عبد الوهاب بدرخان ……….. توصل السودان الشمالي والجنوبي إلى اتفاقات جزئية من شأنها أن تهدئ النزاع بينهما مؤقتا، لكن محادثات عمر البشير وسيلفا كير في أديس أبابا أخفقت في إيجاد حلول لخلافات أساسية تتعلق بالمناطق المتداخلة على حدودهما وهي أبيي والنيل الأزرق وجنوب كردفان، ولذلك يرى المراقبون أن الاتفاقات الجديدة هي نسخة مطورة من اتفاقات سابقة أخفق الطرفان في تنفيذها. كان العامل الحاسم الذي دفع البشير وسيلفا كير إلى الجلوس معا وتوقيع ثماني وثائق لفك الارتباط بين دولتي السودان أن ضغوط الاتحاد الأفريقي بلغت ذروتها مع إصدار خارطة طريق لمعالجة الأزمة بينهما. وما لبث مجلس الأمن أن تبنى هذه الخريطة بالإجماع محددا لهما مهلة يعمد بعدها إلى التعاطي مع الأزمة وفقا للفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة الذي يتضمن تدخلا خارجيا للفصل بين البلدين ريثما تتوصل الحكومتان إلى تسويات لخلافاتهما. ولعل الايجابي في المحادثات الأخيرة اتفاق الطرفين على مناطق عازلة منزوعة السلاح لتفادي الاحتكاكات وعلى ترسيم نحو 80 في المئة من الحدود، وكذلك معاودة ضخ نفط الجنوب عبر الأنابيب المارة بأراضي الشمال مع إعادة فتح الحدود المقفلة. والواقع أن النظامين في الشمال والجنوب يعانيان حاليا من أوضاع اقتصادية بالغة السوء. ومن أوضاع سياسية غير مستقرة بعضها لأسباب داخلية، وبعض آخر مرتبط بتداعيات الانفصال وبالتالي فإنها بحاجة إلى هدنة طويلة. وكان عليهما التوافق على ما هو ممكن الآن تفاديا لتدويل الأزمة الذي يعني أيضا إطالتها وتعريضهما معا للضغوط. ذاك أن طبيعة الخلافات الحدودية وتداخل السكان والمصالح فيها تفرض على البلدين البحث عن حلول سياسية خلاقة لها بدل إخضاعها لمنازلات عسكرية دورية لا تستطيع الحسم. فالطرفان تحاربا طويلا ثم توافقا على الانفصال من دون خطط وتفاهمات واضحة لبناء حسن الجوار. ومن شأن المجتمع الدولي أن يساعدهما في هذه النقطة بالذات لأن ثمة أوضاعا صنعها الزمن والتعايش بين الناس ولا بدّ من الوقت والإرادة السياسية لتطبيعها.