اْنني اْعلم تماماً باْني قد تاْخرت كثيراً في اْداء واجب العزاء عبر مقالة تعبر عن مدي حزني للفنان الراحل , نسبة لوجدي خارج البلاد , ولكن تؤدي الواجب متاْخراً خيراً من اْلا تؤديه نهائياً , هكذا تعلمت في قريتي كرنقو عبدالله باْقليم جبال النوبة, اْما الواجب الذي ينبغي اْن اؤديه فهو للراحل المقيم الفنان الكبير الفنان المبدع , الفنان الثوري , فنان الشعب الاْول ( محمد عثمان وردي )ولاْسرته الكريمة الصبر والسلوان . حقيقةً لقد صدمني رحيله المفاجئ الذي شل تفكيري , لذلك لم اْستطيع كتابة اْي رثاء اْو نعي اْليم في ذلك اليوم الاْسود الذي رحل فيه فنان اْفريقيا الاْول . وردي عانة معانة كل السودانين من نظام المجرم عمر البشير واْخوانه البلهاء . وردي وقف مع ثوار قوات التجمع في الجبهة الشرقية , غني لهم اْغاني حماسية ثورية , خفف عن اْلامهم بالاْغاني العاطفية , تبرع لهم من حر ماله لعلاج مصابي قوات الجيش الشعبي وقوات التجمع , كانت له صولات وجولات مع الحركة الشعبية , كان محبوباً جداً لدي الراحل المقيم د\ جون قرنق, بل كان صديقاً شخصياً له ولكل الجنوبين . ساْلت اْحدي الجنوبيات بالقاهرة تدعي نيبول سايمون طالبة بجامعة الزقازيق بمصر, عن الراحل وردي وكيف تلقت الخبر المشؤم وماهي شعورها نحو الفقيد ؟ قالت بلغة اْهل جوبا : اْنها مصدومة جداً من رحيله , لاْنه فنان وطني بجد وثوري وعاطفي , ومن النادر اْن تجد فناناً الاْن يستطيع اْن يجمع بين الغناء الثوري والغناء العاطفي العميق العذب , فما اْن تستمع الي اْغاني وردي العاطفية اْو الثورية , تشعر باْن تياراً منعشاً يجذبك ويشدك اليه , لا تملك اْزاءه اي مقاومة , فتترك نفسك مطمئناً واثقاً مستمتعاً باْغانيه العذبة حتي ينتهي , وختمت قولها بهذا الكلام الجميل : اْنه هو العملاق الراحل اْبن بلدي السودان محمد وردي , والله لا نعرف كيف نبكيه . وردي لم يبحث عن مغنم شخصي اْو يهتم باْجندة خاصة اْو قضية فرعية طوال حياته , ولم يطبل للنظام القائم الاْن بعد رجوعه الي السودان , مثل كثيراً من فنانين اليوم , فقط كانت اْجندته وغنائه وقضيته هو السودان الكبير شماله وجنوبه , كان يخاطب وجدان كل السودانين بمختلف لهجاتهم و إنتمائتهم العرقية , كان مغرماً جداً باْسعاد الاْخرين , هكذا هو الكبير الفقيد اْبن بلدي وردي , علي راْي اْختنا نيبول سايمون , مات وردي الفنان مرهف القلوب وترك الساحة الغنائية خالية للذين يغنون للعربية والركشة والجلابية والمكواة وراجل المرة والمؤخرة , مات الفنان الكبير رمز الوطنية وملهم الشعب , إن لله وإن إليه راجعون . لم اْكن اْعرف الفقيد وردي علي المستوي الشخصي , ولم يكن لي الشرف اْن اْلتقيه وجهاً لوجه , او حتي اْراه علي الطبيعة , رغم اْنني من المعجبين جداً بغنائه وفنه الاْصلي , اْلا اْنني في الوقت ذاته عرفته معرفة حقيقية من خلال كلماته واْغانيه الثورية والعاطفية والوطنية التي كان يطربنا بها ويشد من اْزرنا في اْنِ واحد . وردي رحل عن عالمنا إلي عالم الواقع المحتوم , لكن اْعماله ستظل باقية خالدة في قلوبنا , من منا لا يردد ولا يدندن في سره اْو علانيته ساعة الضيق والشدة , يا شعبٌ لهبة ثوريتك.. الخ .. , اْو من لا يقول لحبيبته اْو اْمه , اْو اْخته يا نور العين .. الخ.. , اْنني من خلال هذا المقال اْقترح , اْولاً: اْطلاق قناة فضائية اْو ذاعية باْسم الفقيد وردي , تعرض فيه اْعماله فقط , وتذهب عائد اْعلانات القناة الي مساعدة النازحين من القتال في جبال النوبة ودارفور والنيل الاْزرق ومنكوبي (سد مروي) الذين قذف بهم النظام في الصحراء . ثانياً: بناء تمثال عملاق له ينصب في اْكبر ميدان بالخرطوم , ويطلق علي هذا الميدان اْسم (ميدان وردي) , واْن لله واْن اْليه راجعون .