهم الشخصية المادة29 ، كما أن عدم تفهيم الشرطة لطبيعة التهم الوجهة لهم إلا متأخرا أو حرص رجال الشرطة على إعطائهم أرقام المواد دون طبيعة الجريمة وشرحها مخالفة لشروط المحاكمة العادلة وفق المادة 34(2) وفوق كل هذا ، فإن إنتهاكا لحق الطلاب في السكن والحقوق الأخرى المتعلقة بالتجمع وحرية التعبير ، إذ أن إقتحام الداخلية العار من كل غطاء قانوني يهدف لأمرين في منتهى السوء: إفراغ الداخليات تمهيدا لهدمها أو إعادة تشكيلها وفق أهواء أخرى ، وضرب حركة الطلاب وتقييد قدرة لجنتهم على العمل . هذا يشكل إنتهاكا لإلتزامات السودان الإقليمية الموضحة بالميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب ، والعهد الدولي للحقوق السياسية والمدنية المصادق عليهما من قبل حكومة السودان والذي يشكل جزءا من التزامات السودان الوطنية وفق الدستور بالمادة27 (2). هذا نقاس سريع مستعجل الخطى حول قراءة الأحداث في إطار قانوني لا ينفصم وطبيعة الحال عن المضمون السياسي والأمني لهذه الخطوة اليائسة والخاطلة ، والتي تستوجب تجمع أكبر عدد من الحقوقيين والناشطين والمدافعين عن حقوق الإنسان داخل وخارج السودان لإتخاذ خطوات تكفل حماية عاجلة ومنصفة للطلاب المتضررين