يوسف عمارة ابوسن… جاء آية الله الإمام الموسوي الخميني من باريس الي طهران وهو محمول علي أكف الطلاب وقد سبقته خطبه الحماسية وتوجيهاته السياسية الهادفة لبناء جيل ثوري قادر علي النهوض ببلده فكانت الثورة الاسلامية الايرانية، بعدها خطا الطلاب خطي وئيدة نحو تطبيق مشروع حضاري شيعي يعتمد نظام ولاية الفقيه فقد أقام الخميني معطيات نظرية لولاية الفقيه على ثلاثة أسس الأول أن الإسلام دين متميز بأحكامه الدنيوية فضلاً عن أحكامه الدينية والثاني أن الإسلام دين جهاد وكفاح وسعي دائب لخير الدنيا والآخرة، والثالث: تصحيح الصورة التي تعرض للإسلام والتي تتتنافي مع حقيقة الإسلام وقد أوضح الخميني من هذه الأسس ضرورات واجبة على المسلمين، وهي: ضرورة وجود حكومة إسلامية لتنفيذ أحكام الإسلام الدينية والدنيوية، وضرورة وحدة العالم الإسلامي باعتبار أن المسلمين أمة واحدة. كل هذه الأفكار أعلاه كانت حلم راود قادة الحراك الجهادي من طلاب الحركة الاسلامية كالشهيد علي عبدالفتاح والفاتح حمزة ومحمد عبد الله خلف الله والشهيد محمد حسن هيكل وبقية العقد الفريد تقبلهم الله، وكل ذلك يوضح أن هناك قواسم مشتركة بين مشروعي الثورة الاسلامية في ايران وثورة الانقاذ في السودان وذلك لأن الطلاب هم قوام الثورتين، لكن صعدت الثورة الطلابية في إيران وأنحدرت رصيفتها في السودان لأسباب سنذكرها في ثنايا هذا المقال. عندما كنا في قطاع طلاب الموتمر الوطني (وعندما أقول قطاع طلاب الوطني فإني أقصد المؤسسة التنظيمية بهذا الإسم ولا أقصد المعني العام للكلمة والفرق واضح مثل ما أن الحركة الاسلامية التي تعني الحراك الاسلامي العام ليست هي بالضرورة المنظومة المسماة بالحركة الاسلامية السودانية ) أقول أننا عندما كنا في قطاع الطلاب تحت إسمه الجامعي (حركة الطلاب الاسلاميين الوطنيين) كانت قناعتنا راسخة بانه انتماءا مجردا من الأهواء ونابذا لنزعات النفس بالروح الخالية من الأدواء فقد عملنا بجهد صادق مخلص وبأمل شامخ نحو السماء، لأن القطاع كان مستنفرا دوما لصد الهجمات ومواجهة الابتلاءات وقد قدم طلاب الحركة الاسلامية الشهداء منذ الاهوال وصيف العبور والوعد الحق وكتائب الخرساء والفجر الجديد لم يركن الطلاب وما ضعفوا وما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله لأن الروح التي كانت تقود ذلك العمل هي روح الجهاد والفداء والتضحيات ونحن حضرنا خواتيمها وعندما كنا (برالمة) كان المتقدمين علينا تنظيميا يجلسون معنا علي النجيلة ويسردون ذكرياتهم في معركة استرداد توريت وكانت جامعة الزعيم الأزهري تنوء بالمجاهدين المصادمين أمثال الأخ (المتين) نضال عبد العزيز الآن يشغل أمين إعلام المؤتمر الوطني ولاية الخرطوم وطارق ادم بالدفاع الشعبي وعبدالله اسحق ومحمد ابراهيم عبداللطيف الآن في سوق (الله أكبر) وعبدالرحمن شراب السم (سكر كنانة) ومعاوية الكامل وقد كان أميري المباشر الأخ حامد عبدالرحمن من ابناء الضعين وكان أخا قدوة ومجاهدا صبورا إجتمعت فيه كل مفاهيم الثبات والفهم والطاعة والتجرد والثقة كان متشربا بفكر التضحية والايثار ومتفاني في نصرة قضيته صواما قواما أفني وقته في التنظيم صبرا واحتسابا حين كان الأخوان اخوانا يلتقون قياما وتهجدا في المساجد وفي تجمعات الشوري تجديدا للعهد وتثبيتا لمفهوم الإمرة، كانت هذه هي القيادات التي تنتج جيلا قادرا منافحا يعرف الحق فينصره ويعرف الباطل ويدحره. لكن الآن الفكر العام أصابه التراجع والذي لم يكن وليدا لحوادث عابرة فهو أتي عبر سلسلة من النكسات ولذلك الهزيمة السياسية التي تلقاها طلاب الوطني في جامعة البحر الأحمر وجامعة سنار وملابسات إغلاق الجامعتين ليست مستغربة لأن التردي العام شمل كل المستويات في الادارة والكادر وحتي متابعي عمليات التجنيد النوعي ومنظري مناهج الطرح والاستقطاب والممسكين بملفات النقابات الطلابية ومنابر الجامعات وكذلك طرق زيادة الصف وحشد الولاء العام هذا غير الاشكالات الداخلية والتي أولها الترهل الإداري فقد صار القطاع مأوي لعاطلي الموهبة وقاصري النظر والرؤية واصبح موبوءا بالشلليات المناطقية التي زادت العمل التنظيمي خبالا وإرتكاسا لم يشهده العمل الطلابي منذ إختراق الحركة الاسلامية لهذا القطاع في منتصف القرن الماضي بأصلب العناصر وفي اصعب المواقف بعكس التي تقود القطاع اليوم فهي روح كسيرة ومبادراتها فطيرة يحبط حماس القائمين عليها ذلك المنهج (الأملس) في معالجة القضايا والتفكير الأشتر عند الحكم علي الأمور. يمكننا القول ان أزمة قيادة طلاب الوطني تتركز في غياب القدوة فالقطاع تثاقل الي الأرض وركن في أوقات الاستنفار والشدة ففي اخر ثلاثة استنفارات قدم الطلاب اقل من 50 في المائة من ماهو مطلوب منهم وحتي الذين استجابوا لداعي النفرة لم يخرجوا تجاوبا مع الإستنفار الداخلي لتشكيلات الطلاب وانما لأن الحال العامة هي ما يوجب الخروج دفاعا عن الدين ومكتسبات الأمة وحدود الوطن، فقد كان من باب اولي أن يكون قادة القطاع في الصفوف الإمامية جهادا وإحتسابا ، وللعلم فنفرة هجليج الأخيرة كانت تجمعا لقيادات كتائب المجاهدين لأول مرة منذ 10 سنوات وكل من تلاقوا كان وقتها طلابا إلا أن قطاع طلاب اليوم كانوا غيابا بكل أسف ، ولا يعرف ما سبب غيابهم فإن كانوا يحرسون الجبهة الداخلية فإنهم فشلوا في سد ثغراتهم والدليل سقوط الجامعات علي يد تحالفات المعارضة، ولذلك لن تسد ثغرات العمل التنظيمي الطلابي داخليا وخارجيا الا بثورة مفاهيمية جديدة علي كل المسلمات المعهودة ثورة تأتي بأصلب العناصر لتتوافق مع حساسية هذه المرحلة وعلي قيادة الحزب أن تراعي هذا الخلل وتوقف إستماعها ل(النسنسات) وتعيد النظر في التقارير الصفراء والتي كلها (100%) والحشود الجوفاء والعنتريات التي ما قتلت ذبابة فليكن البيان بالعمل. بعد كل هذا يجب ان نؤكد أن الطلاب الآن فعلهم التنظيمي الداخلي أضعف بكثير من فعلهم العام وسط الطلاب السودانيين من غير المنتمين سياسيا فقد كانت أنجح المبادرات المتزامنة مع الأزمة مبادرة رئيس اتحاد طلاب ولاية الخرطوم المهندس خالد عبدالله ابوسن حين ترك العمل الاداري (للأخوات) وحل كل إتحادات الجامعات وقام بتكليف أخوات نسيبة بتسييرها فقد نفر أعضاء المكتب التنفيذي وتوجهوا لمناطق القتال في حين أن المكتب التنفيذي للاتحاد العام للطلاب السودانيين -والذي لا يحضرني إسم رئيسه- ظل رابضا في مكاتبه يحرس مؤسسته التي استوردت رتلا من السيارات الفخيمة بمبلغ مليار ونصف المليار جنيه (بالقديم) وهذا ليس للمقارنة بين الاتحادين فمسئول الاعلام بالاتحاد الكبير والذي أدمن الاستعراض والصياح الحنجوري لا يصلح إلا في وظيفة (ترزي مظاهرات وندوات) هذا غير الديناصورات التي تنتقل من أمانة الي أمانة حتي تعداها عصر الطلاب والشباب ووصلت لسن اليأس السياسي وكل ذلك يوضح الفرق بين إتحاد حي وفاعل وإتحاد متكلس وإستعراضي، وإتحاد مقاصدي بمبادرات وتصورات وإتحاد مراسمي بواجهات ووجاهات . بالرجوع للوراء قليلا واستصحابا لما يقال بأن رب ضارة نافعة فقد كانت أزمة هجليج والإستنفار العام (هزَة) بعثت الصحو الجهادي داخل الطلاب الاسلاميين أيقظتهم من غفلتهم فقد شهد قطاع طلاب الوطني في الخمس سنوات المنصرمة ضياعا فكريا بكل ما تحمله الكلمة من معني ففي ظل غياب التفكير الخلاق انحدر مستوي الكسب التنظيمي وغاب برنامج الاتصال الدعوي وساد الهزال السياسي في المجتمع الطلابي فبدلا من ان يرفع طلاب الحركة الاسلامية مستوي الطلاب الي الأرقي سلوكا وقيما ومثلا أخلاقيا تنازلوا وهبطوا معهم الي حضيض الصغار والتصاغر فصار طبيعيا أن تري حفلا راقصا برعاية (حركة الطلاب الاسلاميين الوطنيين) ولا أعرف كيف كانت تطاوعهم أنفسهم برعاية الانحدار الذوقي ماليا والترويج له فعندما تجد الفنانة (مني سيستم أو سنية مكرونة) أو غيرهن يشنفن أذان الطلاب هجيجا و(ربة) فأعلم أن هناك حملة إنتخابية للطلاب (الاسلاميين)!!. ختاما نسأل الله أن يتقبل شهداء الحركة الاسلامية الذين ضحوا بدمائهم وبذلوا أرواحهم رخيصة فداء لهذا الوطن وتثبيتا لقيم الدين الحق وحماية لمكتسبات الأمة والرحمة للشهداء من الطلاب والشباب الذين ما أسترخصوا شيئا في سبيل أن يعيشوا كراما.. يوسف عمارة ابوسن [email protected]