لجان مقاومة النهود : مليشيا الدعم السريع استباحت المدينة وارتكبت جرائم قتل بدم بارد بحق مواطنين    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    جامعة ابن سينا تصدم الطلاب.. جامعات السوق الأسود والسمسرة    من رئاسة المحلية.. الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع يعلن تحرير النهود (فيديو)    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    بحضور عقار.. رئيس مجلس السيادة يعتمد نتيجة امتحانات الشهادة السودانية للدفعة المؤجلة للعام 2023م    إعلان نتيجة الشهادة السودانية الدفعة المؤجلة 2023 بنسبة نجاح عامة 69%    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    احتجز معتقلين في حاويات.. تقرير أممي يدين "انتهاكات مروعة" للجيش السوداني    هجوم المليشيا علي النهود هدفه نهب وسرقة خيرات هذه المنطقة الغنية    عبد العاطي يؤكد على دعم مصر الكامل لأمن واستقرار ووحدة السودان وسلامة أراضيه    منتخب الشباب يختتم تحضيراته وبعثته تغادر فجرا الى عسلاية    اشراقة بطلاً لكاس السوبر بالقضارف    المريخ يواصل تحضيراته للقاء انتر نواكشوط    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يوسف خليل الرجل الأسطورة صفحة نيرة من صفحات المسرح والشعر السوداني
نشر في حريات يوم 27 - 07 - 2012

ولست أبالغ في هذا ، إنه بالفعل أسطورة لن يجود الزمان بمثله ، بالطبع لي أصدقاء كثيرون سواء في السودان أو في المهاجر ولكن يوسف خليل يختلف ولو كان لي صديق واحد لما ترددت في الإشارة إليه ، رحل عنا في غفلة من الزمان وهو في غربة إضطرارية مشى إليها ” مجبرا أخاك لا بطل ” بعد أن ساءت الأحوال في السودان وتغيرت الكثير من الأشياء التي لا تشبهه ، حمل شعره ومسرحياته ونصوصه الأخرى وخرج ، وكان متألما جدا لذلك الخروج القاتل لأديب وفنان مقاتل بمعنى الكلمة .
تعرفت عليه قبل رحيله في 25 يوليو عام 2005 بالخرطوم -واليوم 25 يوليو 2012 – منهيا بذلك رحلة طويلة من الإبداع دامت سنين وسنين ، وخلف الكثير من الوثائق الفنية والأدبية والسياسية ، ولا زلت حتى اليوم أذكر فرحه الكبير عندما علم أني أصبحت سكرتير لجنة النصوص بالمسرح القومي بأم درمان ، كان ذلك في نهاية الستينات وبداية السبعينات من القرن الماضي، عندما كنت ألتقيه تقريبا كل يوم في ” الحوش ” وهي التسمية المحببة لنا وتعني –الإذاعة والتلفزيون والمسرح– جاءني يحمل إنتاجه المسرحي والشعري والسينمائي ، كنا تقريبا في نفس العمر ولكني كنت أشعر أمامه بأنه أستاذ وأنه ينبغي علي أن أناديه بهذا المسمى ، والغريب في الأمر أنه أدرك هذا فكان يقول لي ” إنت يا البدري صديق عزيز ” ثم يمنحني تلك الإبتسامة الموحية التي تنسيني كل أحزاني ومعاناتي فازداد إحتراما له ، وقد سمعت يوما ببيت الشعر الذي يقول ” قم للمعلم ووفه التبجيلا كاد المعلم أن يكون رسولا ” وكنت أردده على النحو التالي “قم للخليل ووفه التبجيلا كاد الخليل أن يكون رسولا ” ، ومناسبة هذا عندما عرض علي صديقي الراحل المقيم عبد الهادي الصديق كتابه المعنون ” الصوت والصدى ” عن الأستاذ الكبير الفنان خليل فرح فوجدتهما يتشابهان .
أنا أيضا ضاقت بي الحال في السودان عندما تم فصلي من الخدمة في منتصف عام 1975 فخرجت هائما محزونا لا أعرف ما هو المصير ولا أعرف المستقبل، فقد كان كل تفكيري في المسؤولية الضخمة تجاه أخواتي وأخواني ووالدين يكدحان بقوة من أجلنا جميعا ،و بعد رحلة طويلة في المنافي البعيدة والقريبة إستقر بي المقام في الكويت ، وعرفت أنه قد إستقر به المقام في دولة الإمارات العربية المتحدة ، حصلت على هاتفه واتصلت به ودعوته للحضور إلى الكويت وفعل .
قضى معي نحو عشرة أيام كانت هي أجمل أيام حياتي لأنه ملأها ضجيجا غير ” إعتيادي ” في المسرح والسينما والشعر …إلخ .
أنا لا أعرف زوجته الكاتبة هدى علي عثمان المعروفة ب ” هدى الجزار “ رغم أنه حكى لي عنها الكثير ، ولا أعرف أولاده وبناته ولم ألتقيهم جميعا ولكن للحق أقول حكى لي عنهم ، وكم أود الآن أن أتعرف عليهم بقناعة راسخة أنهم لا بد أن يكونوا من الرائعين على غرار والدهم .
سيرته الذاتية تقول : يوسف بن خليل بن يوسف بن حارث الجعفري ، ولد في مدينة دنقلا العرضي في أكتوبر عام 1943، درس بمدرسة السعادة النصفية ثم أتم المرحلة الوسطى بمدرسة الحلة الجديدة بالخرطوم ، ثم إنتقل للكلية القبطية الثانوية والتحق بجامعة القاهرة فرع الخرطوم كلية التجارة 1962 ، عمل بوزارة الري ووزارة الشباب ، إلتحق بالمدرسة العليا للمسرح ” هانز- أوتو ” بألمانيا الديمقراطية في ذلك الوقت حيث درس الدراماتورجي وهو أول تخصص يدرسه سوداني ، ثم نال دبلوم معهد الإدارة في الخرطوم كما عمل بوزارة الثقافة والإعلام .
كان سكرتيرا لإتحاد أدباء الإمارات ومؤسسا لمسرح الطليعة في خورفكان ، ومديرا إداريا وفنياللمسرح لمدة عشرة أعوام ، إلى جانب إشرافه الثقافي في النادي الأهلي في دبي ، ومؤسس منتدى الثلاثاء ونادي السينما ومشاركا نشطا في فرقة المسرح التجريبي بالنادي ، وقدم لهذا المسرح :
جسر آرتا للكاتب المسرحي جورج ثيوتوكا
الإمبراطور جونز
كما قدم لمسرح خورفكان الشعبي مسرحيات : لعبة الكراسي وقدمت في مهرجان دمشق المسرحي العاشر ، غريب بن خلفان ، أوه يا مال ، ليش ومسرحية للأطفال .
ولمسرح الطليعة قدم مسرحيات : أبو زهرة ، السحارة ، البيت ، سلطان الراوي وعطس وفطس .
يوسف خليل لم يكن مبدعا مسرحيا فقط بل كان شاعرا رائعا وله عدد من الدواوين الشعرية بالعامية والفصحى مثل : كلمات من أوضتي الجوانية و” هو بين البداية والفصل الأخير ” ، كما له عدد من المجاميع القصصية والأعمال التلفزيونية والسينمائية والمسلسلات الإذاعية ، وكتب بالصحافة والمجلات السودانية والعربية والخليجية ، وهو أيضا ممثل بارع وقد شاهدت له شخصيا بعض الأعمال الدرامية مثل مسلسل أقمار الضواحي وإنهم مسؤوليتي .
يلاحظ مما تقدم كيف هو أولا مجتهد ونبيه وعلى قدر هائل من الإستيعاب وكاتب وفنان شامل ، وفي جميع الوظائف التي تقلدها كان نابغة يشار إليه بالبنان ، وإختصارا لكل شيء أقول أنه كان قاريء جيد وكاتب مبدع وفنان مرموق ومقاتل حقيقي ونموذج يحتذى وتلك كانت نظرتي له .
يوسف سافر إلى الإمارات - كما قلت سابقا – واشتغل في عدة مواقع إلى أن عمل بدائرة الثقافة والإعلام بالشارقة التي ما يزال يعمل فيها أستاذي يوسف عايدابي ومعه الممثلة الرائعة نادية جابر .
مسرحية الزوبعة
كان أول لقاء لي معه في مسرحية الزوبعة للكاتب المسرحي الرائع محمود دياب والتي قام بسودنتها بنفس الإسم وأخرجها للمسرح القومي بأم درمان المخرج الكبير الراحل المقيم عوض محمد عوض ، بمشاركة ممثلين كبار أمثال إسماعيل طه والراحل عوض صديق والطيب المهدي ومحمد رضا حسين وعلي مهدي وكاتب هذه السطور وآخرين ، وقدمناها أيضا على خشبة مسرح واد مدني ومسرح الأبيض ، كانت الزوبعة بالنسبة لكل هؤلاء الممثلين مسرحية على درجة عالية من الكتابة المسرحية الجادة والإخراج الأكثر جدية ، ولكنها كانت بالنسبة لي المدخل الحقيقي لعالم المسرح على الرغم من تجارب سابقة مع عثمان جعفر النصيري والشاعر علي عبد القيوم ، لذا كانت لي مناقشات كثيرة جدا مع المخرج الذي كنت مساعده ومع المسودن يوسف خليل .
يوسف خليل كان أمينا جدا مع مسرحية محمود دياب الأصلية ، فهو حافظ على روح المسرحية ومضمونها وحتى على شخصياتها ، فالمسرحية رغم أنها تجري في بيئة مصرية وحول موضوع في غاية الحساسية – شهادة الزور ومسألة الثأر – إلا أن يوسف جعلها مسرحية سودانية لحما ودما ، وهذا هو الإبداع في السودنة ، أو الإبداع في المسرح ، ولذ أستطيع أن أقول كان يوسف مبدعا ، وقد إلتقيت محمود دياب في القاهرة في السبعينات وحدثته عن المسرحية وكان سعيدا جدا .
الكاتب والمسودن يتخذ فضاء القرية كرمز للوطن ، ليجمع فيه كل النماذج الموبوءة التي يأكل بعضها البعض في سبيل المال والسلطة والنفوذ .. ومسرحية – الزوبعة – التي كتبت بلهجة محلية ذات خصوصية إنسانية لأنها تعالج قضية شهادة الزور ، وإن كانت ضد فرد – أبو شامة – بكل ما يمثله من دعوة للحقد لكننا ومن خلف الأحداث نجد أن شهادة الزور تطرح رؤيا أعمق من الأجواء التي تدور حولها مسرحية – الزوبعة – منذ أضاعت شهادة الزور أبو شامة وحملته إلى السجن واغتصبت أرضه وبقى أبنائه في العراء ..
نفس هذا المفهوم عكسه يوسف خليل، فالقصة الأصلية والمسودنة طرحت ما هو أكبر من مسألة ظلم فردية وعادية .. فالسؤال هنا كم أضاعت شهادات الزور من أوطان وأراضٍ وقرى جميلة بمساحة الوطن ؟ وبمساحة الإنسانية أيضاً .. فأبو شامة في مسرحية محمود دياب الذي اتهم بالقتل زوراً داخل قرية نمت فيها الطحالب ومورس بداخلها القهر ضد البسطاء حتى يكفروا بكل القيم النبيلة .. وصالح الشاب الوديع الذي ينعته أعيان القرية بالأهبل أو المجنون كان أبو شامة ” وقام بالدور في النص المسودن الممثل الكبير الطيب المهدي ” ، والده أحد دعاة الحق في القرية يكره الظلم والتسلط كذلك تم التخلص منه بشهادة زور جزاءاً له على إيمانه بقيم الخير والعدالة .
لكن الناس لم يكتفوا بسجنه بل اضطهدوا ابنه وحولوه إلى عضو عاطل يكفر بقيم أبيه ، لأن هذه القيم هي التي أدخلته إلى السجن ، وهذا ما فعله يوسف خليل ، وهذا يرمز إلى أن أعداء الإنسانية لا يكتفون بمحاربة كل من يدعو إلى العدالة .. بل يسعون إلى تكفير الأجيال القادمة بهذه القيم ، بمعنى أن الدعوة إلى الحق تتحول إلى اتهام بالجنون وأول مكابدة يواجهها صالح ابن أبو شامة هو تخلي حبيبته حليمة عنه ، وأمامي الآن مسرحية الزوبعة لمحمود دياب وفقدت المسرحية المسودنة ومقالة نقدية لها لم أستطع معرفة اسم كاتبها ، ولكن هذا لا يمنع من إطلاعكم عليها ::
حليمة : تحبني يا صالح ؟ وهل أنا مجنون حتى أتزوجك ليقول الناس تزوجت أل ..
حليمة : لا داعي حتى لا تغضب .. لكن .. سأقولها ولتغضب يا صالح .. حتى يقول الناس عني أني تزوجت الأهطل ؟
صالح : أنت أيضاً يا حليمة تقولين عني هذا ؟ أنت أيضاً ؟
حليمة : لست أنا الذي يقول .. لست أنا .. الناس يقولون عنك أهطل .. أهطل ..
صالح : لقد قلت لصابحة أختي كل الناس تكرهنا هنا لماذا لا نترك القرية ونرحل لكنها رفضت ولم تقبل .. قالت لي إن أبانا ليس قاتلاً .. ليس مجرماً .. هم الذين لفقوا هذه التهمة حتى يتخلصوا منه ، أقول لها : إن الشيخ يونس أصبح يكرهنا ، تقول لي أن هذا خيال ، أقول لها أن حليمة تغيرت تقول لي اذهب اسألها لماذا تغيرت وفضلت إبراهيم أو أحمد عليك ؟!!
سرت إشاعة في القرية أن أبا شامة الذي سجن ظلماً منذ عشرين عاماً قد خرج من السجن فقامت الدنيا وارتعدت فرائص الناس تهشمت مواطن الانشراح في جوانحهم .. لماذا ؟
مسرحية ( الزوبعة ) كتبت كنص محلي ، بلهجة محلية ، لكن أي دارس متأني لا يمكنه أن يغفل قوة البناء الدرامي فيها ، فلقد استطاع محمود دياب أن يضع حشداً من المواقف المتصاعدة .. والمتعالية ،
شحن نفسي وتوتر فكل مشهد هو ذروة متصاعدة من المواقف والانتقام ؟
سالم : ( مذعوراً ) ترى بمن سيبدأ أبو شامة – إنه يطلب عشرين رأساً .. وأنا أباً لعيالٍ كثر .
يونس : صابحة ؟ ما الذي أتى بك إلى هنا .. ارجعي يا حاجة صابحة ؟
صابحة : سمعتكم تتحدثون عن ولدي أبو شامة ، الذي سيعود بعد طول غياب .. هذه ليلة عرس يا يونس .. ولدي سيعود الليلة .. سأفرح .. سأشمت بكم جميعاً وبقريتكم الظالمة .
سالم : ( ما يزال مذعوراً ) حاجة صابحة .. أنا .. أنا .. أريد أن أرتمي عليك وأستسمحك .. هات يدك لأقبلها .
صابحة : أبعد يدك عني يا أبو سليم .. يا ضلالي ( للجميع ) جميعكم ضالون ، عشت حتى اليوم الذي يرجع فيه ولدي – كنت دائماً أراه يعود في ليلة قمرية ، وجهه منير ، كم مرة يقول لي : أماه سأعود للقرية الظالمة !
سأعود للذين شهدوا زوراً .
والحوارات والصراع حيث جسد المؤلف حالات الخوف وممن يخافون ؟ ، والجميع مدانون ، ولا يعرف أحد منهم ، من أين سيأتيه القصاص ، ومن أي منفذ سيدخل عليه – أبو شامة – للانتقام .. كل من في القرية ينهشه القلق ، لأن كلاً منهم يعرف أن بيع الوطن – القرية – الرمز – أبو شامة – ليس سهلاً ، بيع مصائر الناس ، هو ذاته بيع الأوطان ، هذه حياة شهود الزور في كل مكان وزمان ، يكتبون بأقلامهم شهادات الردة ، ويزيفون حقائق التاريخ ، مقابل مصالح خوفهم المتراكمة في القرية ، فلكل فرد أهميته .. ولكل شخصية جدواها من خلال قوة في التناول والحوار .. حيث لم يجعل للبطل الفرد مكاناً يذكر فكل شخصية لها بناؤها وعالمها بالرغم من وجود شخصية أبو شامة المحورية الغائبة ، ولم تكن غائبة لبطولتها بل كان الغياب حضوراً دائرياً مهماً كي يعري من خلاله مجموعة من النماذج الطوطمية ، من شعلان صاحب الحجة المزيفة إلى الأعرج الذي ترتعد فرائصه في انتظار المجهول بالرغم من تظاهره بقوة ، والسارقان وليس أبو شامة وقد زرعت ( صابحة ) أم أبو شامة الذعر في قلوب أهل القرية بحديثها الدائم عن عودة ابنها فقد ادعت أنها قد شمت رائحته ، لقد تعلق أبناء القرية بالأوهام من شدة الذعر عندما أيقنوا أن أنف الأم لا تخطئ رائحة أبو شامة الطيبة ! ؟ أم من ابنه المنعوت بالبلاهة ؟ لابد أن هناك ما يخشاه أهل القرية من حضور أبو شامة .. لقد كانوا ينعمون في ظل جلساتهم الحالمة نسوا شهادة الزور، تراكم عليها عشرون عاماً .. فماذا يريد أن يقول كاتب مسرحية الزوبعة ؟ ولماذا أصبحت هذه العودة شبحاً يسيطر على أحداث النص من وراء السطور .. إلى هذه القرية الساكنة عنوة بفعل الكبار الذين فرضوا عليها الدعة والصمت ، لكن النار دائماً تحت الرماد .. فقد بدأت الزوبعة تشد الرجال نحو القرية لتكشف الأوراق أو على الأقل هذا ما أوصى به محمود دياب .
في مسرحية ( الزوبعة ) للكاتب المصري الراحل محمود دياب .. الجميع في انتظار أبو شامة ، يقتلهم الترقب والفزع ، فشهادة الزور شبح مخيف ، وأبو شامة دخل السجن بسبب شهادة زور ضده ، القرية بأكملها تغلي كالمرجل .. ما الذي سيحدث ؟ الجميع قد أساءوا إليه، وهذا أيضا ما فعله يوسف خليل عندما جعل الطيب المهدي يظهر في الفصل الأخير من المسرحية المسودنة
الآن : الجميع في انتظار أبو شامة ، أعادوا له داره وأمواله ، وأبدوا استعدادهم من أجل العمل على زواج حليمة من صالح ، وفسخ خطبتها ( لأبو حمد ) ، رغم أنهم كانوا ينادون صالح ابن أبو شامة ( بالأهطل ) بما فيهم حليمة ذاتها ، فالخوف دفع الجميع للاعتراف بذنوبهم ، منهم من أرجع الدار المسلوبة إلى أبناء أبو شامة ، ومنهم من أرجع أموالاً كانت مسروقة من زوجة الغائب المتوفاة ، ومنهم من قدم اعتذاره ، الجميع يطلبون الصفح لكنهم ينتظرون المجهول خاصة بعد قتل الأعرج الذي وجد مخنوقاً في الجامع بعد المواجهة الساخنة بينه وبين خليل واعترافهما أمام أبناء القرية بأنهما القاتلان ، أن “ أبو شامة “ جاء ليقتل عشرين رجلاً من القرية ، فلم يعد أحد يجرؤ على الذهاب لسقاية زرعه وإن تعرض للتلف والفساد ، الخوف جعل الكل مذعورين وغريزة حب البقاء جعلتهم يتنازلون مؤقتاً عن شرورهم.
لكن شهادة الزور ماثلة في الأذهان إذ لم يعاقبهم الغائب الحاضر ، الذي لن يأتي ، فحتماً يوماً ما سيعاقبون فلقد دفع هذا الانتظار المرعب الآخرين إلى الصحوة .. الآخرين الذين لم يتلوثوا .
حتى وصول ( أبو طالب ) كان الخوف يمسى ويصبح في القرية ، عند وصول أبو طالب زميل أبو شامة في السجن ، وجد كل الناس مذهولين وانهمرت عليه الأسئلة من كل مكان ( اين أبو شامة )
أبوطالب : آه يا بلد .. منذ الصباح وأنتم مذعورون كل من أراه يسألني عن أبا شامة ، لو كنت أعرف مكاناً آخر ما رجعت إلى هنا إن أبو شامة قتل الأعرج .. استغربت الخبر .. أيها البلهاء .. أبو شامة وصل إلى هنا ؟
كيف أيها الظلمة وأبو شامة شبع موتاً منذ أربعة أعوام .
وهكذا تنتهي أسطورة الغائب لكن في القرية تبدأ أجواء أخرى مغايرة صحيح أن الشرور بدأت تعود لكن هذه المرة وجدت الشرور من يقف في مواجهتها ، لم يعد الصمت على الذل – سيد القرية – لقد غيرت الزوبعة من أفكار الناس وهزت عقولهم – فلن تعود القرية جاحدة لأبنائها كما كانت فلقد أيقن الناس أن شهادات الزور كانت سبباً في ضياع أرض ، وقرية ، ووطن ، وفضاء جميل شوهه الخذلان والخوف .. الزوبعة أيقظت القرية من سباتها وأحيت فيها الإحساس بالأخطار الداهمة ليواجهونها ويمنعون زحفها ويحرقون كل أوراق البهتان والزور والاستحواذ .. الشمس أشرقت على القرية والأنفاس أصبحت غير الأنفاس والوجوه غير الوجوه تغيرت مواقف الناس تجلجلت أركان القرية وكانت هزة في حاجة إليها .. ( أبو شامة ) الغائب الحاضر زرع فيهم كنه الخوف .. الخوف على الأرض والخوف على المستقبل .
عالم من الإبداع
يوسف خليل إلى جانب الزوبعة قدم الخضر وجوابات فرح وهما من إخراج المبدع صلاح تركاب ، وهو الآخر إغترب وفقد المسرح السوداني بإغترابه رمزا مهما جدا في الإخراج والديكور .
ويوسف له أيضا مسرحية اسمها على ما أظن الغول والغريب إلى جانب سودنته الرائعة لمسرحية الكاتب والشاعر الإسباني فيديركو غارسيا لوركا “ بيت بيرناندا إلبا ” وكانت بإسم ” بيت بت المنى بت مساعد ، حكاية سالم السناري ، ضرار الأول ، الرجل الكبير ، السحارة ، من سبق غلب وعنبر عنبر .
هذا الكم الهائل من المسرحيات ويقول البعض المسرح السوداني يعاني أزمة نصوص ، كيف يمكن أن نقبل هذا الحكم القاسي ، وبدلا عن إطلاق الكلام على عواهنه لماذا لا يتم الإتصال بالأستاذة هدى علي عثمان ؟؟؟؟
يوسف له فضل كبير علي لأنه فتح لي الطريق لمعرفة أثنين من عمالقة المسرح العربي والإسباتي وأعني بهما محمود دياب ولوركا ، لدرجة أني إنزويت في مكتبة خالي الراحل المقيم الفكي عبد الرحمن وقرأت جميع أعمالهما باللغة العربية .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.