..بداية، لكلمة عيب في المخيال الشعبي للسودانيين حضور قوي ، ليست هي كلمة مجردة ، تسمعها هكذا ثم لا تقف أذنك عندها ، هي تكثفت في المعني حتي باتت تستوعب محمول نقدي كبير يطال هذا الكيان الكبير_المجتمع_ في تفاعلاته و حراكه و جميع سكناته ، و أعتقد أن كلمة بهذا المعني قد تكون موجودة في ثقافات شتي علي هذه الأرض و لكن في السودان و بالرغم من انه في الأحساس الجمعي هناك معتقد لديه بأنه ضمن ثقافة واحدة ممتدة تتدعي الشرق أوسطية . هذه الشرق أوسطية التي تورطت في وضع نفسها ضمن الثقافة الواحدة ذات الدلالات و النشاطات المتجانسة ما كان لها أن تستوعب محمولات قيمية واحدة ، متشابهة و منها بطبيعة الحال الدالة “العيب” و التي تختلف ضمن محمولاتها من مكان لآخر داخل زعم الثقافة الشرق أوسطية ذاتها و هذا مبحث عميق و طويل و كما يقول أحد الأسلاف “طويل و كمان جايب له عُرض” . .. أعتقد أن موضوعنا هنا هو الحديث عن هذه الدالة داخل محمولها السوداني و تحولاتها ..كان قبل وقت ليس بالبعيد، عندما يشتد الصراع حول شيء ما ..أو حين يحتدم النقاش حول موقف محدد بدر من شخص ما ..كانت لهذه الكلمة حضورها الحاسم و رادع و يضع الواقع تحت وطأتها موقع لا يتمناه المرء ابدا و لا يدخل ضمن حتي أحلامه في أطار محكمة المجتمع و المكان ..أذا هي كلمة تكثفت و حملت محمول نقدي مهول كفيل بحماية شخصية المجتمع لسنين طويلة و أنا عندي المجتمع شخصية معتبرة جدا ..هو كل من جزء ..مجموع الكترونات و نيترونات تشكل الذرة و هي الفرد كوحدة أجتماعية يتأسس عليها كامل المجتمع في أنساقه المختلفة هذا حسب تحليل الكاتب و الباحث البريطاني مارك بوكنان. أذا هذا المجتمع المحروس بقيم جليلة _طبعا هناك أحتمال لقيم سلبية_كانت تمثل الضامن لسلامته ..هذه الذرات _الأفراد تسيق واقع قيمي متعارف عليه لصالح كل _المجتمع_ و ضمن صيرورة هذ الكل تكون الصورة المقدمة للعالم و وفق تلك الصورة تمر أشياء كثيرة لا يمكن الأحاطة بها ، مثل شعب أمين ، شهم ،ذكي ، جاد ، كسول ، ذو دعابة و ..و ..الخ من الصور التي تعّرف الشعوب و تكون محفوظة في ذهنية الآخر عنها . .. هذا المحمول ليس ثابت كقوانين فيزيائية و لكنه متحرك ، يتحرك وفق تفاعلات المكان نفسه و أنعكاس مدي هذه التفاعلات علي الجزء ثم تغيير صورة الكل ثم تغيير الصورة عنك لدي الآخر الذي هو العالم بآثره . السؤال هو هل تغيرت صورتنا كسودانيين عندنا _الداخل_ و عند الآخر_العالم_ في هذه المرحلة ؟؟ هل لذلك التغيير علاقة بحراكنا الداخلي و بالتالي حدث تنازل عن أجزاء من محمولنا القيمي ؟؟و هل لذلك علاقة بدالة العيب ؟؟ و كيف يكون وضعنا معيباً ؟ هذه الأسئلة ضرورية جدا لمناقشة وجهة نظرنا هذه التي نطرحها هنا ، وعند شروعنا في الأجابة علي مثل هذه الأسئلة ، بالضرورة سوف يقودنا هذا للأشتباك مع محاور اخري ايضا لابد من الأشتباك معها ، بل هناك حتمية للأشتباك معها أذا كنا حريصين علي المضي قدما في سكة الأجابات . مثلا ، هل تغيرت صورتنا لأنفسنا كسودانين و عند الأخر ؟ أقول نعم تغيرت صورتنا و تزحزت للوراء كثيرا ..المجتمع الذي كان يضع كلمة عيب أو معيب كصفة لسلوك معين أصبح يتخفف كثيرا في تفعيل هذه الدالة و ما ذلك ألا شيئا اشبه بتعطيل الحدود في عام الرمادة..هناك تعطيل للقيم ..السنوات التي مر بها السودانيين من ضغوط أقتصادية و سياسات قهرية أشبه بضمة القبر كان لها القدح المعلي في تهشيم ضلوع كثير من القيم و التي توضع في خانة المعيب لمنتهكيها ..و الكل عندما يكونون عراة فعندها ياخذ العري صفة العادية ، ما أقصده هنا هو المعايير الجديدة لمرور الفرد في المجتمع ، فبعد أن كان المعيار للفرد و حفظ مكانته مثلا ، مثقف ، تاجر نزيه “يده نظيفة” ، ميكانيكي شاطر ، تعلم في مؤسسات الحكومة من البدء و حتي الجامعة ، …..الخ يعني في الماضي القريب كان ليس المهم مهنة الفرد أو وضعه المادي و لكن الشرط الأساسي لمروره في المجتمع هو الصدق و النزاهة و هي بالطبع تقف في الضد من الدالات التي تقع تحت حيز العيب ، و لو قارنا الأن مقارنة بسيطة بين ما مضي و الأن فقد تكون الأشارات كالأتي : تاجر كبير من عضوية الحزب الحاكم ، ميكانيكي أو اي فني “ماسورة ” _ هذا المصطلح يعني كاذب ، محتال ، غير موثوق فيه …الخ_ ، تعلم في مدرسة خاصة راقية جدا ، زول شاطر له فقط عام واحد في منصبه و بني العمارة و تنكب سيارة فارهة ،لا تعرف له مهنة محددة، صاحب تعاملات نقدية يفر بمبلغ كبير من شركائه أو زبائنه، و…..الخ . …أذا نحن أمام تحول سياسي أنتج تحول أجتماعي و بالتالي أدي الي تغيير في محمولاتنا المعيارية للأخلاق و القيم و من ضمنها دالة العيب . ..هذا التغيير لم يتربع في خانته المادية فقط ، بل خلق حالة أخري من التغيير الأجتماعي ، ألا و هي نظرة الذين ليست عندهم ضد العندهم بغير حق ..أذ أصبح الرهان هو هل من الممكن أن أكون جزء من المتغييرين أو المتحولين أجتماعيا بغير حق أو أكون من المعدمين و المنكورين أجتماعيا في كافة المعاملات ، بدءاً من المصاهرة الأجتماعية و أنتهاءاً بمجرد حق الجوار و المساكنة !! ..هذا الرهان شيد حقبة كاملة من التنازل في محمول القيم ..و أنتج مناخ من الكراهية و ساد الأحباط و ندر الأمل ، و في مجتمع أي كان و في أي زمان تكون هذي مواصفاته لأبد له من الضعضعة و الترنح و التراجع القهقري في محمول القيم و الدالات و الروح الوطنية و فقد الأنتماء_مثال إنفصال الجنوب يمر كحدث عادي_ ، لذلك أصبحت صورتنا تجاه بعضنا البعض غير واضحة و صورتنا عند الآخر الذي ضمن حراكنا معه في الداخل_مستثمرين أجانب_ او الخارج_مستخدمين لعمالة سودانية_ يكون قد لمس هذا التضعضع بوضوح كبير ، لذلك أصبحنا نسمع في الأونة الأخيرة أشياء ما كان له أن تحدث داخل السودان في المجتمع السوداني المحاط بدالة العيب الفارضة لسلطانها ضمن محمول نقدي و معياري كبير للقيم البطالة والشاذة أو عند السوداني الذي يمثل الصورة في الخارج ..أشياء تقشعر منها الأبدان و تصدم ما تبقي من الحس السليم و الوجدان المشترك لدي كافة السودانيين . ضمن هذا المشوار لهذا المقال هل هناك أسباب واضحة للذي وصلنا له ؟؟ الحكومة التي تحكم و دورها في رسم الصورة !! قيادتنا السياسية و صورتها في الخارج!!. .. أسوق هذه الأشارات مع علمي التام بأن حجر الرحي لكل مجتمع أنساني في قيمه و نسيج علاقته و وضعيته بين شعوب العالم يقع علي عاتق قيادته و القيادة السياسية تحديدا ، لأنه هي التي تضع البرامج الأقتصادية و المناهج التعليمية و الأففكار و البرامج التي تطور ثقافاته و الروح الرافدة لمواطنيه بالوطنية و الغيرة علي الصورة الكلية لوطنها و …الخ . ..هل السياسات التي وضعت للعشرين سنة الماضية كانت تحول دون هذا التغيير الأنحداري ؟؟هل الطبقة التي تمثل العندهم ليست لها أرتباط عضوي بالقيادة السياسية ؟؟هل صورة القيادة في رمزها الرئيس هل صورتها أضحت مقبولة لدي أي سوداني كان في الداخل أو الخارج ؟؟هل تحس كسوداني أنك تنتمي لهذا الممثل لك في مشارف عالم اليوم عالم العقول و الأفكار و الشراكات الحقيقية بين الحكام و المحكومين و هو يشارك بقاموس ضمن مفرداته “الحشرات” و عصا يلوح بها و جسد متهدل راقص عند المحن!!؟؟ هذه الأسئلة و غيرها أضعها أمامك القاريء العزيز و انا قمين بقدرتك الفائقة علي الأجابة بعد أن و ضعت من جانبي العنوان الكبير و الذي يقف محلقاً في فضائنا السوداني صبح ، مساء .. “وضعنا المعيب علي مشارف عالم متحضر” .