بسم الله الرحمن الرحيم… تصحيح المسار ام صحة الطريق… بقلم: المعز محمد احمد… انعقدت في بداية ابريل الهيئة المركزية لحزب الأمة القومي في ظرف استثنائي يمر به الوطن ويمر به حزب الأمة ذات نفسه، وبالضرورة فإن الظرف الاستثنائي الخاص بالبلاد يلقي بظلاله ويؤثر فعليا على حزب الأمة فيصبح ظرف حزب الأمة ظرفا استثنائيا مركبا، وهذا لا يعني بالضرورة عدم تأثر البلاد بالظرف الاستثنائي خاصة حزب الأمة، ولكن درجة الفاعلية والتأثير تختلف وتتفاوت في الحالتين. فانعقاد الهيئة المركزية لحزب الأمة جاء بعد مخاض وولادة متعثرة، إذ أنه من المفترض وحسب النظام الأساسي للحزب أن تعقد الهيئة المركزية اجتماعها كل عام، ولكن هذا الاجتماع هو الأول للهيئة المركزية بعد اجتماعها عقب المؤتمر العام السابع للحزب والذي عقد في عام 2009، بمعنى أن الهيئة المركزية قد فوتت عدد ثلاثة اجتماعات لم تعقدها- وقيل أن السبب هو عدم قدرة قيادة الحزب ومؤسساته على توفير المال اللازم لانعقادها،إلا أن السبب الظاهر في ذلك هو ضعف التنظيم والمؤسسة في الحزب والذي يجعل بدوره أمر تمويل وانعقاد اجتماعات مثل هذه الهيئات مرهون بشخص الرئيس فقط، هو الذي يوفر المال اللازم، وهو الذي يحدد متى يُعقد الاجتماع ومتى ينفض، رغم أن القيادة ظلت وفي كثير من الخطب والمقالات والمناسبات تفتخر بأنها قد قامت ببناء حزب مؤسسات وحزب ديمقراطي، على الرغم من علمها وعلم الجميع أن الحزب قد سقط في كل الاختبارات التي تؤسس للنظم والمؤسسة وللديمقراطية، وأولها اختبار الديمقراطية الذي نالت فيه وبمرتبة الشرف صفرا كبيرا، كيف لا وقيادة الحزب منذ أن تسلقت هرم القيادة وجلست على قمته في العام 1964 لم تتزحزح عنه قيد أنمله، ولم يستطع أحد نيل هذا المنصب غير رئيس الحزب المعلوم بالضرورة، والفائز بالتزكية في كل مؤتمرات الحزب التي عقدت، وثاني تلك الاختبارات الذي نال فيه حزب المؤسسات صفرا كبيرا هو عدم قدرته على عقد الاجتماع الدوري للهيئة المركزية في مواعيده المقررة بنظم ولوائح الحزب ولمده تقارب الثلاثة أعوام، بأعذار واهية وغير مقنعة، فأية مؤسسة تلك التي بُنيت لا تستطيع أن تعقد اجتماعا واحدا لهيئة هي الأعلى بعد المؤتمر العام؟ وبعد هذان الصفران الكبيران فعن أي حزب أو مؤسسات نتحدث ونفاخر الأمم ؟؟ وعن أي ديمقراطية نتكلم؟؟ إن الحرب المستعرة في دارفور أكبر مناطق قواعد حزب الأمة بالسودان ومركز ثقله، وذهاب ثلث البلاد الذي تستكين فيه وتحيا معظم قواعد الحزب بخيلهم ورجلهم مزاحما غيره من الأمم بأرضه وشعبه وعلمه ، واندلاع الحرب بالنيل الأزرق، وجنوب كردفان، والانهيار الاقتصادي بملحقاته وتوابعه من هزات ارتدادية في قيم الأخلاق والصدق والضمير والأمانة لهي ظروف استثنائية تمر بها البلاد وتنعكس على حزب الأمة وجماهيره باعتباره اكبر مكونات البلاد البشرية وعمودها الفقري، وتجعل من ظرف حزب الأمة الخاص به ظرفا مركبا ، ولكن ما هو الظرف الاستثنائي الخاص بحزب الأمة ؟؟ هناك ظروفا استثنائية يمر بها الحزب بل ظلت ملازمة له كظله تتشكل من عدة نقاط أهمها نقطتين وسنشير إليهما بغير ترتيب: أولا: إشكالية البناء و التنظيم: فقد ظل الحزب يعاني من اشكالية البناء والتنظيم منذ فترة ليست بالقصيرة والتي انعكست في الظواهر التي يعاني منها الحزب أهمها فشله في بناء تنظيم قوى ومؤسس يخاطب تطلعات وطموحات عضويته، ويعمل على تلبية احتياجاتها وتحقيق أهدافها، فكان أن تفشت ظواهر ملازمة يمكن اجمالها في الأتي: أ. احتكار القيادة والانفراد بصناعة القرار: فقد ظلت قيادة حزب الأمة منذ الستينات هي ذات القيادة ، وبالتالي نفس الأفكار والأطروحات مع قليل من مساحيق التجميل والمكياج مستوردة من بلاد العرب والعجم مستخلصة من قضايا إقليمية وإسلامية، نفس طريقة التعامل مع الآخر داخليا (داخل الحزب) فكانت القيادة هي اللاعب الأوحد في سوحه وميادينه، هي التي تفكر وترفد الآخرين بالأفكار …. هي التي تخطط وتختار من ينفذ بدقة ذلك الذي تتوفر فيه مواصفاتها التي تريدها وتعمل على تنفيذ أفكارها وتوجهاتها واهتماماتها الشخصية، لا ذلك الذي تنطبق عليه مواصفات المؤسسة والتنظيم ويعمل على تحقيق أهدافها وتلبية طموحاتها…. هي التي تضع الأساس لكل عمل ولا تكتفي بذلك فتأتي وتضع عليه اللمسات الأخيرة، وخارج إطاره على المستوي القومي هي الممثل الأوحد للحزب وللكيان والناطق باسمه، بل أكثر من ذلك فهو المالك والآمر والناهي والذي تأتمر القاعدة بأوامره إشارة، وتنتهي عن نواهية إيماءة، فقط تكفي أنه يريد هذا، ولا يريد ذاك فتنتخب الأجهزة وتتجمل المؤسسة لتظهر في ابهي صورها… ومن غيرها يستطيع أن يضع بلسما شافيا لمسألة الجمع بين القداسة والسياسة تلك المسألة التي قادت وأسست لأول انشقاق في تاريخ الحزب كانت القيادة الحالية بطلتها. القيادة هي وحدها التي تستطيع فعل كل ذلك ولا احد سواها، ولعل إشكالية الاحتكار هذه ستظل تشكل استثناءاً دائماً لحزب الأمة خاصة بعد رد القيادة في احدى الصحف السيارة على سؤال حول تفكيره في التنحي عن رئاسة الحزب وما إذا كان متمسك بها، حيث جاء ردها قاطعاً جازما أن الحزب (ويعني جماهيره وعضويته) يرده بقوة كلما فكر في التنحي ويطالبه بأن لا يفكر في هذا الموضوع مجرد تفكير… لماذا؟؟؟ لأنهم قادرون على رؤية الحاجة اليه في الحزب… وكأني بحواء الأمة والأنصار لم تلد غيره… هذه النقطة من الاشكالية ستظل تقض مضاجع الحزب وأهله لفترة طويلة. ب. الفشل في بناء مؤسسة اعلامية ومالية والقدرة على خلق آلية تنظيمية تستطيع أن تدير الحزب بشكل عصري وديمقراطي وبغير وصاية من أحد، وهذه المسألة لا يمكن حلها إلا إذا تخلصت القيادة من الوهم الكبير الذي ظلت تتعلق به وتردده بغير اكتراث لنتائجه السالبة على (الرعية والأتباع)و تجعله كمسمار جحا في دار الأمة وهو أنها هي التي تعطي حزب الأمة ولا تأخذ منه شئ. ثانيا: إشكاليات الانقسام والتشتت: هذه المسألة ارتبطت ارتباطا وثيقا بالنقطة الأولى المشار إليها آنفا ذلك أن احتكار قيادة الحزب لأكثر من أربعين سنة أحال أكثر من ثلاثة أجيال للصالح العام دون الاستفادة منهم في خدمة مصالح قواعد وأهل الحزب، فلا يعقل أن لا نجد في ثلاثة أو أربعة أجيال في كيان بعرض وثقل الأنصار وحزب الأمة من يستطيع أن يقود هذه السفينة باقتدار ويطبق قول الإمام المهدي (لكل وقت ومقام حال ولكل زمان وأوان رجال)، مع ملاحظتين مهمتين على المستوى الداخلي والخارجي، الأولى أن قيادة الحزب عندما تولت هذه المسئولية لم تتعد الثلاثين من عمرها. والثانية أن النظم الديمقراطية في كل بقاع الدنيا تضع سقفا زمنيا بعدد محدد من الدورات لتولي القيادة وذلك لإدراكها بضرورة تخطي عقبة ديمومة القيادة والأفكار وتحجرها وبالتالي نهاية الكيان أو المؤسسة. هذه الإشكالية تعتبر ظرفا استثنائيا يمر به الحزب دون إحصاء لعدد الانقسامات والاختلافات والانقسام من الانقسام. هاتين النقطتين تتفرع عنهما كثير من النقاط التي تصب في خانة الظرف الاستثنائي لحزب الأمة والذي أشرنا إلى انه قد أصبح ظرفا مركبا، ولكن من حيث التأثير نجد أن هناك تأثيرا مباشرا لكليهما على الآخر بدرجات متفاوته وسنشير هنا إلى خلاصة تأثير ظرف الحزب الاستثنائي على الوطن. فحزب الأمة شئنا أم لا متمدد في معظم القطاعات البشرية (المكون البشري) لشعب السودان، وهذا يعني أن جماهير حزب الأمة مكوّن رئيسي للشعب السوداني، يتمدد على طول وعرض الرقعة الجغرافية (الأرض) السودانية، وبنظرة بسيطة نجد أن مناطق ثقل ونفوذ حزب الأمة لها خاصيتان أو ميزتان هما: الأولى: أنها مناطق تماس مع دولة جنوب السودان على طول الحزام أو الشريط الممتد من أقصى غرب البلاد إلى أقصى شرقه مع الحدود الحبشية. الثانية: أنها مناطق تقع في عمق البلاد ايضا تعمل كرابط قوى بين أجزاء الوطن المترامي الأطراف، ذلك أن الوسط السوداني يعتبر من مناطق الثقل للحزب بعد غرب البلاد مع وجود أقل كثافة من الغرب والوسط في الشرق والشمال مما يؤكد الدور الفعال والحيوي الذي تلعبه تلك القطاعات في عامل الربط الذي ذكرناه. هذه الخاصية تجعل حزب الأمة مؤثر قوي بظروفه من ضعف أو قوة في مسيرة البلاد، ومتأثر أقوى بظروف البلاد، لذلك فلا بد من معالجة إشكالية الظرف الاستثنائي للحزب وذلك بدوره ستقود إلى معالجة الاشكاليات في الظرف الاستثنائي للبلاد. ويبقى السؤال المهم : هل قامت الهيئة المركزية في اجتماعها الأخير المشار اليه بمعالجة هذه الاشكاليات الخاصة بالحزب أم أنه فشلت فيه؟؟؟ في البدء لا بد لنا من أن نرفع القبعات ونحني الهامات تحية واجلالا لعضوية الهيئة المركزية لحزب الأمة التي بدأت أولى خطوات المعالجة لإشكالية الحزب، والتي ستقود بدورها إلى بناء حزب قوي وفعال يستطيع القيام بدوره في سبيل تحقيق تطلعات وآمال الشعب السوداني، فقد انعقدت الهيئة المركزية لحزب الأمة القومي في ظرفين استثنائيين، وما يعنينا هنا هو الظرف الاستثنائي الخاص بالحزب، إذ جاء هذا الاجتماع بعد تفويت ثلاثة من اجتماعات السنوية، وكان الكل يتوقع أن تخرج الهيئة كما تريد القيادة، ولكن المتابع لاجتماعاتها يجد أن الهيئة خرجت بما تريده جماهير الحزب وقواعده، واجتهدت لمعالجة أكثر نقطتين تؤثران سلبا على مسيرة الحزب وبالتالي على مسيرة ومستقبل البلاد، فما هي وكيف تناولت الهيئة هاتين النقطتين: أولا: قامت الهيئة بسحب الثقة عن الأمين العام الذي جاءت به القيادة وكانت تريد استمراره ويؤكد ذلك ما دار في اجتماع الهيئة، ولكن العضوية مارست حقها ضد رغبة القيادة الأبدية والأبوية، وأطاحت بالامين العام حيث كان الأمين العام هو من تريده القيادة- راجع ما دار في اجتماع الهيئة المركزية فيما يتعلق بسحب الثقة وترشيح الأمين العام ومحاولة القيادة الاتيان بمرشح آخر- ولكن في هذه المرة خالفت القاعدة رأي القيادة وأتت بمن تحب وترضي ولم ترضخ للاشارة التي ولى زمانها، وتعتبر تلك أولى الخطوات في سبيل التداول السلمي للسلطة من أعلى قمتها حتى أدناها، وأولى الخطوات للتعامل مع الظرف الاستثنائي للحزب ومعالجة إشكالية احتكار السلطة والقرار. ثانيا: قامت القيادة بقفل الباب أمام المسألة الثانية في الظرف الاستثنائي الذي اشرنا اليه آنفا وهي مسألة الانقسامات والاختلافات التي طالت الحزب واقعدته عن القيام بدوره المنوط به والمرتجى، فقامت القاعدة بفتح الباب أمام المصالحة ولم الشمل وجمع الصف مخالفة القيادة الرأي، وهذه خطوة جرئية وفي المسار الصحيح لمعالجة ما أشرنا اليه بالنقطة الثانية. ثالثا:أقرت الهيئة الخط السياسي للحزب والذي تم تغبيشه في زمن الأمين العام السابق وبموافقة القيادة، فقد ظل خط الحزب السياسي في منطقة رمادية غير معلومة لا هي بالحكومة ولا هي بالمعارضة ولا هي حتى بالطريق الثالث، فقط كان واضحا وبائنا الخط الذي يقوده الأمين العام وأعلن عنه بعد الاطاحة به، وهو أن الحزب قد اختار خط المواجهة، بمفهوم المخالفة فقد كان قد اختار خط المهادنة. ذلك كان هو خط الحزب الذي تصدت له القيادات والكوادر بالمهجر والداخل وشباب الداخل وكان من أهم العوامل التي قادت إلى فك الارتباط بين الحزب والشخص. دون الولوج في تفاصيل أكثر فيما حدث باجتماع الهيئة المركزية لحزب الأمة، من خلال النقاط المثارة أعلاه نجد أن اجتماع الهيئة المركزية وإن لم يلب طموحات الكل ويعمل على حل كل الاشكاليات الداخلية للحزب، إلا أننا نجده قد وضع الحزب على المسار الصحيح على الرغم من المحاولات الجارية الآن لجره مرة أخرى إلى الطريق السابقة- راجع البيان الختامي والتوصيات والتي لم تتسق مع ما دار في اجتماع الهيئة وما تمت مناقشتة خاصة في مسألة الخط السياسي وعملية لم الشمل والمصالحة- ولكن فقد انكسر القمقم انكسارا، وخرج المارد ولن تفلح محاولات اعادته إلى قمقمه مرة اخرى، والمارد هنا مارد اصلاح وليس افساد أو تخريب.